الدكتور علاء رزق يكتب: العولمة الخامنة وآليات الهيمنة
منذ بداية القرن الجديد أخذت التطورات تتسارع تاركه آثاراً مضاعفة على مختلف جوانب الاقتصاد العالمي بحركته الشمولية والقطاعية وبحركة عناصره الأساسية وبحركة تكتلاته التجارية الكبرى.ومع دخولنا العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين أخذت هذه التطورات تأخذ شكل
التغيرات الجذرية، ويوشك العالم أن يخرج من العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين وقد
انقلبت نهاياته على بداياته ، مع دخول العالم توابع مؤلمة لأزمات متتالية ، بدأت بأزمة الأسواق الناشئة عام 2018 وبعدها بعامين أزمة جائحة كورونا ، وبعدها بعامين الأزمة الروسية- الأوكرانية، ، ثم بأقل من عامين اشتعلال أزمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بصورة غير نمطية وتنذر بالكارثية، خاصة من خلال البوصلة الاقتصادية التى ترنحت مع توجه الشمال المخطط نحو تهميش اقتصادات الجنوب وتحجيم دوره في إدارة وتسيير الاقتصاد العالمي.فضلا عن محاولات الشمال الهيمنة على ثروات الجنوب وهو ما تجلى فى ما يحدث حالياً من إستيلاء دول الشمال على ثروات دول القارة الأفريقية ،ورفع راية الحروب والفوضى فى حالة عدم السيطرة ، بل ومنع دول الجنوب من احتلال مكانة مرموقة في حركة العلم والتكنولوجيا والدخول في ثورات العصر فاعلاً فيها ومنتجاً لا مستهلكاً. وهي بهذا تحاول نقل أعباء أزماتها الى الجنوب، وحل مشكلاتها الاقتصادية على حسابه، لهذا نرى أن أبرز أنواع الهيمنة هي سياسات التحررية الاقتصادية التي
يقودها صندوق النقد الدولي، مستخدماً شتى أنواع الردع الاقتصادي ضد تلك الدول التي لا تخضع لشروطه. وهذا يعني في نهاية المطاف قيام البلد المعني بإجراء
تغييرات في سياسته الاقتصادية على وفق مايراه الصندوق،ولعل من أبرز شروطه التي تفرض على بلدان الجنوب التي تاتي بوصفها حزمة متكاملة ووصفة جاهزة للدول تتلخص فى تقليص دور القطاع العام واعطاء دور متميز للقطـاع الخـاص الأجنبـي فـي الأنـشطة الاقتصادية. مع السماح للاستثمارات الأجنبية المباشرة لتأخذ دورها في الاقتصادات الوطنية.وتحرير التجارة الخارجية والداخلية. كذلك رفع الدعم عن الأسعار للسلع الأساسية. وتحرير أسعار الفائدة. أيضاً إلغاء الحماية للسلع الوطنية.تخفيض الإنفاق العام. وأخيرا زيادة الضرائب.وفي هذه المرحلة المهمة من مرحلة الإعداد لنشر العولمة جنوبـاً تحـاول المنظومـة
الرأسمالية التركيز على إبعاد دور الدولة عن إدارة الشؤون الاقتصادية لاقتصاداتها في محاولـة
لإضعاف سلطة الدولة وتقليص أو إلغاء دور قطاعها العام وتقليص مساحة تـدخلها فـي إدارةعلاقاتها الاقتصادية الخارجية وترك كل المهام للشركات متعددة الجنسية ولصندوق النقد الدولي
وللبنك الدولي ولمنظمة التجارة العالمية وللآليات الأخرى، وهو ما قد أدركته القيادة المصرية عبر الإصرار على برنامج إصلاح اقتصادى برؤية مصرية بدأت فى نوفمبر 2016 كمرحلة أولى ونوفمبر 2021 كمرحلة ثانية ، وقد عكست هاتين المرحلتين احتياجات الدولة المصرية ، ففى المرحلة الأولى تضمنت إصلاحات مالية ونقدية تهدف إلى تحقيق معدلات نمو متسارعة ومستدامة، وتحقيق التنمية الشاملة لمصر ، ووضع حلولاً جذرية لمشكلات اقتصادية هيكلية كان يعاني منها الاقتصاد المصري لسنوات طويلة، أما المرحلة الثانية من الإصلاح الإقتصادي فقد ارتكزت على زيادة الوزن النسبي لقطاعات الصناعات التحويلية، والزراعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات،من 26%، إلى 30-35% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023/ 2024 , وتم استكمال ذلك بالبرنامج القطري لمصر الذى يضم خمسة محاور رئيسية تتماشى مع أولويات الحكومة المصرية، وتتمثل في: النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، والابتكار والتحول الرقمي، والحوكمة ومكافحة الفساد، والإحصاءات والمتابعة، والتنمية المستدامة المرتبطة بالاقتصاد الأخضر،من أجل تحقيق رؤية مصر 2030 والبرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، والذي يتضمن مزيد من التنويع للهيكل الاقتصادي بالتركيز على مجموعة من القطاعات في إطار المرحلة الثانية للإصلاح الاقتصادي. ما نؤكد عليه هو إدراك القيادة السياسية التام لمجريات الأمور الاقتصادية التى أنتجتها العولمة، فقد أدى تضخم أسعار الأصول خلال العقدين الماضيين إلى إنتاج “ثروة ورقية” تقارب قيمتها 160 تريليون دولار، فيما تراجع النمو الاقتصادي وازداد انعدام المساواة، وولد كل دولار مستثمر 1.90 دولار من الديون.فالمشهد الجيوسياسي الحالى خاصة بعد فوران الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يحفز الاستثمارات المتعلقة بالسياسة الصناعية وسلاسل الإمدادات والدفاع.مع نتائج متفاوتة بالنسبة للإنتاجية. كذلك يتزايد الاستثمار في الشركات الجديدة في مجالات مثل الرقائق والتكنولوجيا النظيفة، ويجري إعادة تشكيل سلاسل الإمدادات.
فتسريع نمو الإنتاجية هو الوسيلة الوحيدة لدعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل – ولتوفير ميزانية عموميّة عالمية صحية ومستدامة.وهذه الإجراءات باتت أكثر إلحاحا وأهمية. فعادة ما تحقق السياسات الرامية إلى تحفيز الإنتاجية بضع عشرات من نقاط الأساس من النمو الاقتصادي الإضافي. ولكن، يبلغ الفارق في ثروة الأسرة بين سيناريو تسريع الإنتاجية وسيناريو إعادة ضبط الميزانيّة العمومية 48 تريليون دولار في الولايات المتحدة وحدها. كما يواجه صانعو السياسات النقدية والمالية المعضلة التالية: عند الفشل في تشديد السياسات، يبقى التضخم مرتفعا؛ وعند تشديد السياسات بشكل مفرط، يواجه كلّ من الثروة والنظام المالي ضغوطاً. ومن دون نمو أسرع للناتج المحلي الإجمالي، قد يصبح الخط الفاصل بين هاتين النتيجتين دقيقا جدا.