دارت الرصاصة الملعونة المنطلقة من السلاح الآلى ، وأخذت تتخبط فى جدران الحجرة كشيطان مسه الجنون ، ثم أستقرت فى رأس الطفل الراقد بين إخوته ، على سريرٍ من حجر ، الرصاصة أصابت رأسه فى المنتصف بين عينيهِ ،
أفاق أخوته على صراخ الأم فزعة تحاول أن تسد بشالها الفجوة التى صنعتها الرصاصة الغادرة ، وخرطوم الدماء المتفجر من رأس الصغير ، أصوات الانفجارات بالخارج ، أضاع صوت صراخ الأم هباء ، الإهتزازات العنيفة كزلزال يوم القيامة أطاحت بالأولاد والأم من فوق السرير الحجرى ، تبعثروا فى الحجرة الضيقة ، كدمى بلاستيكية صغيرة منتشرة على بقعة صغيرة من الأرض ،
حاولت الأم الزحف لتتبين من الذى على قيد الحياة ومن الذى أصيب ومن الذى رحل ، تلاحقت القنابل المتساقطة من الطائرات كماءٍ منهمر ، أنفتح من السماء فجأة دون سابق إنذار ، الثلاثة الباقين على قيد الحياة غطى وجوههم التراب وباقى الأحجار المتناثرة ،
زحفت الأم لمسافة أطول نحوهم تريد أن تخبأهم قبل أن يصل الموت إليهم، مدت يدها أحتضنت واحدًا منهم أخذته وخبأته بين الأرض
وجسدها ، أخوته الباقون حاولوا الوقوف حتى يصلوا إلى الأم أسرع ، أنفجرت قنبلة أخرى بالخارج ، أقتلعت أحد جدران الحجرة ،
فأنكشف الجميع أمام الشظايا
بعد ثلاثة أيام أخرج الأهالى الأطفال والأم موتي ووجدوا يحيى ابن الثلاث سنوات مازال على قيد الحياة بعد أن تلقت الأم أغلب
الشظايا وهى فوقه تحميه بجسدها الضعيف ،
امتدت الهدنة سنوات وشب الفتى يحيى شاباً يافعاً قوياً صلداً كجبل الجليل ، يحمل فى يد السلاح وفى الأخرى كتاب الله ،
رغم مرور السنوات الطوال ، ظلت ذاكرة يحى تعيد عليه مشهد استشهاد أمه وأخوته ، وظل أصوات انفجارات القنابل ، وأزيز الطائرات
والصواريخ فى أذنه كأغنية حماسية يرددها دائماً حتى لا ينسى هذة اللحظة
الجدار العازل يغافل الجنود المدججين بالسلاح ، المحميين بالكاميرات الحديثة ، سور صنعته التكنولوجيا الحديثة بمليارات الدولارات ،
خوفاً من يحيى ورفاقه ،
لكن يحيى كان يأتى إليهم متسللاً كالهواء من فوق الجدار ، ومتسرباً من مسام الجدار كالماء ، يذهب اليهم يصعق
أحدهم كالبرق ويتركه جثة هامدة ، ويعود ومعه بعض التذكارات ، انتشر أسم يحيى بين قادة الصهاينة الكبار ، وأصبح
رعباً عندما يذكر أمام الجنود الصغار
يعود يحيى مع ضوء الفجر إلى مخبأه تحت الأرض يصلى الفجر ، ثم يقوم بِعَدْ التذكارات ، يضعهم تحت وسادته
ويحتضن فى خياله أمه وأخوته حتى ينام ،
فى الصباح يرتدى ملابسه ويذهب لعمله ، يسمع من الصبية فى الشوارع وهم يلعبون لعبة القائد يحيى و الأعداء ،
فى العمل يحكى له الرفاق عن أمجاد وبطولات فدائى أسمه يحيى مثله ، لكن يحيى كان يخطط لشيئ أكبر ، لحدث
أعظم ..كانت المقاومة تستدعى يحيى بين وقت ٍ وآخر ليطلع على مجريات الأحداث
فى تلك المرة كانت فرحة يحى بعد لقاء قادة المقاومة لا توصف ، فقد حان وقت الانتقام ، فى فجر اليوم السابع من
أكتوبر صنع ألف من الفدائيين تاريخاً للمقاومة ، ذهبوا إلى أبعد نقطة داخل قلب الصهاينة قتلوهم وأسروهم وزلزلوا
الأرض تحت أقدامهم وجعلوهم يبكون كالنساء ، كانت أجمل ساعات العمر ، قضاها يحيى بين أخوانه يستعيد فيها
حق أمة وأخوته قبل أن يلقى ربه شهيداً بعد أن تحرر الوطن