” وعاد الصباح “.. قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي

الشاعر الأديب محمد الشرقاوي

تقترب خيوط الشمس الذهبية من الأرض ، تداعب الوجوه لتصنع ابتسامة صافية تمنح القلوب املا يرافقها منذ الصباح الباكر حتى المساء ، البشر يسابقون الوقت للحاق بأعمالهم ،
تتجه أنظار المارة في هذا الشارع نحو هذا المحل الذي يرونه مزدحما بالزبائن طوال ساعات اليوم ، ومما يثير التعجب والدهشة أن جميع الواقفين أمامه من الصغار ما بين أربع سنوات إلى أربع عشرة سنة ، ومنهم من يتردد على هذا المحل عدة مرات في اليوم الواحد ، الأسئلة والإجابات تنتقل بين ألسنة الناس وأسماعهم : ما الذي حدث ؟ وكيف تم ذلك ؟ ومن صاحب تلك المبادرة العبقرية ؟ وهل ستلاقي تلك الفكرة قبولا ؟ هل ستنتشر بين جميع التجار ؟ المناقشات مستمرة ، لكن الجميع يبدون إعجابهم الشديد بتلك البداية الجيدة التي أغلقت بابا من الخلافات التي تحدث دائما في المنازل بين الأطفال والوالدين .

ما زال المعلم نافع الفاكهاني يوجه مساعديه والعاملين معه : هيا سريعا ، لا تؤخروا أبناءنا عن مدارسهم ، هؤلاء هم آمالنا وأحلامنا التي نعيش من أجلها . يقابل مساعدوه تلك التوجيهات بكل الحب والبسمة والرضا ، فقد تخصص منهم اثنان لبيع ثمار الفواكه للأطفال بينما تخصص اثنان آخران لغسل ما يختاره الطفل ، على كل نوع من أنواع الفواكه تشير لافتة صغيرة تحدد سعر الثمرة الواحدة ، يختار الطفل واحدة أو اثنتين أو يختار من صنفين مختلفين كما يشاء ثم يعطي ما اختاره لمتخصص غسل الفاكهة الذي يقوم بعمله أمام عين الطفل لكي يكون مطمئنا ثم يضعها في كيس شفاف صغير ، أصبح هذا المشهد معتادا لكل أطفال الشارع وبعض الشوارع المجاورة ، يمضي الأطفال إلى مدارسهم وفي حقائبهم ثمرات الفاكهة الجميلة المفيدة

الترقب والانتظار لوحتان بارزتان على وجوه بائعي المعلبات والمقرمشات والمحمصات والتسالي وخلافه ، لقد انفض

عنهم عدد غير قليل من زبائنهم ، الأسئلة تفيض من ألسنتهم : هل ستعم فكرة بيع الفواكه بالثمرة الواحدة مثلما

فعل المعلم نافع ؟ وماذا نفعل إن حدث ذلك ؟ يستمر الحوار لكن الجميع يعلنون أن ما يرونه لم يكن في الحسبان .

ابتسامات أخرى تبدو من هناك ، فهؤلاء عمال النظافة لم تعد أعمالهم مرهقة مثلما كانت ، لقد أصبحت الشوارع

شبه نظيفة تماما إلا من بعض مخلفات المناديل الورقية وأعقاب السجائر ، لقد بدأ هؤلاء العمال يشعرون ببعض

الصحة التي يتم استهلاكها جريا وراء ما يلقيه الأطفال والشباب أرضا ، يتوجه بعضهم إلى المعلم نافع ليشكره على

فكرته الرائدة والرائعة ، يرد الرجل على شكرهم بتقديم ثمرة فاكهة نظيفة لكل منهم .

أثناء ذهابه إلى عمله بالمستشفى الجامعي ، يمر الدكتور جمال أبو العزم أمام محل الفواكه ، يلقي السلام ، يرد

المعلم نافع بشوق وابتسامة جميلة مهرولا نحوه لمصافحته ، يثني عليه الدكتور جمال مبديا إعجابه الشديد بتلك

الفكرة الوليدة التي يتوقع لها أن تساهم في خفض أعداد المرضى من الأطفال والشباب ، لكن المعلم نافع يمدحه

بأجمل عبارات المدح والثناء : الفضل لله اولا ثم لك يا فخر الأطباء ، لقد كانت تلك فكرتك ومشورتك والحمد لله حققت

نجاحا عظيما كما حققت لي أرباحا لم أكن أتوقعها ، أنتم علماؤنا الذين نفخر بكم وبأفكاركم المبهرة ، ثم يقدم له

واحدة من ثمرات الفاكهة مغسولة داخل كيس صغير مقسما بالله ألا يرفض ، يتناولها الدكتور جمال وهو يدعو له

بالتوفيق والسداد ثم ينصرف بينما تلاحقه دعوات المعلم نافع بالسلامة ذهابا وإيابا .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.