الإعلامي محمود عبد السلام يكتب : عندى رسالة من غزة

الكاتب الإعلامي محمود عبد السلام
نحن ننتظر الموت كما ننتظر الصباح ، يحوم الموت كل لحظة فوق روؤسنا ( اعتدنا ذلك ) كما اعتدم أنتم فطور الصباح ، والشاى ذو النكهة الأنجليزية ، وقراءة الصحف اليومية ، وملاطفة أبنائكم قبل الذهاب إلى طابور الصباح فى مدرسة الحى الآمنة ،
لا نريد أزعاجكم ، أو إثارة متاعبكم ، أو بعث القلق فى نفوسكم قبل أن تناموا قريرى العين فى فراشكم الدافئ ، لا نريد أن نشغلكم عن متابعة مبارياتكم المفضلة ، وأنتم تجلسون بين الأصدقاء فى حلقات السمر تجترون الذكريات البحرية الجميلة ،
ولا نريد أن تتذكروا قتلانا قبل أن تذهبوا إلى زوجاتكم تحملون الحلوى والفاكهة آخر الليل ، آملين فى لقاءٍ دافئ يعيد إليكم صبوات الشباب
لا .. لا .. نحن بالقطع آسفون ، خجلون ، منكسو الروؤس حين نطلب منكم أن ترفضوا ، أن تشجبوا ، أن تقولوا لا فى وجه من قال نعم ، ومن علم الشعوب العدم ،
بالقطع لا نريد ذلك ، ولا نريد أن نقطع خلوتكم مع الله وأنتم تصلون على نبى الله على سجادة الصلاة الوثيرة ، المعبقة برائحة العود العربية ، فلم يعد غير هذة الرائحة دليلاً على وجود الأمة العربية ( يا أخوتى فى العروبة لا تنسوا نصيبى من أبار البترول المفتوحة ، لأصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء – يعشق القتيل وجه قاتله )
أعتذر يا أخوتى ويا أخوة يوسف أنى قد صرخت عندما كنت فى غياهب المذبحة بعد أن تركتونى وحيداً أقاوم الذئاب القتلة المتعطشة للدماء ، أعتذر أذا صرختى أضاعت عليكم نوماً هادئاً مطمئناً ، أعتذر أنى قد قطعت عليكم وصلة الغناء العاطفية ، وعكرت صفو المطربة المثيرة وهى تتلوى بكلمات الحب الشبقية ،
لا .. لا تنزعجوا هى قليل من الصرخات ثم أدخل إلى صمتى الأبدى ، فتهنأ نفوسكم ويطيب عيشكم ، ولن يذكركم أحد بعدى بجرحكم الغائر حتى النحر ، لأنكم أدمنتم الخنوع والخضوع والكلام وثرثرات المؤتمرات والتصريحات الإعلامية المشينة وتزوير الانتخابات
أعتذر بكل لغات العالم ، ولا أنسى أن أعتذر بلغتكم العبرية الجديدة ، فلم يعد العالم يفهم لغتكم العربية ، لأنها لغةً قديمة ، لغة صوتية بلا معانى وبلا أهداف وبلا حضارة وبلا مستقبل
أعتذر مرة أخيرة إذ تسرب خطابى هذا من بين أيدى الحرس والعسس وأنتم خلف حصونكم المنيعة تختبئون من شعوبكم اللطيفة ، لكنى قبل نهاية خطابى لكم عندى كلمة أخيرة قالها أحد أصدقاء الحق من الشعراء ورحل بعد أن قتل ( فلترفعوا عيونكم للشهيد المشنوق ، فسوف تنتهون مثله .. غداً
وقبلوا زوجاتكم .. هنا .. على قارعة الطريق ..فسوف تنتهون ها هنا غداً .
فالأنحناءُ مُرّ .. والعنكبوت فوق أعناق الرجال .. ينسج الردى
فقبلوا زوجاتكم ..إنى تركت زوجتى بلا وداع
وإن رأيتم طفلى الذى تركته على ذراعها
بلا ذراع
فعلموه الإنحناء !
ختام
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.