أسباب الصراع في شرق المتوسط تفاصيل تكشفها ندوة ” شرق المتوسط بين الواقع والمأمول “
نظمتها نظمتها الجمعية العربية للتعدين والبترول بالتعاون مع الجمعية المصرية للبحث عن البترول "الأبكس"
كتب مصطفى ياسين :
معلومات وتفاصيل كثيرة وأرقام دقيقة كشف عنها المهندس أسامة كمال، رئيس جمعية المهندسين المصرية ووزير البترول والثروة المعدنية الأسبق، خلال محاضرته بالندوة التي نظمتها الجمعية العربية للتعدين والبترول بالتعاون مع الجمعية المصرية للبحث عن البترول “الأبكس” تحت عنوان “شرق المتوسط بين الواقع والمأمول “، وذلك بمقر جمعية المهندسين المصرية وبحضور المهندس عبدالله غراب وزير البترول الأسبق ورئيس الجمعية العربية للتعدين والبترول ، والدكتور أحمد عبد الفتاح نائب رئيس هيئة البترول الأسبق ورئيس الجمعية المصرية للبحث عن البترول “الأبكس” ، والمهندس فاروق الحكيم الأمين العام لجمعية المهندسين المصرية، بالإضافة على نخبة من المتخصصين في قطاع البترول والتعدين .
أوضح المهندس اسامة كمال ان الصراع على الغاز في شرق البحر المتوسط لم يكن وليد اللحظة ، حيث كان الصراع خافياً بين الدول منذ عام ١٩٦٦ عندما اكتشفت سفن أبحاث بريطانية لحقول الغاز تحت مياه المتوسط ثم جاءت الولايات المتحدة وروسيا منذ عام ١٩٧٧ وحتى عام ٢٠٠٣ لتؤكد أن الغاز في شرق المتوسط يمتد من شواطئ اللاذقية إلى غرب مصر .
وكشف ” كمال” ان منطقة حوض شرق المتوسط تتضمن احتياطيات استراتيجية ضخمة من الغاز وفقا لتقديرات المسوح الجيولوجية الأمريكية بما يزيد عن ١٢٠ تريليون قدم مكعب غاز بما يعني تحول منطقة حوض المتوسط إلى مخزون لموارد الطاقة وبدأ يتحول مع دول عديدة المنطقة إلى بلدان غازية ونفطية وعلى رأسها مصر وهو ما تختزنه مياهها الإقليمية من مخزون ضخم من الغاز .
ونوه “كمال ” إلى أن هناك تقرير أعدته هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية حول الكميات التي يمكن استخراجها من غاز وبترول حول العالم ، مشيراً إلى أن حوض دلتا النيل والظهير البحري له من البحر المتوسط بهما أكبر تقديرات على مستوى العالم حيث بلغت نحو ١٨٠٠ مليار برميل بترول و٢٢٣ تريليون قدم مكعب غاز ، إضافة إلى ٥ مليارات برميل بترول داخل البحر الأحمر، و١١٢ الف مليار مكعب غاز ، الأمر الذي يفسر أسباب الصراعات التي تشهدها هذه المنطقة .
وقال: ان مصر تمتلك ما يعادل من ١٢٢ تريليون قدم مكعب غاز من احتياطيات غير مكتشفة في منطقة شرق المتوسط ، بالإضافة إلى ما يعادل ٥٣٦ تريليون قدم مكعب غاز من الغاز الصخري لم تكتشف بعد ،مضيفاً ان هناك ايضاً ما يزيد عن ٨ مليار برميل من البترول والغاز المسال غير مكتشفة في مناطق الامتياز بالبحر المتوسط بالرغم من حفر ما يزيد عن ١٦٠٠ بئر في هذه المناطق في العقد الأخير بلغت نسبة النجاح فيها حوالي ٥٦٪ لوجود الكثير من هذه المناطق في الدلتا وحوض النيل .
وفيما يتعلق بالكميات التي يمكن استخراجها من الغاز والبترول من البحر الأحمر، كشف أنه يوجد حوالي ٥ مليار برميل بترول في البحر الأحمر و١١٢ تريليون قدم مكعب غاز .
