بعد رحيل الحملة الفرنسية عن مصر ، أكتشف المصريون مدى تأخرهم العلمى والفكرى والأجتماعى والسياسى ، وبعد إنتهاء الاحتلال الفرنسى الذى لم يدم أكثر من ثلاث سنوات ، الا انها كانت سنوات فاصلة فى تاريخ مصر ، ويؤرخ بعض العلماء لبداية تاريخ مصر الحديث منذ الحملة الفرنسية على مصر ،
كان البون واسعاً بين آلة الحرب الفرنسية المتطورة بمقياس هذا العصر نسبة الى معدات الحرب للمماليك ، المدفع الفرنسى أمام السيف والبلطة ، والدعاء عند أضرحة الأولياء والركون للانتقام الإلهى ، الأزهر كان مؤسسة علمية ودينية بيد يحمل الدين والأخرى يتطلع إلى مستقبل للوطن أفضل ، ثورة القاهرة الأولى والثانية ضد الفرنسيين خرجت من الازهر ، خلت الساحة السياسية من وجود أحد يقود مصر فى هذه الفترة الحرجة ، أجتمع علماء الأزهر وأنضم إليهم نقيب الأشراف السيد عمر مكرم وأختاروا الجندى الألبانى محمد على تاجر الدخان لقيادة مصر فى هذة المرحلة الحرجة ،
تخلص محمد على من خصومه السياسيين بنفى عمر مكرم والتخلص من أمراء وأعوان المماليك فى مذبحة القلعة ، تفرغ بعدها إلى بناء قوة مصر العسكرية والأقتصادية والعلمية ، خرجت البعثات العلمية إلى أوربا وخاصة فرنسا لبناء قاعدة علمية قادرة على الإنطلاق لآفاق العلوم الحديثة ، فى نفس التوقيت تقريباً بدأت اليابان رحلة البناء والتقدم ، أرسلت اليابان الى مصر البعثات العلمية لدراسة التجربة المصرية الناجحة ، لم تقف أحلام محمد على عند بناء مصر الحديثة فقط ، بل طمح للاستقلال بمصر وتكوين أمبراطورية مصرية تمتد إلى تخوم اوربا ، وانتهى حلم محمد على بعد هزيمته واجتماع القوى الأوربية عليه فى ذلك الوقت ،
دخلت مصر بعدها فى حكم وراثى امتد حتى الثورة العرابية التى كان من نتائجها أحتلال الأنجليز لمصر ،
استمر الاحتلال الأنجليزى أكثر من سبعين عاماً ، كرس كل أمكاناته لخلق جيل جديد من المصريين لدراسة المواد النظرية والأنسانية ، للإستفادة من هذة الأعداد لخدمة مصالحه ورعاية أملاكه التى استولى عليها بالقوة ،
كانت نظرية ( دانلوب ) وزير التعليم الأنجليزى تهدف فقط لخلق جيلاً جديداً من المصريين لأداء الأعمال الكتابية والحسابية والادارية لإدارة المصالح الأنجليزية فى مصر ، وتم إهمال اللغة العربية المعبرة عن الهوية الوطنية ، ولم يتحسن هذا الوضع نسبياً الا بعد مجئ الزعيم سعد زغلول لتولى وزارة المعارف ، فعمل على توفير المناهج العلمية جنباً إلى جنب مع المناهج النظرية ،
وبعد ان تولى طه حسين وزارة المعارف إبان حكومة الوفد نادى بمجانية التعليم ، كانت قد أنشأت أول جامعة مصرية بالقاهرة ثم تلتها جامعة الاسكندرية ، ثم قامت ثورة يوليو وأقرت ضمن برنامجها الثورى ضمان مجانية التعليم ، وأستكملت ارسال البعثات العلمية إلى الخارج ، لكن بدا خللا واضحاً فى ضعف المناهج العلمية وضعف من يقومون بتدريسها ، الا ان طالب العلم بمصر كان ما يزال يتلقى قدراً كافياً من العلم ، صحيح أنه لم يرقق الى التقدم العلمى الذى وصل اليه الطالب فى أمريكا وأوربا واليابان ، إلا أنه كان قادراً على تخريج طالب علم قادراً على تحمل مسئوليات مصر الحديثة
، تعرضت مصر لهزيمة قاسية في حرب ٦٧ ، أخرجت مصر من مشاريعها العلمية والأقتصادية ، ليستقر قرارها عند التفرغ أقتصادياً بتوفير كل موارد الدولة لمعركة تعيد من خلالها مصر عزتها وكرامتها وكرامة الأمة العربية ،
