” حكاية لولدى عن عنتره قبل النوم ! ” .. يكتبها الإعلامي محمود عبد السلام

جلس حاكم القبيلة فى صدارة المجلس ، وأحاط به كبار القوم وأغنيائهم وفرسانهم وفى نهاية المجلس جلس جمع من البسطاء والعبيد ، عشرات السنين والقبيلة تتأهب للمعركة الفاصلة مع ابناء عمومتهم الساكنين عند أطراف الصحراء من الناحية الأخرى ، تثائب شيخ القبيلة وخرجت الكلمات من فمه غير واضحة ، رائحة الخمر كانت تفوح تعبق المكان كلما تحدث ، حالة القرف التى تملكت المحيطين به جعلتهم يتسربون من حولة فراداً ثم جماعات ، وبقى فى المجلس التجار ، الحرب على وشك الأندلاع والناس خائفة من ارتفاع الأسعار وعدم الأستقرار ، مجبرين على التعاطى مع قرارات حاكم القبيلة ، أنتشر العسس فى كل مكان ينقلون إلى شيخ القبيلة كل كبيرة وصغيرة حتى دبة النملة السوداء فى الليل البهيم ، فى الليل يقطع العسس والعسكر الطرق ، يفتشون الذاهب والغادى ، واذا وجدوا ما يستلبوه لا يترددون ليتقاسموه مع كبار القوم ، كانت الناس تتجمع أمام الخيام فى الليالى المقمرة يتسامرون ويغنون ويتبادلون أحاديث الترف والهناء ، تبدل الحال تماماً منذ عدة سنوات وأصبح أجتماعهم لتبادل الشكوى والتأفف من الظلم والفساد الذى أنتشر فى القبيلة وتفشى ، لم يعتاد عنتره الفارس المغوار أن يصمت أمام الظلم والقهر ، أخذ زاده وسيفه وفرسه وقرر الخروج الى مضارب أخرى لعله ينعم هناك بشئ من الأستقرار ، فى جولاته على مشارف القبائل الأخرى لاحظ عندهم أشياء لم يجدها فى قبيلته ، وكان يسمع من البسطاء من هذة القبائل حكايات عن عدل كبار القوم وعطفهم عليهم ، لاحظ أيضاً سيوفهم اللامعة وحرابهم الصلبة وجيادهم القوية ، فى الليل كان يسهر عنتره يتابع نجوم الليل فى الصحراء المترامية ، ينظر إلى السماء ف تترائى له النجوم فى السماء العريضة كأنها مصابيح متلاءلئة تضئ الكون حوله والقمر يفرش أشاعته كسجادة زرقاء على أمتداد الصحراء ، ثم يتذكر ملاعب قبيلته وصور أصدقائه حين كانوا يتبادلون التهانى بأعياد النصر عند عودتهم من معاركهم منتصرين ، تملأ الدموع عينه وهو يتذكر الماضى التليد ، ويتحسس سيفه الصدأ وينظر الى جواده السمين الذى افقده الأستسلام رشاقته ، أخر معاركه التى أنتصر فيها كانت عندما غدر قبيلة ياعوذا بأطفال القبيلة وأختطفوا نسائها وأعتدوا على كهولها ، يومها خرج عنتره على مقدمة جيش جرار ، أحرق على قبيلة يعوذا ديارهم وأسترد الأسرى وأعاد إلى القبيلة شرفها ، أثناء أحتفال القبيلة بالأنتصار ألتف نفر من الكبار والصغار والنساء يحتفلن بالبطل المغوار الذى أسترد شرف القبيلة ورفع رأسها بين القبائل الأخرى ، لكنه لاحظ كلما ألتقت عينه بعين الحاكم ، بنظرة يعرفها عنتره جيداً ، كأن الحاكم يقول له : ها أنت تزلزل مقعدى على رأس القبيلة من أركانه الأربعة ، لقد كسبت حب الجميع وأحترامهم ولم يبق إلا أن تتقدم لتطيح بى من عرشى لتلقى بى بين عوام الناس ، ها هم الناس لا ينحدثون فى سرهم وعلانيتهم الا عن القائد المنتصر عنتره ، فى الأسواق وفى النوادى وليالى الأفراح حتى المآتم ، عنتره ياهذا يجب أن أنتهى منك سريعاً ، فى نهاية حفل الأنتصار ، بعد أنصراف الناس أنفرد الحاكم بعنتره وخيره بين أن يقتل أو أن يغادر مضارب القبيلة إلى الأبد ، فسأله عنتره قائلاً : لكنى ياسيدى حاكم القبيلة أنا لم أصنع شئاً أستحق عليه هذا العقاب ؟
الحاكم : لكنك أنتصرت ولم تبلغ الناس بأننى الذى وضع الخطة ووجه القبيلة فى اثناء المعركة ! عنتره : لكنك ياسيدى لم تفعل ذلك ولم تغادر فراشك الوثير إلى أرض المعركة ؟
أنت أذاً تنكر أن ألهامى للجيش وتوجهاتى له السبب الحقيقى للانتصار !
