عبد الناصر البنا يكتب : نعدلوا المايلة .. هدم الجبانات !!

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
أهل إسكندرية ناس فى منتهى الجمال ، وأقل ” هتش ” م البورسعيدية ، ودايما تلاقى كلامهم بصيغة الجمع يقولك مثلا ” نقدروا .. نعملوا كذا ” ، ودايما الجمل عندهم مفتوحه ” نَزل ـ طَلع .. إلخ ” وفى كلامهم بياكلوا ” ربع ” الجنية ، ودا من قبل التعويم ، ويقولوا عليه ” جنى ” ، وأنا إستوحيت عنوان المقال دا من كلامهم ، وعلى فكرة دا مش موضوعنا خالص !!
بادىء ذى بدء عاوز أقول إن الكلمة أمانة ، وأنها مسئولية أمام الله تعالى ، وإذا كنت إنسان
وطنى بتجب بلدك ومهموم بقضاياها ، وشفت حاجة مش عاجباك إتكلم وإكتب وقول ،
طالما كلامك لا فيه لغط ولا بلبلة ولا إثاره للرأى العام ، وبرضه عاوز أوضح أن فى فرق كبير
بين الناس إللى قلبها على البلد ، والناس المتربصة إللى بتتصيد الأخطاء وإللى بتسفه من
أى وكل حاجة ، وهو نفس الفرق بين النقد البناء والنقد الهدام ، أو النقد لـ مجرد النقد دون ان يقدم نصيحة أو ينير
الطريق أمام متخذ القرار ، ولذا لزم التنويه !!
إستوقفنى سؤال من أحدى نائبات البرلمان المصرى فى شأن ” هدم الجابانات” فى مناطق السيدة عائشة ـ والإمام
الشافعى ، وقرافة المماليك أو مدينة الموتى ، كونها من الأماكن الأثرية التاريخية التى تتبع القاهرة بوصفها واحدة
من أهم وأقدم المدن التاريخية المتفردة بتراث معمارى وحضارى وجبانات قل أن تضاهيها مدينة أخرى فى العالم ،
إضافة إلى كونها مدرجة ضمن قوائم التراث العالمى لمنظمة ” اليونسكو ” منذ عام 1977 إعترافا منها ومن العالم
بأهميتها الكبرى وتفردها .
وعلى رأى المثل مالك إنت ومالنا ياقاضى مادام أبوها راضى ، فعلا إحنا مالنا ومال العالم ، مايقولوا إللى عاوزين
يقولوه ، المهم مصر عاوزه تعمل إيه ياسيادة النائبة . والأهم من هذا وذاك إنتم كأعضاء برلمان كنتم فين من زمان ؟
وفين دوركم الرقابى على الحكومة ” السلطة التنفيذية ” ولديكم مايكفى من الأدوات الدستورية ” طلبات إحاطه ــ
وأسئلة ــ وإستجواب ــ وسحب ثقه .. إلخ ” لاجل ذلك أتساءل : هل لدينا فى مصر برلمان ؟ قد أكون مغيبا ومش
حاسس بوجوده أو شايف له دور ، ولذلك أسأل : فى حد فاكر قضية واحدة شغلت الرأى العام فى مصر وتحرك أو
تصدى لها برلمانا الموقر ؟ ، وكم طلب إحاطه قدم بخصوص هدم الجبانات ؟ وماذا تم فيها ؟ .
الحقيقة هذا الموضوع ذو شجون ، وهو ليس حديث الخاصة فى مصر وحدهم ، وإنما حديث كل مهتم بالحفاظ على
التراث فى عالمنا العربى . مؤخرا قرأت مقالا للدكتورة هنا أبو الغار لايخلو من المرارة وفيه تقول : أنا أعرف مدينة
عريقة زى حلب ولا بغداد تتهد وتتمحى آثارها وتاريخها وجمالها وطبيعتها بفعل طيارات العدو ، وينكتب على جيلنا
يشوف جذوره تتخلع وآثاره تتباع قطاعى ” إشى صفحة من مصحف أثرى ، ومترين موزاييك ، ولا بلاط ، ولا حته من
نافورة ، ونتفرج بقلوب دامية فى حرب الخليج وسورية .. إلخ
وتضيف د.هنا أبو الغار : مكنتش متوقعة إن قلبى ح يتخلع نفس الخلعة على القاهرة مدينتى إللى عشت عمرى فيها
وعارفه كويس قدرها وكنوزها ، وتتساءل : لا إحنا تحت الإحتلال الأجنبى ، ولا فى كوارث طبيعية ، والحاجة دى
بتاعتى وبتاعت أولادى والمدافن دى ” لازمانى ” والمبانى دى ورثى وورث الشعب المصرى بتتهد من غير مايبقى
لى رأى ؛ وأنا قليلة الحيلة !!
