الكاتب الصحفي مصطفى ياسين يكتب : التقلُّبات المُناخيّة.. والمصايف
دَرَسْنَا طوالَ مراحِلِنا التعليميّة المختَلِفة تميُّز مصر بمناخٍ معتدلٍ طول العام، وكنّا نتغنَّى بأن “الجوُّ ربيع طُوُلِ السَنَة”، إلى أن جاءتنا التغيُّرات بل التقلُّبَات المُناخية التى لم نعهدها من قبل، بل لم يعهدها العالم أجمع، فأصبح غيرُ مستغرَب أن تُغرقنا الأمطارُ فى عزِّ لهيب الصيف، أو تَلْحَفنا موجة شديدة الحرارة وسط قسوة الشتاء القارس!
وكلّ هذا بما كَسَبت أيدينا نتيجة التعدِّى الصارخ على الطبيعة التى وَهَبها الله لنا، والمجازر الجائرة بحقِّ الأشجار والخُضرة، والاستخدام المُفْرِط للمحروقات بكافّة أنواعها وأشكالها، مُتجاهِلين أضرارها ليس على البيئة فقط وإنما على الحياة بشكل عام.
وإنْ كان العالمُ قد تَنَبَّه مؤخّرا لخطورة هذا العدوان والتدمير والتخريب الذى يرتكبه إنسانُ هذا العصر فى حقّ نفسه
وحياته على كوكب الأرض، وبدأ فى عقد المؤتمرات الدوليّة المتعلِّقة بالتباحث فى أمر الحفاظ على البيئة- قدْر
المستطاع- وكان آخرها فى مدينة شرم الشيخ، فى لقائهم السابع والعشرين، والذى نجحت فيه مصر أن تفرض
رؤيتها وتضع الدول الصناعية الكبرى- التى هى بالأساس المسبِّب الرئيسي فى الإضرار البيئى- أمام مسئوليتها
الإنسانيّة والمجتمعيّة.
ورغم كلّ هذا الكمِّ الرهيب من التخوّفات السلبية الناتجة عن التغيّرات المُناخية، يظلّ مناخ مصر، رغم تقلُّباته، متميّزاً
بما حَبَاها الله من نِعَمِ إطلالها على سواحل بَحْرِيِّة طويلة فى الشمال والشرق، وقد ركَّزت الدولة المصريّة الحديثة
على استثمارها والتوسّع فى تنميتها وتعميرها بما يجعلها مناطق جذب سياحي، ليس للمصريين فحسب، بل للعالم
أجمع، فتحوَّلت إلى مصدر مهم من مصادر الدخل القومى.
وبمجرّد دخول موجات الحرِّ الشديد- خاصة في شهرى يوليو وأُغسطس، يزحف كثيرٌ من المصريين إلى السواحل،
للاستمتاع بِنِعَمِ الله، لتجديد شَحْن طاقاتهم والعودة إلى حياتهم التقليديّة بمزيد من الإقبال والحُبّ والرغبة فى
الإبداع والتميّز فى أعمالهم وحياتهم اليومية.
وقد أبدعت الأُسرة المصريّة- بقيادة المرأة الحكيمة- فى تدبير الموارد المُتاحة للتمتُّع بأفضل الطُرُقِ في الخروج إلى
هذا الزحف الصيفى، بأقلِّ الإمكانات المادّية لدعم وشَحْن الطاقة المعنويّة، لذا نجد أغلب الأُسر، على اختلاف
مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية، تستمتع بالتصييف، فلا يوجد مَحْرُوم، وهذه هي أعظم ميزة تتفرَّد بها مصر عن
سائر الدول والشعوب، فالجميع يعيش حالة الانبساط والسعادة والاستمتاع.
ولكن يبقى السؤال الأهمّ: كيف نحافظ على هذه النِعَمِ التي لا تُعد ولا تُحصَى، والتى وهَبَنا الله تعالى إيَّاها؟ حتّى لا
نُفاجَأ فى وقت من الأوقات وقد أجْرَمنا فى حقّها بسوء استخدامنا؟
لابد من شُكر الله وحمده، بمزيد حِفْظِنا ورعايتنا لهذه النِعَم، والعمل على تطويرها وتنميتها، حتّى فى استثمارنا
لعوائدها فلابد أن نضع في اعتبارنا حقّ الأجيال القادمة فى هذه النِعَم والموارد الطبيعيّة العظيمة، فلا نُسرف فى
استنزافها إلى حدِّ التجريف الجائر، مهما كانت الأسباب والظروف المُحيطة، فالإسراف منْهىٌّ عنه في كلّ مناحى
حياتنا، لأن الوسطيّة والاعتدال هُمَا سبيل النجاح بل النجاة.
ولـ”تحيا مصرنا الحبيبة” بطبيعتها الخَلَّابة ونِعَمِ الله عليها، والتى لا حَصْر لها، وأهمَّها شعبها العظيم.