نعيش نحن المصريين، ومعنا الأشقاء العرب الأوفياء، ذكرى اليوبيل الذهبى لأعظم حربٍ فى التاريخ المعاصر، تلك الذكرى التى أخرجت أعزَّ بل أغلى انتصار عرفته الجيوش المعاصرة، لدرجة أن خطّتها الاستراتيجية ماتزال تُدَرَّس فى الأكاديميات العسكرية العالمية.
فإن نصر أكتوبر- رمضان ١٩٧٣، لم يكن مجرّد انتصار فى حرب مع عدوٍ عادى، إنما هو نصرٌ ضد تكتّل عدائى شامل، جَسَدُه الاقتصادى فى الغرب الأوروبى، ورأسُه المُدبِّرة وذراعُه العسكرى فى أمريكا، وإن كان رأس الأفعى الظاهرة جاثمة على أرض فلسطين المُحتلَّة، وقبل هذا وذاك فهو نصرٌ على روح الهزيمة والإحباط واليأس، وانتصار لقوَّة العزيمة والإصرار والتحدّى، من هنا كانت عَظَمَة هذا الانتصار الذى أسقط نظريات حربيّة واستحدث غيرها، بل أبْدَعَ وخَلَقَ نظريات ستظل طويلاً فى مراجع الاستراتيجيات الحربيّة.
فقد أسقط نظرية الاستعلاء والجيش الذى لا يُقْهَر، وأكَّد أن الإيمان بالقضية يزيدها قوّة وإصرارًا على المطالَبة بالحق، وأن هذا الحق يتكرّر فى كلّ وقت ولا يتوقّف على زمن معيّن ولا شكل أو جنس بعينه، ولا يسقط بالتقادُم أبدا، بل كلّما تقادَم زاد التمسُّك به، خاصة إذا ما تعلّق هذا الحق بقضية إيمانية مثل القضية الفلسطينية، وهذا ما تؤكّده لنا الأحداث الأخيرة من “طوفان الأقصى” الذى “جَرَفَ” فى طريقه كل ما تبقّى من غطرسة القوّة وعنجهية الاستعلاء والعُنصرية البغيضة التى مايزال يُوصَف بها “الكيان المُحتَلَّ الوحيد فى العالم”، فرغم ترسانته المُدَجَّجَة بأحدث الأسلحة فى العالم، قهرته وأذَلَّته قلوبُ وحناجرُ رجالٍ مؤمنين صدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليه، لا يملكون من العتاد إلا أبْسَطَه وأقَلَّه، فانصهرت أمامهم “القُبَّةُ الفُولاذية”، و”السيوف الحديدية” وسقطت جميع المواقع والمراكز الحصينة
“فى لَمْحِ البَصَر”، وانكشفت المستوطنات وَفَرَّ أدعياء البطولة والشجاعة كـ”الجرذان” وهُم عرايا، بعد أن سقط العشرات منهم فى
الأسر! وتمّ “شَحْنُهم” فى سيارات نقل أو “تروسيكلات”! فأىُّ بطولة أو حتّى رجولة يدَّعونها مستقبلا؟!
وهكذا يُسَجِّل “أكتوبر” ملاحِم وبطولات لا تنتهى، ليظلّ هذا الشهر المجيد معنا بانتصاراته وإنجازاته، يتجدَّد ويُجَدِّد الأملَ لأصحاب الحقّ
بأنهم فى يوم من الأيام لابد وأن ينالوا حقّهم، ويُنذر الظالمَ والمُحتلَّ بدنو أجلِه مهما طال الوقت.
لكن المؤسف حقا هو الانحياز الأمريكى الجائر والسافر الذى لا يرى إلا بعين واحدة “عورة”! مُعْلِنًا تأييده السافر والأعمى للمُحتَلِّ!
متغاضيا عن كل اعتداءاته وممارساته الاستيطانية! بل يستمر “المُدَّعى الأمريكى” فى ادّعائه رعاية وحفظ السلام العالمى! وأعتقد
أن هذا “الانحياز الأعمى” يجب أن يواجَه بموقف إسلامى مُوحَّد، يُعيد التوازن، ويأخذ على يد المعتدى، حتى تتخلَّص البشرية
المعاصِرة من كلّ أشكال العنصرية والاحتلال فى العالم.
ربما يكون هذا “الطوفان” بداية لأن “يجرِفَ” فى طريقه كل صور: الشجْب والإدانات والامتعاض والقلق! لأنه “طوفان” الدفاع عن