جهاد شوقى تكتب: الأسرة المصرية من أين و إلى أين؟

فى الصباح الباكر وعلى صوت نجاح سلام وهى تشدو بأغنيتها “بالسلامة ياحبيبى
بالسلامة” كان يستيقظ جيل التسعينات للذهاب إلى المدرسة, ذلك الجيل الذى
عاصر آخر معانى القيم والعادات واحترام الآخر. جيل كان يرى الطمأنينة فى وجود
الأب بالمنزل وأم تراعى متطلبات هذه الأسرة. وفى ذلك الوقت كان كل من الأب
والأم يسعيان لإنجاح هذه الأسرة، فدائما ما كنا نسمع قيم مثل: “الأسره تأتى أولا”
وكان المجتمع فى ذلك الوقت يعزز الترابط الأسرى واستقراره, ويرى أن استقرار الوطن يأتى من استقرار الأسرة المصرية, فلم يكن الأب فى حرب دائمة مع التحديات الاقتصادية, والسعى المتواصل للحصول على أكبر قدر من المال لتحقيق النجاح,
فكان الأب يراعى الأبناء, ويجتمع بهم حول المائدة ويستمع لشكواهم, ليجد لهم الحلول ويبادر بنصحهم ويغرث فيهم قيم الرجولة والشهامة واحترام الآخر والسعى إلى نبل الأخلاق, فكان يرى الأب النجاح الحقيقى هو نجاح البيت واستقراره المادى والمعنوى.
طاعة الأب واحترامه ومساعدة الآخرين
وكانت الأم تشعر بالطمأنينه والهدوء النفسى فى كنف زوج يرى ويسمع لها ولأبنائها، فكانت تربى أبناءها على طاعة
الأب واحترامه ومساعدة الآخرين والحفاظ على القيم وعادات المجتمع الشرقى, وكما قال الشاعر الكبير حافظ
ابراهيم فى قصيدته العلم والأخلاق: “الأم مدرسة إذا أعددتها .. أعدت شعباَ طيب الأعراق” .
فكيف لجيل بهذه القيم أن يصل؟، ولكن مع التقدم التكنولوجى ودخول الكمبيوتر كل بيت مصرى والترويج لمبادئ العولمة
والقيم الغربية الغريبة عن مجتمعنا وإرساء مبدأ “الغايه تبرر الوسيله”، وإن النجاح هو فقط فى جمع المال أكثر من
الحاجه،
وأيضا قيام الثورات العربية التى آمن بمبادئها وغايتها وشارك فيها بوجدانه وبات يحلم بالتغيير، ولكنه استفاق
على كابوس التحديات الاقتصادية التى كانت نتاجا لثورات الربيع العربى فإذا بهذا الجيل يلهث وراء المال وتناسي
المبادئ
التى نشأ عليها فى أسرته الصغيره, وظل يلهث حتى فقد كل معانى التواصل المعنوى مع من حوله من الناس,
فنجد أنه يتواصل بالآخرين فقط من خلال شبكات التواصل الاجتماعى, التى ساهمت وبقدر كبير على تفكك الروابط الاسرية,
“المنظره الكدابة”
فنجد الزوج والزوجة منشغلين بهاتفهم دائما و يتصفحون شبكات التواصل باستمرار ويقارنون واقعهم بما يرون على
هذه الشبكات
من زيف وتضليل للواقع, مما أثار داخلهم مشاعر السخط وعدم الرضا والسعى المتواصل للتظاهر بالرخاء المعيشى
أو كما نسميه بالعامية “المنظره الكدابة”, متناسين الأبناء وواجباتهم نحو إرساء القيم التى غرثها آباؤهم وأجدادهم فيهم
فأصبحت الأجيال الحالية فريسة سهلة لكل الأفكار الشيطانية من الأنانية المفرطة وحب الذات وبات لدينا جيل
يسعى لتحقيق الشهرة والمال بأى طريقه ممكنه, وبعدما كان هنالك جيل يأخذ العلماء مثل: د. أحمد زويل، ود. مصطفى محمود،
وفضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى مثلا أعلى إلى جيل آخر يأخذ من الممثلين والمغنين أمثله وقدوه مثل: محمد رمضان
وحمو بيكا وغيرهم ممن اكتسحوا الساحة الحالية ليتصدر ما نسمية “الترند”.
فقدان القدوة والهوية
وأدت كل هذه العوامل من تغيرات اقتصاديه واجتماعية وغياب الدين والأخلاق، وفقدان القدوة والهوية إلى تفكك
الأسرة وتفرقه الأبناء
وارتفاع معدلات الطلاق, وإنتاج جيل فاقد الهوية والمعانى، فكيف لهذا الجيل أن يصون الهوية المصرية بل العربية كلها،
ويواجة المستقبل المجهول دون أن يكون متسلحا بالعلم والأخلاق وينجو من العوامل والتحديات المحيطة؟!
لقد دق ناقوس الخطر ويجب أن ننتبه لهذا الشّرَك الذى يتم نسيجة بكل دقة للقضاء على مستقبلنا وهويتنا،
بل على الوطن العربى أجمع, وعلينا أن نحفظ زهور المستقبل حتى تزهر وتتفتح ليبقى الوطن دائما وأبدا.