المشاهد التى تتناقلها وكالات الأخبار عن حجم الدمار الذى خلفه إعصار دانيال الذى ضرب مدينة ” درنه ” الليبية خلال الأيام القليلة الماضية تدمى القلوب .. حقيقة المشاهد صادمة والأضرار تفوق ماخلفته القنبلة النووية التى ألقيت على مدينة ” هيروشيما ” فى اليابان .
آلاف من الموتى وأكثر من أحد عشر ألفا من المفقودين ، بخلاف الجرحى والمشردين وأضرار أخرى لحقت بما يقرب من الـ مليون مواطن فى مدينة درنه ، وآلاف المنازل التى جرفها السيل العارم الذى بلغ إرتفاع الموج فيه قرابة الـ 40 مترا جراء إنهيار سد درنه ، إنها حقا فاجعه إنسانيه وكارثة بكل المقاييس .
الوضع فى ليبيا لايقلل من كارثة الزلزال المدمر الذى ضرب سواحل جبال الأطلسى فى المغرب الأسبوع الماضى أيضا وتسبب فى دمار قرى بأكملها إضافة إلى قتل وتشريد الآلاف من سكان هذه القرى التى تعيش أوضاعا معيشية فى غاية الصعوبة خاصة مع صعوبة الوصول إلى المنكوبين جراء التضاريس الوعرة .
السلطات فى ليبيا فتحت تحقيقا موسعا فى ظروف إنهيار سد درنه الذى خلف الكارثة ، وهناك أيضا دعوات أممية لفتح تحقيقات حول إنهيار السد بعد إعصار “دانيال” الذي ضرب البلاد ، ولكن دعونا نعود إلى الوراء قليلا حيث عهد الرئيس الليبى معمر القذافى . للوقوف على أسباب تدنى البنية التحتية فى ليبيا التى تكاد تكون أقرب إلى الصومال ، لدرجة أن مدنا كبرى فى ليبيا تفتقد لـ وجود شبكة للصرف الصحى رغم وفرة النفط الليبيى
الذى يمثل قرابةالـ 95% من إجمالي الإيرادات ويغطي 80% من إجمالي الإنفاق العام،
وهذه قراءه أمريكيه لشخصيه معمر القذافى ” رحمه الله ” ووفقا لوثائق على موقع ” ويكيليكس” تسلط الضوء على شخصية القذافى المثيرة للجدل ، بصفته ملك ملوك أفيقيا ، وكونه يعيش حياة التقشف ويحرص على الإقامة فى خيمة بدوية مقارنة بالبذخ الموجود بدول الخليج ، وأنا هنا غير معنى بتلك الجوانب سواء كونه شخصية مراوغة أو أن لديه فضول للمعرفة والإطلاع ، أو أنه يعانى من فوبيا الأماكن المرتفعة أو حتى فى طريقة إرتدائه الملابس بشكل غريب أو إعتماده على قوة حماية نسائية أو فى تركيبته المعقدة التى أهلته للبقاء في السلطة أكثر من الـ أربعين عاما .. إلخ .
فقط أود ان أشير إلى ما إرتكبه معمر القذافى من جرائم فى حق ليبيا والشعب الليبى ، كان من الصعب أن يحاسب عليها أثناء فترة وجوده على سدة الحكم كعادة الشعوب التى لاتستطيع أن تحاسب حكامها إلا بعد تركهم للسلطة . ويالمناسبة هذا الأمر لايقتصر على دول العالم الثالث ، وفد رأينا فرنسا تحرك دعوات قضائية ضد الرئيس” نيكولا ساركوزى ” فى قضية التمويل الليبي لحملته الانتخابية عام 2007 ، وأيضا USA وهى تقاضى رئيسها السابق ” دونالد ترامب ” فى تهم مختلفة ، وقضايا فساد ضد زين العابدين بن على فى تونس ، وحسنى مبارك فى مصر .. إلخ
وأعود إلى معمر القذافى الذى صعد إلى السلطة في إنقلاب عسكري خلع عبره الملك إدريس , ملك المملكة الليبية في العام 1969 وظل رئيسًا لمجلس قيادة الثورة حتى عام 1977 ، عندما تنحى رسميًا من رئاسة مجلس قيادة الثورة ونصب نفسه ” قائدًا للثورة” . إلى أن تم الإطاحة به في شهر فبراير 2011 بعد فترة حكم إستمرت لـ أكثر من 42 عاما .
