” النظام الجديد ” .. قصة قصيرة للكاتب الإعلامي محمود عبد السلام 

الكاتب الإعلامي محمود عبد السلام
اثنان لا تستطيع السيطرة عليهما الثور الهائج .. وامراة غاضبة ! ..  لا أعلم كيف استطاعت رانيا أن تعرف أن رشدى قد تزوج عليها سراً ، وهو الذى لم يعرف بأمر زواجه غير اثنين من أقرب أصدقائه بعد أن شهدا على عقد الزواج أمام المأذون الذى أخذ ضعف أجره شراء لعدم تسجيل بيانات العقد فى السجلات الرسمية
ثم ها هما يقسمان على كتاب الله أمامه على عدم البوح بالسر ، عندما سالهما اقسما مرة أخرى أنه لم يحدث أن حدثا أحداً قط بهذا الموضوع ، بل انهما نسياه تماماً بعد وقت قصير وأصبح بالنسبة لهما أحد النوادر التى يتندرون بها كلما جلس أحدهما للآخر فى عدم وجود أى شخص
والسؤال الحائر الذى لم يستطع أحدهما الاجابة عليه ، هل رشدى سعيد فى حياته الجديدة أم أنه مع مرور الوقت لم يجد فرقا بين الزواج الأول والزواج الثانى ؟
ولماذا تزوج مرة أخرى وكل من حوله يحسده على أخلاق زوجته الأولى وعلمها وجمالها ! هل هو الملل الذى يتسرب الى الحياة الزوجية رويداً كما يتسرب الوقت من العمر ؟ أم أن هناك سرا لم يطلع عليه أحد ؟
طوال عشرين عاماً لم يسمع أحد ممن حول رشدى عن مشكلة بينه وبين زوجته ، حتى تصور جميع أصدقاءه أنه أسعدهم زواجاً بعد أن رزقه الله بنعمة المال والبنون !
كل ما يحيط برشدى لا ينبئ عن أى مشاكل فى زواجه ، حتى فاجأ رشدى أصدقاءه المقربين باتخاذ قرار زواجه مرة أخرى ولم يطلعهما على الأسباب ، عندما قابلا زوجته الجديدة لم يعثرا على أى ميزة تجعل رشدى يفضلها على زوجته !
فهى فى الحقيقة أقل جمالا وغير لبقة وواضح من ملابسها أنها من طبقة اجتماعية أقل ، فقط اتفق الاثنان على نظرة الحب والتقدير التى كانت تحيط بها رشدى أثناء كتابة العقد ، حتى أن صادق قال انه كان منتظر فى أى لحظة انها ستقوم بتقبيل رشدى أمامهما ،
فى أحد أركان النادى جلس صادق و عادل فى انتظار رشدى وهما فى أشد الشوق بالتطورات الخطيرة التى حدثت لرشدى بعد ان علمت زوجته رانيا بأمر زواجه !
من بعيد ظهر رشدى بملابسه الانيقه ومظهره اللافت وطوله الفارع ، كان يلقى التحية وهو فى طريقه اليهما على معارفه بالنادى ولم تبدُ عليه أى ملامح للتوتر ، تقدم حتى وصل اليهما ثم ألقى التحية وجلس بينهما ينظر اليهما ويبتسم ،
نظر إليه صادق فى اندهاش وقال نحن فى منتهى القلق عليك لكنى لا أرى عليك أى اثراً لذلك !
أخذ رشدى نفساً عميقاً ثم خلع نظارته الشمسية فبدت فى عينيه أثرٍ لاحمرار يدل على ارتفاع فى ضغط الدم ،
ساله عادل انت كويس ؟
الحمد لله .
