محمد نبيل محمد يكتب : سيناء .. القداسة والتجلى

ليس جديدا على القارىء ان يصل الى علمه ان (مصر) هى المفردة السياسية الوحيدة التى ذكرها الله تعالى فى صحفه المقدسة ، وايضا (سيناء) هى الارض الوحيدة التى مازالت باقية بقاء المقدس من النص الالهى كما هى دلالتها ، وتستوى فى ذلك البقاء مع مكة المكرمة فهما القطعتين من ارض الله فى ملكه مازالتا باقيتان تحفظهما قداسة النص الصادق للابد.
ايضا كان لجبل التجلى خصوصية منفردة تميز بها جبل سيناء عن جبال الأرض قاطبة، مما جعل للفخر موضعا شاهقا فى وجدان المصريين، فلا يوجد جبل آخر حتى فى مكة ذاتها تجلى رب الخلائق عليه سوى جبل التجلى بسيناء.
وبالنسبة لعرفات فقد قال عن شعيرته سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ان الحج عرفه” وكفى هذا الجبل تشريفا أن رحمات الله ومغفرته تتنزل على عباده فى يوم عرفه، فجُعلت شعيرة الوقوف بعرفة هى الأهم على الإطلاق فى مناسك الحج، وفى هذا تشريفا وقداسة لهذا الجبل، وكما بسيناء جبل المناجاة، الذى تجلى الله عليه، واختص سبحانه وتعالى من عموم الأرض، هذه الأرض (سيناء) وبها ذاك الجبل (الطور) الذى سيظل مباركا مقدسا
إلى أن يرث الله الأرض ومن وما عليها، وزاد الله سيناء خصوصية فى شجرها (وشجرة تخرج من طور سيناء ننبت
بالدهن وصبغ للآكلين) الآية 20 سورة المؤمنون، وأنعم الله على سيناء بثمارها( والتين والزيتون وطور سينين وهذا
البلد الأمين) الآية 1سورة التين، وفيها أقسم الله تعالى بثمار سيناء من التين والزيتون وبجبلها (الطور) و(سيناء)
وجمعهم مع البلد الأمين (مكة) أيما شرف، وما أعظمها قداسة، أن تكون سيناء مصر بأشجارها وثمارها وجبلها تتصف
بالقداسة تماما كما هو حال مكة (الحرم) وكلهم محل قسم من الله سبحانه وتعالى، وكان لمصر الأمن والأمان كما
لمكة كذلك، (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)الآية 99 سورة يوسف، إلى أن كانت مصر فى القرآن صراحة مرات اربعة،
وعشرات المرات فى قصصه عن مصر وأهلها ونيلها وحكامها ، … وجاءت مصر قرابة (700) مرة فى الكتاب المقدس
بدءا من سفر التكوين إلى سفر الرؤية، ودخل مصر من سيناء الرسل أولوا العزم والأنبياء كما فى ذكر الأنبياء يوسف
ووالده يعقوب وإخوته، ومن قبل أبو الأنبياء ابراهيم، ومن بعد كان موسى كبير أنبياء بنى اسرائيل، ثم عيسى الذى
آوى إلى مصر مع أمه من ظلم هيرودتس، إلى آخر الأنبياء والمرسلين وخاتمهم سيدنا محمد عليه وعليهم الصلاة
والسلام، وكثير آخرون من الأنبياء مروا بسيناء وولدوا وعاشوا بمصر، وكانت سيناء محطة من محطات رحلة الإسراء،
وأيضا شملت سيناء وعموم مصر محطات رحلة العائلة المقدسة، والسؤال المعروفة إجابته مسبقا: أليس فى كل
ذلك تكريما لسيناء، وتعظيما لمكانة مصر؟! وأيضا قداسة لسيناء التى تجلى عليها الله الملك دون غيرها من بقاع
أرضه. ونستلهم من الشهيد جمال حمدان مقولته: “ان الارض تعطى صفاتها لمن عليها” كذلك اعتمادا على قياس
المنطق الأرسطى البسيط وهو كما أن سيناء تتصف بالقداسة وتلك صفة تهبها للأهلها فكذلك – قياسا على
المنطق- يتصف أهل سيناء بالقداسة ، ولما لا (؟!) وهم أول شهداء مصر دفاعا عن سيناء ومصر جميعها أرضا وشعبا
ومقدرات، وزاد من كرم سيناء لمن أحبها أن وهبته الشهادة كما منحتها لهؤلاء المصريين ممن يأنسون بجوارها
وينعمون بتبر ثراها.
وسيناء التى كانت ولاتزال معراجا لشهداء مصر، ومدفنا للغزاة الحاقدين، وساحة شرف وجهاد، وصلاة وعبادة، وعمران
وزراعة، وتعدين وبناء، وحضارة وثقافة تستلهم منها عموم الحضارات ثقافاتها كما روافد الأنهار التى تصب فى بحر
واحد، سيناء الآن تنتصر لشهدائها الأبطال الذين توضؤوا بثراها الطهور وروه بدمائهم الزكية، سيناء الآن تنادى: حى
على الفلاح، كما نادت من قريب: حى على الجهاد، فلبى الشجعان من أبناء مصر، ولازال الآخرون يلبون: لبيك يا الله
فى سيناء، كما يلبى الحجيج على عرفات: لبيك اللهم لبيك.
الكثير منا يبكى حاله فى يوم عرفه لأنه لم يكن هناك مع هؤلاء الواقفين بعرفه، ربما لضيق حال وعسرة منعته، أو
لغير ذلك من الأسباب، وما أدرانا أن أرواح الكثيرين منا لا تقف هناك مع هؤلاء؟! وما أعلمنا بأن أجسادا هناك شاخصة
على عرفات الله ولم تذهب أرواحها معها؟! لا يعلم السر إلا الله، ولا علينا سوى السعى الصادق، فكم من أوراح جاد
بها أصحابها فى سيناء ورأها الحجيج هناك على عرفات، وكم من حكايات صادقة يسبقها القسم على صدقها بروايات
تشهد برؤية شهداء سيناء على عرفات مكة.
لا حزن لكى يا ام الشهيد وأخت البطل وزوجات الشجعان وبناتهم، فمن عرجت روحه من سيناء، طافت بالبيت،
ووقفت على عرفات نيابة عنكن، وعنا – نحن – إن أخلصنا لسيناء كما أخلص لها شهدائها، لنكون مع الواقفين بعرفات
جسدا وروحا أو روحا ! نحمد الله على عرفات مكة وطور سيناء.