وودة إلى ما إرتكبه معمر القذافى فى حق ليبيا فهو ليس بالشىء الهين أو القليل . بداية من تحفظ الغرب على أوضاع حقوق الإنسان فى ليبيا خاصه فيما يتعلق بالكشف عن مصير قرابة “ألف ومائتي” سجين سياسي ليبي تقول تقارير حقوقية أممية وليبية ، إنهم قتلوا عمدا داخل سجن بوسليم بطرابلس في صيف عام 1996 . مرورا بإختفاء قسرى لعدد كبير من معارضية .
ولعلنا نتذكر تورط ليبيا فى “قضية لوكربى” عندما إتهمت أمريكا وبريطانيا ليبيا أيام القذافى بتفجير طائرة ركاب أميركية تابعة لشركة طيران بان أمريكان أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي في اسكتلندا عام 1988 وهو الحادث الذى أجبر ليبيا لـ دفع تعويضات مالية لضحايا الطائرة بلغت 2.7 مليار دولار !! .
كم كان القذافى مثيرا للجدل طوال فترة حكمه خاصة عندما وقف أمام USA والعالم لـ يعلن في ديسمبر عام 2003 عن التزامه بإزالة كل برامج أسلحة الدمار الشامل في بلاده بشكل فوري ودون شروط ، وهذا الشىء كان محل سخرية ، لكن بإعتقادى أنه أراد أن يقول للعالم ها أنا ذا موجود . نتذكر العقيد مثيرا للجدل على خلفيه ” قضيه الإيدز ” التى إتهم فيها خمس ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني كانوا يعملون في مستشفى الفاتح للأطفال في مدينة بنغازي ، بتهمة نقل دم ملوث بفيروس “إتش آي في” المسبب لمرض الإيدز إلى 438 طفلا في المستشفى . وفى وقت لاحق انتهت المحاكمة التى كانت محل أخذ ورد طيلة ثماني سنوات إلى الإعدام الذي خفض إلى السجن المؤبد .
أظهرت وثيقة أميركية مسربة من بريد وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ، أنه كان يضع يده على 143 طناً من الذهب ، وكمية مماثلة من الفضة . وقدرت قيمه هذه الكمية بأكثر من 7 مليارات دولار ، إن ما إرتكبه القذافى من جرائم فى حق ليبيا والشعب الليبى لايسع المقام لـ سردها ـ وكلها جرائم قد تخطت حدود بلاده الى العالم ، وكعادتها ضد أى ديكتاتور أصدرت المحكمة الجنائية الدولية فى 2011 أوامر اعتقال بحق معمر القذافي وابنه سيف الاسلام ورئيس المخابرات الليبية بتهم ارتكاب جرائم ضد الانسانية !!
إن ماخلفه إعصار دانيال من خسائر فى مدينه درنه يطرح تساؤلات منطقية كثيرة ، أين ذهبت عائدات النفط الليبي بدءاً من زمن القذافي إلى اليوم، خاصه إذا علمنا أن حجم واردات النفط الليبي ضخم جدا مقارنة بما ينفق على الأرض في ليبيا ؟
وأعود مرة أخرى إلى إعصار دانيال ، وأذكر أن مصر وكعادتها هبت ومنذ اللحظة الأولى لـ وقوع الكارثة لـ نجدة أشقاءها العرب سواءا فى المغرب أو لـ جارتها ليبيا ، ولعلنا تابعنا طلائع الجيش المصرى بعدتها وعتادها التى هبت لـ نجدة الأشقاء فى ليبيا بمئات بل آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية والمعدات وأطقم الإغاثة ، كما تابعنا حفاوه إستقبال الأخوة فى ليبيا لـ أشقاءهم من المصريين الذين هبوا لـ نجدتهم .
كما تابعنا الرئيس عبدالفتاح السيسى وهو يشهد بنفسه إصطفاف معدات الدعم والإغاثة والمساعدات الإنسانية فى المنطقة المركزية العسكرية ، وفى المنطقة العسكرية الغربية وهو يوجه القوات والعناصر المتجهة إلى ليبيا ببذل أقصى جهد للتخفيف من آثار الكارثة الإنسانية ، كما وجه بتجهيز حاملة الطائرات ” المسترال ” للعمل كمستشفى ميدانى لعدم تحمل الأشقاء فى ليبيا أية أعباء .. ستبقى مصر ” رغم كل الظروف ” قبلة العرب حاضنة لهم بشعبها وجيشها فى أوقات الشدة والفرح ، إنطلافا من إرتباط مصر تاريخيا بأشقاءها العرب بروابط الدين واللغة والدم .. حفظ الله مصر