أكدت اجتماعات وزراء تجارة مجموعة السبع هذا الأسبوع ضرورة تعزيز سلاسل التوريد الخاصة مع مجموعة أوسع من الشركاء لمواجهة الإكراه الاقتصادي. ولكن الملفت للنظر أن هناك شبه إجماع من هؤلاء الوزراء بأن نقاط الضعف في العلاقات الاقتصادية والتجارية تعتمد اعتماداً كبيراً على دول معينة، وأن أسس التجارة العالمية، التي ترتكز تقليدياً على منظمة التجارة العالمية تهتز بسبب زيادة استخدام الإكراه الاقتصادي وإجراءات تشويه السوق ، هذا الإجماع يأتى متواكبا مع الأوضاع الدولية التى أصبحت مصدراً لتغذية التوترات الجيوسياسية، بما في ذلك ما يحدث على خلفية الصراع الروسي الأوكراني ،وما استجد من صراع شرس فى الشرق الأوسط ، ممثلاً في تداعيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وما قد يتخلله من سيناريوهات كارثية على منطقة الشرق الأوسط،
وبالتالى فإن مجموعة العشرين تسعى لمواجهه هذه التداعيات وشظاياها المثبطة ،عبر استخدام التدابير التجارية مثل العقوبات والقيود من أجل تعزيز الأهداف الأمنية للدول.وخاصة مع زيادة حده الإنتقادات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين بخصوص الإكراه الاقتصادي، رغم محاولات الدولتان أيضاً إبقاء الحوار مفتوحاً ، التأكيد الآن على أن أمن سلاسل التوريد العالمية بدأ يأخذ أولوية جديدة أعلى،ولكن هل سيمتد هذا الوضع حتى نصبح أشد تصميماً لتعزيز أمن الإمدادات، دون دفع العالم إلى مستوى يدخلنا في حرب باردة ثانية؟ هذا ما يجب علينا أن ندركه ، ونسعى إلى الخروج من شرنقة حرب باردة تكون أكثر سخونة،فإذا كانت المرونة قد أصبحت شعار الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الآن، فإن التشتت هو النتيجة المخيفة نتيجة التوترات المتفاقمة باستمرار بين الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين بالعالم، ليكونا هما المصدرين الأساسيين لخطر التشتت ، رغم ما تمر الصين من أزمة اقتصادية طاحنة متمثلة فى أزمة العقارات .والأسوأ من ذلك أن صندوق النقد الدولي يشير إلى أن توقعات الأعوام الخمسة على مستوى العالم هي الأبشع على الإطلاق وفق بياناته التي تعود لعام 1990، نتيحة المنافسة الجيوسياسية المتصاعدة بين قطبين جديدين عقب انهيار الاتحاد السوفيتي ، ودخول الصين كقطب جديد في معركة السعي إلى السيولة الدولارية الاستثمارية والخلافات حول الديون.في ظل عدم موافقة الصين -أكبر دائن رسمي لدول العالم النامي- على الشروط التي يصر عليها أعضاء مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى.عوضاً عن ذلك، تركز الصين على تقوية سلاسل التوريد وروابطها المالية مع دول العالم النامي. هذه الأوضاع سيكون لها انعكاس ذلك على استراتيجية مصر الاقتصادية، والتى تبللورت فى اجتماع رئيس الجمهورية مع المجموعة الاقتصادية الاسبوع الماضي ليؤكد هذا الإجتماع على ضرورة
الاستمرار في تعزيز الإصلاحات المتعلقة بالسياسات المالية والنقدية، وتعظيم دور القطاع الخاص، وتحسين
المؤشرات الكلية للاقتصاد وتنويع هيكله الإنتاجي، وتوفير الفرص الواعدة لجذب الاستثمارات، بما يسهم في زيادة
فرص العمل ومعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي.كذلك استعراض مؤشرات مجمل أداء الاقتصاد المصري خلال الفترة
الماضية، وجهود التعاون في هذا الصدد مع مختلف مؤسسات التمويل الدولية إذ يتطلب الان توحيد الجهود للضغط
السياسى والاقتصادى على المؤسسات المالية العالمية الدائنة من الآن لمنح مصر فترة سماح استثنائية إلى أن
يتمكن الاقتصاد المصرى من السيطرة على الآثار السلبية العنيفة للحرب المشتعلة على حدودها مع فلسطين
المحتلة.. إن الآثار السلبية لهذه الحرب على الدولة المصرية لا تقتصر فقط على تهديد أمنها ومواطنيها عبر الصواريخ
والقذائف الطائشة التى تصيب حدودها ومدنها ومواطنيها، وإنما تمتد إلى ضرب مصادر تدفقات سيولتها النقدية
الأجنبية فى مقتل، وتعريض شعبها للفقر والأزمات الطاحنة..
ولا بد أن نتمتع بمهارات تفاوضية قوية تمكننا من الحفاظ على حقوقنا وتعديل التزاماتنا بشكل ذكى ومرن وكيفية
تفسير وتوضيح تأثيرات كل تحرّك إقليمى علينا وإعادة تعديل أوضاعنا بما يتوافق مع قدراتنا..
فهل تتمكن مصر فى ظل هذه الظروف أن تحقق المستهدف وهو تحقيق 100 مليار صادرات سلعية غير بترولية خلال
العامين القادمين ، مع الوصول إلى تريليون دولار ناتج محلى إجمالى فى ظل الهجوم البرى والبربرى لقوات
الإحتلال.هذا ما سوف نتناوله فى المقال القادم إن شاء الله
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام