الدكتور علاء رزق يكتب : قدرات ديناميكية لنجاح إستراتيجى (١)

الدكتور علاء رزق
في وقت أصبح تغير المناخ ينال من نمو العديد من الدول برقم ورقمين، وتوصل دول أخرى إلى اتفاق تمويل مع المقرضين الدوليين رهين إصلاحات مؤلمة تهدد السلم الأهلي للشعوب، فرضت قمة العشرين نفسها كموعد لأكثر من 43 رئيس دولة وحكومة ليعبر كل هؤلاء عن قناعات مشتركة بإفلاس النظام المالي الحالي وعدم قدرته على التكيف مع المتغيرات وتوفير حلول عاجلة للأزمات.خاصة وأن اهتمامات الدول النامية لا شك مختلفة، فهي قلقة من إرتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، وهي تعاني أيضا من ارتفاع أسعار الفائدة، فكثير منها لديه قروض ،إما من المؤسسات الدولية أو من الدول الغنية، وقد ارتفعت كلفة خدمة هذه الديون كثيرا خلال العامين الماضيين بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، إذ تجاوزت، حسب بيان البنك الدولي، 60 مليار دولار سنويا،وثلثى هذا المبلغ يعود للصين ،وهو مبلغ كبير وأخطر ما فيه أنه يتزايد بمرور الوقت.وهو مااستوعبته القيادة المصرية الحكيمة بأن تحقيق النمو الاقتصادي الشامل هو التحدي المحوري أمام الاقتصاد المصري. رغم ما حققته مصر من تقدم على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي خلال الفترة الماضية، عبر عملية شاملة وجذرية للإصلاح الاقتصادي فى صورة إصلاح هيكلى متعاقب ، يقوم فى اخر صورة له على تكامل وتنسيق بين أضلاع مثلث تتمثل فى الصناعات التحويلية ، والثورة الجغرافية الزراعية ، وضلع التحول الرقمي كأحد أهم مرتكزات الإنتقال لمجتمع حديث ،ومع الإنتقال نحو إعادة تصحيح الأوضاع الإجتماعية عبرت عنها مصر بتدشين أكبر مشروع إحتماعى على مستوى العالم ،وهو مشروع حياة كريمة ،والذى إستطاع أن يحصل على العلامة الكاملة من الأمم المتحدة بإجتياز متطلبات المعايير الذكية ،ورغم كل هذا فلا تزال مصر تعاني من ارتفاع بعض المعدلات الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما يتطلب سياسة اقتصادية ملائمة للتغلب على هذه التحديات وتحقيق النمو الاقتصادي الشامل. وهو ما تستند عليه مصر فى رؤيتها لهذه المرحلة الإنتقالية بعد أزمة جائحة كورونا ، وتداعيات الأزمة الروسية- الأوكرانية، والممر الإقتصادى الجديد الذى يربط آسيا باوروبا عبر الهند والسعودية وإسرائيل، باتت مصر تدرك أن السياسة الإقتصادية القادرة على تنمية القدرات الإنتاجية ودعم التحول الهيکلي، وخلق فرص العمل اللائقة، وتعزيز الحماية الاجتماعية والحوار الاجتماعي، وتطبيق المعايير الدولية للعمل وحقوق العمال، وتحسين بيئة الأعمال والمنافسة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، ورفع کفاءة الحکومة، من أجل تعزيز النمو الاقتصادي الشامل الذي يقوده القطاع الخاص، تقوم أساساً على عوامل عديدة منها:
أولا : دعم ديناميکية الأعمال والأسواق الشاملة: وذلك من خلال، تحفيز دور القطاع الخاص لخلق فرص عمل جديدة.فما تحتاج إليه الاقتصادات الناشئة هو تعزيز الديناميكية، لاسيما وأن أغلب الاقتصادات المبدعة تاريخياً فقدت قدراً كبيراً من ديناميكيتها السابقة، برغم الاحتفاظ بميزة التفوق في بعض القطاعات الفائقة التكنولوجيا، ورغم أن الاقتصادات الناشئة التي من المفترض أن تسد هذه الفجوة ـ وأبرزها الصين ـ لا تزال بعيدة عن مستويات الإبداع اللازمة أو بعبارة أخرى، تفتقر اقتصادات اليوم إلى روح الإبداع. وأسواق العمل لا تحتاج إلى المزيد من الخبرات الفنية فحسب؛ بل تحتاج أيضاً إلى أعداد متزايدة من المهارات الناعمة، مثل القدرة على التفكير التخيلي المبدع، وابتكار الحلول الخلاقة للتحديات المعقدة، والتكيف مع الظروف المتغيرة والقيود الجديدة.