مانيش عاوزة أخاف وأسكت ، ولا أنا عاوزه أدخل سجون واتحرم من ولادى وراحتى ، علشان كده ” أنا # مش _
مسامحة _ فى _ دمار _ القاهرة ” . وخليكم عارفين أنا ” بأدعى # ربنا _ يديكم _ على _ قد _ نيتكم ” وأن تجنوا
القبح والقهر والعجز إللى زرعتوه فى حياتكم ، وتشوفوه وتدوقوا طعمه ، ومصر محروسة ، وبإذن الله ح تقوم إلخ .. إلخ
الموضوع شائك جدا ومعقد ، ويحجم أو يتخوف البعض من الكتابة عنه ، لكن وإحقاقا للحق كانت هناك لجنة مشكلة
من قبل رئاسة الجمهورية وطرحت مشروع بديل ، وأفادت بأن مشروع المحاور فى هذه المنطقة غير مجدى ،
وطالبت بوقف أعمال الهدم ، ورغم ذلك كان هناك إصرار على الهدم . ولمصلحة من .. الله وحده أعلم حتى لو تم نقل
رفات الموتى من الشخصيات العامه إلى ” مقبرة الخالدين ” !!
عملية هدم الجبانات فى مصر بدأت منذ 3 سنوات لأجل تطوير وتحديث شبكة طرق القاهرة التاريخية ، الأمر الذى
تطلب إزالة 2700 مقبرة ونقلها لـ أماكن جديدة . وبعيدا عن الأزمة التى أثيرت حول هدم مقبرة عميد الأدب العربى
الدكتور طه حسين ، فهناك مقابر أخرى لم تنجُ من الهدم مثل مقبرة الشيخ محمد رفعت الملقب ب “قيثارة السماء”
، ومقبرة الروائي يحيى حقي ، وقاضي القضاة العز بن عبد السلام الملقب بـ”سلطان العلماء وبائع الملوك وشيخ
الإسلام”.
ومقبرة أبو سعيد عثمان بن سعيد ين عبدالله أو ” الإمام وَرش ” شيخ القراء المحققين ، وكان ورش من التقاه فى
القراءة عن نافع ، وإنتشرت قراءته فى مصر وسادت حتى الفتح العثمانى لتحل محلها قراءة حفص وتصبح هى
القراءة المعتمدة ، كما إنتشرت قراءة ورش فى شمال أفريقيا وغربها وفى الأندلس وهى من أكثر القراءات شيوعا
فى العالم الإسلامى بعد رواية حفص ، هذه المقابر وغيرها هى آثار تاريخية يتخطى عمرها الـ 700 عام وأكثر أى أنها
أقدم من أمريكا نفسها ودول أخرس عديدة تحاول أن تصنع لها تاريخا وتراثا !!
فى تصريح للمتحدث بإسم رئاسة الجمهورية : أن الرئيس أمر بتشكيل لجنة لتقييم الموقف بشأن نقل المقابر فى
منطقة السيدة عائشة والامام الشافعى وقرافة المماليك ، وأشار إلى أن سيادته أمر بإنشاء ” مقبرة الخالدين “
لتكون صرحا يضم رفات عظماء ورموز مصر . لكن المحير فى الأمر ، أنه إذا كان هذا هو موقف القيادة السياسية ، وهو
واضح وضوح الشمس ، فلما الإصرار على هدم التراث وضياع كل ماهو ذو قيمة ؟
وفى أذهاننا الخراب الذى أحدثه ترميم مسجد نفيسة العلم السيدة نفيسة رضى الله عنها ؛ والتى تمت تحت مرأى
ومسمع كل وزارات الدولة المعنية والمغيبة وإن شئت قل ” الميته إكلينيكيا ” وبدعم طائفة البهره ، ليه يحصل دا
ومصر فيها نوابغ وأساتذة فى ترميم التراث ؟ ولماذا لم يتم الإستعانة بهم ؟ مين ورا هدم ومحو تراث وتاريخ بلدنا !!
ليه نضيع من بين إيدينا ثروة تمثل تطور العمارة الجنائزية فى مصر، ونضيع محتوياتها من القطع الثمينة والتركيبات
الرخامية والأحجار والشواهد التى تحتوى على روائع الخط العربى ، ليه .. ليه بصوت عبدالحليم . وفوق كل هذا وذاك
فين جهاز التنسيق الحضارى ، وفين وزارة الثقافة والسياحة والآثار .. وماعنديش كلام تانى أقوله !!
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.