– لا ياسيدى بالتأكيد أنت كنت هنا مع رجالك لتحمى الديار !
– تقصد أنى كنت هنا أرعى النساء ؟
– كلا ياسيدى
– أذاً ماذا تقصد بهذا الهراء الذى تفوهت به من قليل ؟ هل تنكر يا ثابت أننا القائد والمخطط المُلّْهَمْ ، وأننى الذى
أسهر على حماية القبيلة ، وانا الذى اوفر لكم احتياجتكم ، وازرع واحصد ، واقرأ لكم وأكتب ، وأزوركم فى أحلامكم
لأوحى لكم ؟ هل تنكر يا عنتره !
– لكنك ياسيدى منذ أستلمت حكم القبيلة بعد موت شيخها وحاكمها السابق الناصر بأمر الله لم تغادر خيمتك ،حولك
الحرس وبين يدك الجوارى والغلمان ، وعلى مائدتك أفخر أنواع الطعام ، والناس يموتون جوعاً وعطشاً فى كثير من
الأحيان ،
عند هذه اللحظة أشار الشيخ الحاكم للجنود فأطبقوا على عنتره وقيدوه ثم أخذوه بعيداً وألقوا به فى الصحراء ،
وأشاعوا بين الناس هروب عنتره إلى قبيلة أخرى طمعاً فى المال ،
مرت السنين وعنتره بعيداً عن القبيلة ينقل له أخبارها بعض من جنوده ، كانت قبيلة يعوذا تستعد للهجوم على
قبيلته أنتقاماً من هزيمتهم ، فى كل ليلة يتسلل عنتره إلى أكناف قبيلة يعوذا يتعرف هلى أستعدادتهم للهجوم ،
وفى أحد الليالى عرف عنتره موعد الهجوم على قبيلته ،
سابق جواد عنتره الريح وذبح الوقت وهو فى طريقة إلى مضارب القبيلة ليخبرهم بموعد الهجوم ، وصل الخبر لحاكم
القبيلة بوجود عنتره فى الأسواق يخبر الناس بتوقيت هجوم قبيلة ياعوذا عليهم ، كان يسير بين الناس كالمجنون
يزعق ويجذبهم حتى يستفيقوا ، لكنهم كانوا فى واد أخر يبيعون ويشترون كأن على روؤسهم الطير ، فجأة وجد
عنتره مجموعة من الجنود المدججين بالسلاح يجذبوه بقوة ويوسوعه ضرباً وركلاً حتى نزف دمه من كل جسمه ، فى
المساء عندما أفاق وجد نفسه خلف القضبان فى سجن تحت الأرض فى ظلام دامس الا عن بصيص نور يأتى ضعيفاً
على أستحياء من كوة فى أعلى الجدار ، تابع التسلق ناشباً أظافره فى تعرجات الجدار حتى وصل إلى الكوة
وبصعوبه رفع جسده ماداً بصره إلى الخارج ، كان المشهد قريباً بكل تفاصيله ، رأى جنود قبيلة ياعوذا وهم يجهزون
على الأطفال ويغتصبون النساء ويقتلون الشيوخ ، سقط عنتره من على الجدار وأنطرح أرضاً مفارقاً الحياة وهو ينظر
إلى السماء نظرة حسرة وأندحار ،
يقول الراوى : عنتره لم يمت خوفاً أو فزعاً مما رأه ، لكنه مات كمداً عندما شاهد حاكم القبيلة وهو يشرب نخب موتنا
مع جنود الأعداء . الخلاصة ياولدى غاب عنتره بحكم قهر الحكام فهزمت عبس .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.