وهذا ما نأمل أن يدركه شباب مصر.
ثانياً: تشجيع الإندماج في سلاسل القيمة العالمية لتحسين القدرة التنافسية للصادرات المصرية. وهو ما يستوجب البدء في عمل سلاسل القيمة العالمية كوسيلة للنمو والتنمية وأن نخطط استراتيجيتنا وفقًا لذلك. بحيث يتم تقسيم استراتيجية سلاسل القيمة العالمية إلى ثلاثة مكونات رئيسية. الأول هو السعي إلى الاندماج في سلاسل القيمة العالمية. بغض النظر عما إذا كان الإستثمار الأجنبي المباشر يستخدم كوسيلة لتحقيق التكامل في سلاسل القيمة العالمية، خاصاً وأننا قد تجاوزنا الحد الأدنى من حيث المهارات والبنية التحتية المحلية للمشاركة في سلاسل القيمة العالمية وهو ما عبر عنه الرئيس السيسى فى أن مصر قادرة على توفير مخزن عالمى لتخزين وتداول الحبوب . أما المكون الثاني فهو تحسين مشاركة الدولة في سلاسل القيمة العالمية بمجرد تحقيق التكامل بنجاح.
ويركز المكون الأخير على متابعة نتائج التنمية المستدامة من المشاركة في سلاسل القيمة العالمية من حيث التوزيع العادل وحماية البيئة.
ثالثاً: تحسين قدرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة على التصدير.
حيث يحظي هذا القطاع بأولوية في استراتيجية مصر 2030، نظراً لأهمية هذا القطاع في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية. وتولي أجهزة الدولة، اهتماماً كبيرا بهذا القطاع، عن طريق إطلاق مبادرات لتوفير الدعم المالي، أو تقديم الخدمات التسويقية واللوجستية والتكنولوجية، وتوفير التدريب لتأهيل الكوادر البشرية العاملة في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى سن التشريعات التي تعمل على تذليل العقبات التي تواجه تلك المشروعات.
وتنمية المشروعات الصغيرة فى مصر الآن يتم من خلال محورين أساسيين:يتمثل الأول في إطلاق الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، مبادرة تخصيص 200 مليار جنية ونفذ البنك المركزي المبادرة بفائدة 5% متناقصة للمشروعات الصغيرة. وقد بلغ إجمالي التمويلات التي ضخها البنك ضمن المبادرة نحو 70 مليار جنيه لحوالي 62 ألف مشروع.والمحور الثاني في جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، والذي يضخ المليارات لتمويل هذا القطاع منذ بداية تولى الرئيس السيسي في عام 2014، حتى الآن.
رابعاً: تشجيع الإبتکار واسع النطاق والنشر السريع والعميق للتکنولوجيا. ويتعلق الابتكار في جوهره بتحدي الوضع الراهن وتوسيع حدود ما هو معروف أو يمارس حالياً، والأهم أنه يتبنى حالة من عدم اليقين التى يحتاجها العالم الآن، وهذا يؤدي إلى تقديم حلول رائدة عن طريق تقديم أفكار أو منتجات جديدة تؤدي إلى تغيير أو تحسين كبير في مجال أو صناعة معينة،بما يؤدي إلى التقدم وزيادة الكفاءة والإنتاجية، وتوفر إمكانية النمو المجتمعي أو الاقتصادي.
خامساً: تعزيز الحوار المجتمعي وهو ما تنتهجه مصر حالياً عبر بوابة الحوار الوطنى والذى سيسهم بلا شك فى تحقيق آمال وطموحات الأمة، وأخيراً الإستثمار في المعرفة والتعلم مدى الحياة واکتساب المهارات ، وهو ما سوف نتناوله ف المقال القادم إن شاء الله.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.