أخطر نتائج هزيمة ٦٧ كان تأثيرها على الشخصية المصرية والعربية ، مرحلة من الشك والاهتزاز استمرت حتى حرب أكتوبر ٧٣ ، أستردت مصر والعالم العربى الكرامة والعزة ، لكن على جانب أخر كان الأستعداد للمعركة أوقف عملية التنمية وقلص الميزانية المتاحة للتعليم ، وسرعان ما تدهورت العملية التعليمية وأتجه اغلب طالبى العلم الى دراسة العلوم الأنسانية لسهولتها فى الحصول على مؤهل عالى ، كما أُهْمّلّ التعليم الفنى المتوسط ، ووصلت الميزانيات المخصصة للبحث العلمى إلى أدنى مستوياتها ، وأصبح هناك هوة واسعة بين العلوم التطبيقة والحياة اليومية ،
على الجانب الأخر كان العالم يتقدم علمياً بصورة مذهلة ، فأمتلك الغرب الأرض والفضاء ايضاً ، وأنعكس تقدمة العلمى
على أقتصاديات تلك الدول ، فأصبح عندها فائض أقتصادى كبير أستخدمته لخدمة التقدم العلمى وفى التطيقات
الحياتية والعسكرية وفى شتى مناحى الحياة ، فأصبحت كل الجوائز العلمية الكبرى فى الفيزياء والكيمياء والطب
ملكهم ، وأصبحت تلك العلوم لها الأسهام الأكبر فى صنع آلة عسكرية ضخمة ومتقدمة ودقيقة ، فأمتلك الغرب مع
امريكا القرار العالمى وأصبحت كل المؤسسات الدولية الكبرى خاضعة لهم ، يصدرون لنا فتات التكنولوجيا الحديثة ،
يعطونا الألة ويملكون هم قطع غيرها والقدرة على صيانتها ، يزرعون هم بدأب ويبعون لنا طعامنا فى مقابل ضعفنا ،
اسرائيل أحدى صور الهيمنة الغربية فى المنطقة العربية ، وجودها ضرورى وحتمى لخدمة مصالحهم وأبقاء العالم
العربى دائماً فى حالة استنزاف هما وجهان لعملة واحدة ،
البعد الدينى فى القضية الفلسطينية بالنسبة لهم قمة جبل الجليد وما خفى تحت سطح الماء كان أعظم ، الحفاظ
على تفوق اسرائيل العسكرى والعلمى والأقتصادى ضرورى لأستمرار تواصل تحقيق الأهداف الامبريالية فى المنطقة
تماماً مثل أحتفاظ دولة مثل فرنسا وبلجيكا والمانيا والبرتغال بمستعمراتها فى افريقيا بعد أن نالت تلك الدول حريتها
الشكلية ،
أسرائيل وجودها ضرورة كقاعدة عسكرية هامة فى المنطقة فى شكل دولة ، ووجودها وسط الكيان العربى بإحتلالها
فلسطين منذ وعد بلفور الانجليزى بإيجاد وطن قومى لليهود فى فلسطين ، ومنذ ان ساعدت فرنسا اسرائيل فى
صنع القنبلة الذرية وضمان المانيا بمدها بالتكنولوجيا الحديثة تكفيراً عن كذبة الهولوكوست ، وتحت حماية الكاوبوى
الأميركانى مفتول العضلات ،
الحقيقة أن الأمة العربية بكل أطيافها غير مهيأة لمد يد العون للأخوة الفلسطينيين فى حربهم ضد اسرائيل لتحرير
القدس ، أى دولة عند الجد تتراجع لعلمها ان تدخلها سيكون له تأثير على وجودها نفسه او على الأقل سيكبدها
خسائر فاضحة ،
المقاومة الأسلامية فى فلسطين حماس حاولت ان تؤلم العدو الصهيونى رغم أدراكها لفداحة الثمن الذى سيدفعة
أهل غزة ، لكنها أرادت ان تقول للعالم كله ان قضيتنا عادلة وأننا لن نتنازل عنها واننا اما ان ننتصر او نستشهد وفى
الحالتين نحن الفائزون بالنصر او الشهادة ، لكن تلك
العقيدة لا تتوفر عند بقية العالم العربى الذى يمر بأسوأ مراحلة التاريخية من الضعف السياسى والعسكرى
والأقتصادى والعلمى ،
البداية أذا أردنا المواجهة ومساندة أخواننا الفلسطينيين تكون ، بالاهتمام بالعلم وبناء الانسان الذى أهمل بفعل فاعل
، غير ذلك محض أدعاء وعلينا وقتها أنتظار معجزة سماوية تعيد لنا القدس فى زمن معجزته الوحيدة هى العلم .