غاز المستقبل
تابع : حقول الغاز والبترول غير المكتشفة في البحر الأحمر أو كما يلقبونه الخبراء ب “غاز المستقبل “والذي بدأت مصر خطوات إيجابية في استخراجه بعد ترسيم الحدود البحرية مع السعودية والتي يعتقد الكثيرون أنها ستفتح الباب أمام الاستثمارات النفطية في تلك المنطقة العامرة والواعدة للغاية ، موضحاً انه تم إعداد مواقع تمهيدا لإعداد تقرير كامل يتضمن كل البيانات المتوفرة لهذه المنطقة يتولى عملية البحث عن البترول في البحر الأحمر أول عملية بحث بعد ترسيم الحدود مع السعودية ومن المتوقع أن تسفر عن نتائج جيدة جدا .
وأوضح “كمال” ان هناك تقرير لتحالف شركتى “ويسترن جيكو شلمبرجير وتى جى إس” المسؤولتين عن إنهاء مشروع تجميع البيانات الجيوفيزيقية بمنطقة الامتياز بالبحر الأحمر، كشف أن إنتاج مصر المتوقع من استخراج الغاز الطبيعى من حقول البحر الأحمر سيصل إلى 130 تريليون قدم مكعب غاز، وسيصل بمصر إلى المركز الثامن عالمياً ضمن قائمة الدول المنتجة للغاز الطبيعى .
أسباب الغضب التركي
واردف ” وزير البترول الأسبق ” ان اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية المصرية مع قبرص في البحر المتوسط والسعودية لم تكن وليدة اللحظة خلال السنوات الماضية بل كانت من ضمن الأهداف الاستراتيجية لقطاع البترول المصري بالرغم من تشكيك اصحاب المصالح والجماعات الارهابية فيها ، مرجعاً أسباب الغضب التركي إلى قيادة مصر للبحر المتوسط بعد الاكتشافات الكبيرة التي اعلن عنها مؤخراً ، الأمر الذي حول مصر إلى مركز عالمي للبترول والطاقة وعمل أكبر شبكة غاز للتصدير إلى أوروبا ، لافتا إلى أن تركيا كانت تحلم ولسنوات طويلة في السيطرة على سوق الغاز في أوروبا من خلال إنشاء شبكة غاز الجنوبي الروسي التركي لتجميع الغاز من منطقة المتوسط لتصبح الدولة الوحيدة المتحكمة في سوق الغاز بالمنطقة ، لكن مصر استطاعت أن تسرع في إنهاء الاتفاقيات مع كل من قبرص واليونان والاتفاق على مد خط عربي مصري يبدأ من شمال بورسعيد ويمر بقبرص ومنها الى اليونان ثم إلى جنوب أوروبا ، وهذة الإتفاقيات سحبت البساط تماما من تحت أقدام تركيا بشكل قانوني ومدروس .
وشدد “كمال” على ان ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان كان له أهمية قومية كبرى لان مصر شعرت بانه سيكون هناك قلق في هذا الشأن وهو ما يحدث الآن لتأمين حدودها قانونياً ، مشدداً على أنه مخطئ من يظن أن عمليات الشد والجذب ما بين مصر وتركيا هي حروب سياسية فقط بل حروب اقتصادية على الغاز بصفة أساسية .
اضاف: أن افتقاد الجانب التركي للبنية التحتية اللازمة للتسييل والتصدير لن يساعدها في منافسة مصر حيث لم تسفر محاولات تركيا لاستكشاف الغاز في مياهها الاقتصادية عن كشوفات تجارية تذكر ، إذ تعتمد على الغاز الروسي والقطري لتغطية احتياجاتها الأساسية وبالتالي سعت لاجتذاب الغاز العراقي والإيراني لتحقيق طموحاتها في التحول إلى مركز إقليمي لتوزيع الطاقة خاصة في دول شرق وغرب أوربا. ولكن ضعف بنيتها التحتية و علاقتها السيئة مع الجانب الأوروبي وقفت حائلًا أمام تحقيق ذلك خاصة في ظل منافسة مصر الحقيقة لها.
