الإعلامي محمود عبد السلام يكتب : شحات لكل مواطن !
جالساً كنت بقهوة افرنجية بجوار فندق شهير على ضفاف نيل الزمالك ، ناظراً الى كوبرى ١٥ مايو والبيوت على الجانب الآخر ناحية حى العجوزة ، متابعاً المارة من خلف زجاج مستمتعا بتكييف الهواء فى حر أغسطس الشديد ،
يخرج من باب الفندق أحد إخواننا من السائحين العرب ، متجهاً نحو سيارة فارهة ، يبعد عن السيارة ثلاثة أمتار على أقصى تقدير ،
فجأة ظهر بائع غزل البنات ومنادى سيارات وبائعة مناديل وبائعة زهور وعامل نظافة ثم تبعهم آخرين . فجأة أصبح السائح المسكين محاصراً قبل صعوده إلى السيارة ،
حاول السائق دفع هؤلاء طالبى الحسنة لكنه فشل بعد أن دفعوه بعيداً ، ثم تحولوا إلى ملامسة السائح وتدافعوا حتى كادوا أن يسقطوه أرضاً وهم يمدون أيديهم ويتصنعون الذلة والمسكنة بداعى وبدون داعى ..
ظل الوضع هكذا حتى هداه تفكيره أن يخرج حفنة من النقود ويلقيها بعيداً فى الهواء ، فاندفعوا نحو النقود يلموها من على الأرض ويتصارعون عليها فى مشهد مذل ومخذى ،
استغل انشغالهم واندفع يفتح باب السيارة متعجلاً فاصتدم رأسه بمدخل الباب ثم أغلق الباب سريعا وهو يتنفس الصعداء ويشير الى السائق بسرعة الانطلاق
العجيب والمدهش أن هذا المشهد كله يحدث أمام شرطة السياحة وأمن الفندق ، حين استفقت من الاحساس
بالهوان كمصرى وطنى وجدت أنه اصبح لكل مواطن شحات وعندما تحدثت إلى أصدقائى وجدت عند كل واحد فيهم
حكاية تشبه ذلك .
جغرافياً أصبح لكل شارع الشحات الخاص به ، مثل المكوجى والبقال وبائع الخضروات ، لدرجة أنك ممكن أن تصف
عنواناً لأحد ويكون الشحات فى تلك المنطقة أحد العلامات البارزة فيه .
فى الميادين الكبرى تجد تشكيلة معتبرة من الشحاتين ، تنويعة مابين الأعور والمكسح والأعمى والمشلول والتائه
والذى يريد أن يعود الى بلده لكنه لا يملك ثمن التذكرة ، وجميعهم يتمتعون بغتاتة ( الدبان الأزرق ) تدفعهم فيعودوا
ويا حبذا لو صادفك وأنت فى حالة ضعف وزوجتك أو ابنتك بجانبك ، أو أنت بتحاسب أحد الباعة وتتناول بقية نقودك ، أو
وأنت تضع بعض مستلزمات الشراء فى شنطة سيارتك ، أو اذا ربنا فتح عليك زى زمان بقرشين وقررت تعشى الأولاد
سندوتشات على نيل القاهرة ،
وأكرر ان الغريب والعجيب والمدهش والأكثر إدهاشا أن كل هذا يحدث معنا ومع السائحين بكل مكان بمصر ولا أحد
من الأجهزة المختصة يحرك ساكناً ،
الظاهرة أصبحت مستفزة وكما تعرف الجزائر الشقيقة ببلد المليون شهيد أصبحنا نعرف ببلد المليون شحات ،
الفوضى تضرب جنبات الشارع المصرى الذى مسه الجنون ولا أحد معنى بإدراك هذه الفوضى ،
لو أى محافظ بأى محافظة عنده قليل من الضمير ونزل الى الشارع سيقدم استقالته فوراً ،
أذكر أن أحد المستثمرين كان يحدثنى أنه إذا أراد الاستثمار فى أى بلد نظر الى نظافة شوارعها وانتظام المرور فيها ،
الشارع المصرى بفوضويته المتجذرة طارد للسياحة والاستثمار ولأى شئ مفيد ،
هل نستطيع أن نعيد النظام إلى الشارع ؟ الإجابة بالتأكيد نعم ، فعلها قبل ذلك وزير الداخلية الأسبق أحمد رشدى
.. لكنهم اقالوه !!