ماذا حدث ؟
طلب رشدى كوباً من الليمون ثم نظر لصديقيه وقال وهو يبتسم : اثنان لا تستطيع ان تسيطر عليهما وقت الغضب الثور الهائج وامراة غاضبة ! وأنا تعرضت للاثنين ليلة أمس ، لكن العناية الإلهيه أنقذتنى فى اللحظات الأخيرة ، بعد أن مرت زوجتى بحالة من الهياج العصبى الذى يمكن أن يعصف بأى شئ أمامه استمرت ساعات وهى تصرخ وتركل كل ما يقع أمامها من أثاث فى الشقة أو حتى بشر ثم تحولت إلى كائن غريب مثل الكائنات الخرافية التى تظهر فى الأفلام الاجنبية التى تتحول الى كائنات متوحشة فى ضوء القمر ،
كأن أكثر لحظات الكون رومانسية حين يكتمل القمر وضوئه ، هى نفس اللحظات التى يولد من خلالها أكثر اللحظات عنفاً وسفكاً للدماء
مر أمامى كل شريط حياتى مع رانيا منذ اللحظة التى وقعت عينى عليها وهى ترتدى ملابس التنس متوجة إلى الملعب لتبدأ حصتها التدريبية ، فتبعتها بعد أن أخذت عقلي واستولت على قلبى  ، كانت تتحرك فى الملعب كالفراشة و شعرها المنسدل كشعر الخيل أحكمت حريته بشريط أبيض عريض على جبهتها فسلبتنى آخر ما أملك من ارادة
تقدمت اليها وتمت الخطوبة ، مازلت احتفظ فى خزانتى بالخطابات التى كنا نتبادلها على الأوراق الزرقاء المفعمة برائحة عطرها الذى كنت أعشقه ، كان لنظرتها إحتضان وللمستها اشتهاء ، وفى حديثها غناء وفى خطوتها إيقاع ،
كنت أحلم باليوم الذى يجمعنا تحت سقف واحد حتى نكمل أغنيتنا الجميلة التى بدأناها سوياً
مرت الأيام الأولى فى سعادة وهناء ما بعده هناء ، وبعد أن ارتوى كلانا من نبع الآخر ، بدأت ألاحظ عليها بعض التصرفات الغريبة، مثلاً إعادة غسل الأطباق وادوات المطبخ أكثر من مرة بشكل مبالغ فيه ، حتى أصاب أصابعها الرقيقة التهابات جلدية حادة ،
وعندما ذهبنا الى طبيب الأمراض الجلدية أخبرنى أننى يجب ان اذهب الى طبيب أمراض عصبية ونفسية لأنه يشك أن زوجتى مصاية بمرض شائع أسمه الوسواس القهرى ، ثم أكد لى الطبيب النفسى حدْسْ طبيب الأمراض الجلدية ، ثم بدأنا رحلة العلاج وكنت أتصور أن مرضها توقف عند مرحلة التشخيص والعلاج ، لكن للأسف انعكس مرضها على كل نواحى حياتى ،
اختفت اللمسة الحانية والنظرة المحبة وتحول كل ما بيننا الى لحظات من العتاب والخلاف ، حاولت أن أتعايش مع هذه الأوضاع خاصة بعد  ولادة يمنى وأحمد ، لكن الوضع مع الوقت كان يزداد سوءاً كلما مر وقت اطول ، وأصبحت تبتعد عنى فى كل مرة أحاول الاقتراب منها ،
كانت فى البداية تتحجج بالتعب والارهاق وأشياء أخرى حتى وصل الأمر الى الصراخ فى وجهى ، ثم بدات حالتها النفسية فى التدهور وتنعكس على الأولاد وعلى أقاربها وأقاربى والجيران ، ثم بدات مرحلة العزلة بغلق الحجرة على نفسها والانخراط فى البكاء الحار بالساعات ،
كنت التمس اليها العذر بعد ان أكد لى أكثر من طبيب أن هذا هو التطور الطبيعى للحالة ، حتى جاء موعد الكشف
الدورى عند الطبيب ، وبعد الجلسة المقررة ، فاتحنى فى موضوع أثار انتباهى ، وطلب منى وضع رانيا تحت المراقبة
الدائمة لأن حالتها تسوء ومن الممكن ان تؤذى أولادها أو تؤذى نفسها
وعندما فاتحت أسرتها بذلك أنكروه ، فأشار على أحد الأصدقاء في العمل ، أن أضع نظام مراقبة بالكاميرات وربطه
بتليفونى المحمول ، وبذلك أستطيع متابعتها فى أى وقت وأنا فى أى مكان بشرط ألا تدرى حتى لا يثير ذلك
حفيظتها ، بالتأكيد أنه عندما شرعت فى عمل ذلك كانت نيتى الحفاظ على أولادى وزوجتى ، رد عادل قائلاً : أى فرد
منا كان سيفكر بهذا المنطق .
استكمل رشدى حديثة قائلاً : لكننى وجدت مفاجأة من العيار الثقيل !
انتبه عادل وصادق وذهب كل واحد منهما يتوقع ما حدث ، لكن كل توقعاتهما ذهبت أدراج الرياح ولم يصب أحد منهما
كبد الحقيقة ، وأصبح كلانا فى حالة فضول لمعرفة ماذا وجد رشدى .
أخذ رشدى رشفة عميقة من كوب الليمون ثم وضع الكوب على المنضدة وعاد إلى الخلف بنصف جسمه الأعلى ،
تاركاً كل أطرافه للاسترخاء كأنه يبحث بكد وتعب عن شئً ثمين فى صحراء ثم وجده ،
ثم قال : عندما أتى فنى الشركة التى تعاقدت معها على تركيب أجهزة الصوت وكاميرات التصوير ، وبدأ الفنى فى
العمل ، ذهبت الى رانيا لطلب عمل شاى للفنى ، لكن ما لبث أن تبعنى الفنى بعد قليل ليلقى القنبلة أثناء وجودى
مع رانيا فى حجرة الاستقبال ، فوجه الفنى حديثة لى قائلا ، أستاذ رشدى تحب احتفظ بنظام المراقبة القديم أو
أرفعه من العمل وأضع النظام الجديد !
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.