وأكد “كمال” ان تركيا حاولت إخفاء سفينة أبحاث بحرية خلال فعاليات المناورة المصرية التركية بحر الصداقة في نوفمبر ٢٠١٢ قالت تركيا وقتها إنها خاصة بعلوم البحار لكن حقيقة الأمر والذي كانت تعمله الأجهزة السيادية أنها سفينة أبحاث خاصة بالبحث باستكشاف ما بعد قاع البحر للبحث عن الغاز ، لافتا إلى أن وزارة البترول أحبطت مخططات جماعة الإخوان الإرهابية التي من شأنها إثارة الجدل حول الحقوق المصرية في حقول الغاز الطبيعي في المتوسط بالإضافة إلى الصيحات والدعوات بإعادة ترسيم الحدود مرة أخرى مع قبرص في محاولة لتعظيم الثروات البحرية المحدودة للجانب التركي على حساب مصر وقبرص ، الأمر الذي كان سيؤدي إلى خسارة مصر لنحو ٧٠ كيلو متر عمق مناطق الامتياز المصرية ، وهو ما يفسر التقارب الشديد بين مصر وقبرص وشدة العداء التركي لهما .
وحول التساؤلات المتعلقة بعلم الدولة المصرية لحجم تلك الثروات الهائلة في البحرين الأحمر والمتوسط منذ فترة طويلة ؟ أجاب “كمال” بالرغم من ان تلك الإجابة يمكن ان تكون صادمة للبعض إلا أن الدولة كانت على علم بوجود تلك الثروات المهولة منذ عام ٢٠٠٢ و٢٠٠٤لكن كانت هناك معوقات أساسية لعدم شروع مصر في التنقيب عن تلك الثروات وهي أسباب “محلية الصنع” بحسب وصفه ، تمثلت في اتباع النظام آنذاك لسياسة اتسمت بالجمود السياسي والاقتصادي والانبطاح غير المبرر للولايات المتحدة الأمريكية وأدت تلك السياسيات عام ١٩٨٩ لعدم وجود نقد اجنبي وعجزت مصر في تلك الفترة عن سداد المستحقات الخارجية ولولا مشاركة مصر في حرب الخليج وتخفيض ديونها بنسبة ٥٠٪ ، لحدثت كارثة نتيجة تخوف النظام آنذاك من امريكا مع رغبته الشديدة في تمرير ملف التوريث الأمر الذي أدى إلى تفنيد أي محاولات للتنقيب عن ثروات مصر في البحرين الأحمر والمتوسط وهذا السبب وراء معاناة الدولة المصرية في الفترة من ٢٠١١ إلى ٢٠١٦ تلك الفترة التي لم تشهد أي عمليات بحث واستكشاف .
الصراع في سوريا
وأشار “وزير البترول الأسبق ” إلى أن اشتعال الصراع على سوريا يرجع إلى أن الترتيب العالمي للغاز كان يتأرجح بين روسيا و تركمانستان وأذربيجان وجورجيا وإيران وقطر، ثم باتت الدراسات تتحدث عن ترتيب جديد يقره واقع المخزون الاستراتيجي الجديد في البحر الأبيض المتوسط 345 تريليون اضافة إلى ٦ مليار برميل من الغازات السائلة و 1.7 مليار برميل من النفط، لافتا إلى ان ما يرى في البحر المتوسط مركزه في سوريا، وأن اكتشاف حقل “قارة” بما يحقق 400 ألف متر مكعب يومياً قد حسم أمر واقع ثراء سورية بالطاقة وصولاً إلى اعطائها المرتبة الأولى.
تابع : كما ذكرت أن الحلم التركي كان قائماً على أن تصبح تركيا محوراً لنقل الغاز من الشرق الأوسط إلى أوروبا، وهو ما كان سبباً في الحرب الدولية التي اشتعلت في سوريا، ولعب فيها الغاز الطبيعي دوراً كبيراً من وراء الكواليس، فقد سعت قطر وتركيا لإسقاط نظام بشار الأسد لتمرير مشروع الغاز، بينما دخلت روسيا للدفاع عن الأسد لوقف هذا المخطط الذي كان سيمنع موسكو من تمرير الغاز الروسي إلى أوروبا عبر منفذ البحر المتوسط.
وقال: أن انتقال الغاز القطري والإيراني إلى البحر المتوسط يستوجب المرور عبر سوريا كما أن اختيار إيران طريق العراق ثم سوريا فالبحر المتوسط لنقل الغاز قد أطاح بمشروع “غاز نابوكو” وثبّت مشروعي السيل الشمالي والجنوبي الروسيين مع ما يضاف لهما من استثمارات في شرق المتوسط كأولوية على حساب الأمريكيين والغرب.
واختتم “رئيس جمعية المهندسين المصرية ” محاضرته محذراً من أن الفترة القادمة ستشهد تطورات جيوسياسية في أعقاب ما تخلفه الأحداث الجارية من تعقيدات اقتصادية بالغة ستطال العالم بصفة عامة ومنطقة المتوسط بصفة خاصة وذلك لأنها تستحوذ على نحو ٤٠ ٪ من الغاز والنفط في العالم .
ترسيم الحدود
من جانبه قال المهندس عبدالله غراب وزير البترول الأسبق انه فيما يتعلق بعمليات التشكيك في ترسيم الحدود فتم الدعوة لعقد اجتماع بوزارة البترول حينها في وجود جميع الجهات السيادية وتم دعوة هولاء الأشخاص المشككين وتم عرض عليهم كل البيانات المتعلقة بعمليات ترسيم الحدود واكدوا سلامتها ، مؤكداً أن ترسيم الحدود امر سيادي وهناك جهات سيادية تتولى ترسيم الحدود والمحافظة عليها من أى عدوان وهذا الأمر غير قابل للنقاش، مطالبا بالثقة فى عدم تفريط هذه الجهات فى ثروات مصر البترولية.
وشدد “غراب” على ضرورة الكف عن عمليات التشكيك من قبل البعض خاصة وأنه لم تظهر حتى الآن أى جهة أو خرائط رسمية تؤكد امتلاك مصر لحقول بترولية بالمياه الاقتصادية واستولت عليها إسرائيل أو قبرص أو اي جهة كما ردد البعض.
وشهدت الندوة ايضاً تكريم الدكتور شوقي عابدين الخبير الجيولوجي ورائد علم الاستكشاف في مصر نظير عطائه الطويل في خدمة قطاع البترول المصرى أحد أهم رموز قطاع البترول المصرى، حيث استمرت مسيرة عملة فى مجال البترول حوالى 62 عاما حقق خلالها نجاحات وإنجازات وبصمات تشهد له بالتميز والكفاءة العالية فى أهم وأولى مراحل صناعة البترول،كما حقق العديد من الاكتشافات من حقول البترول بمناطق خليج السويس.
وعلى جانب آخر عقدت ندوة بعنوان “تكنونية شمال أفريقيا” للدكتور زكريا الهميمي والتي كانت بمثابة نافذة لشرح ما حدث من زلزال الثامن من سبتمبر عام ٢٠٢٣ ، بمنطقة اداسيل بالمغرب والذي بلغت قوته نحو ٦.٨ على سلم ريختر ،واشار “الهميمي ” إلى أن المغرب يقع على طول حدود “صفيحة تكتونية” غير مفهومة وبطيئة الحركة، وهو ما عقَّد فهم ما حدث تمامًا، مرجعاً هزة المغرب إلى وجود احتمالين وهما صدع دفعي مائل على صدع منخفض الزاوية ينحدر نحو الجنوب الغربي، أو صدع انزلاقي مائل على صدع شديد الانحدار ينحدر نحو الشمال الغربي.
وأوضح “الهميمي ” إن محور البحر الأحمر، واتجاه خليج الأحمر بمصر من المناطق التي يسجل بها هزات أرضية، لكنها ليست بالقوة التي تقلق ، مؤكداً أن الزلازل التي تحدث في هذه المناطق لا تمثل أية خطورة، مؤكدا أن حزام الزلازل محدد ومعروف، وكل ما يتردد عن وجود مصر ضمن حزام الزلازل هي معلومات مزيفة.