جلست على طرف السرير
. ناولته حفنه من حبوب الدواء . اسندت رأسه ودست الحبوب فى فمه دفعة واحدة . تجرع كوب الماء . تناثر نصف الكوب على ملابسه والسرير . طلبت منه أن ينام .
نزل بنصف جسده القائم فى وضع الجلوس إلى وضعية النوم ، أغلق عيناه متصنعاً النوم . أغلقت الحجرة خلفها.. نظر إلى سقف الحجرة . عاود مشاهدة الفيلم اليومى . طفولة . صبا . شباب . رجولة . شيخوخة .كهولة . طفولة . يتقاطع مع مشاهد الرواية عبارات من أشخاص مروا ورحلوا ، أصداء أصواتهم تأتى من صحراء الوقت ،
– صوت أب :
كن قريباً من الله تجده امامك
– صوت أم:
ربنا يحفظك
صوت أخ :
الحياة حلوة
صوت أخت :
لا تتخلى عنى
صوت نسائى :
أحبك
صوت صديق :
ضحكة منغمة
تنتهى القصة فى آخر اليوم . ينام ملء جفونه ويحلم
( الأحلام تبقيه حياً ، الأحلام تروي عطشه ، الأحلام تشفى جروحه )
تختلط الأحلام مع الذكريات
مركب فى النيل تسير بمحاذاة الشط ، يسطخب الراكبون . يغنون . ياكلون . يشربون . يتشاجرون
تحت أحد الاشجار الكبيرة بالقناطر الخيرية يجلس يكتب قصيدة شعر . الأبيات جريحة الكلمات تنزف دماً . غداً ، وطن ، بيت ، زوجة ، شوارع خالية من المارة واصوات ضجيج
، من بعيد طائر يغامر بجناحيه الضعيفين نحو الأعلى ، لا يسقط مباشرة ، يسقط بعد أن قاوم الرياح والحرارة وجاذبية الأرض . يسقط خوفاً ولا يسقط من الإعياء !
يعود من رحلته إلى الفراش ، عدة طرقات على الباب ، يتصنع النوم ولا يرد ، يغادر الطارق فرحاً باستحالة اللقاء ، لا شئ سوى الذكريات ، وغريب يطرق الباب
فى المساء يتحلق حول السرير الأصدقاء يذكرهم جميعاً إلا قليل ، يقترب يهمس فى أذنه . هل سترحل قريباً ؟
يمعن النظر فى الوجوه التى تبدلت ، برزت التجاعيد وغارت العيون وترهلت الاجساد واختفت الضحكة الصافية كنهر فرات ،
مشهد يجمعه مع الأصدقاء ( سيارة خضراء تقف عند ناصية شارع ، يجلس البعض يستمع إلى أغنية عاطفية والباقي فى الخارج مستندين الى السيارة ، تمر فتاة ف يحبها الجميع )
مشهد آخر مع الاصدقاء
( شاطئ البحر والرمال بين بيضاء وصفراء والجميع تغمره السعادة، وتدور كؤوس الشراب ، ترتفع موجه تندفع نحو الشاطئ يهرب الجميع ، وتضيع الزجاجات المملؤة بنشوة الايام )
مشهد آخر مع الأصدقاء ( شارع صلاح سالم ناحية مقابر الغفير ، السماء مغبشة بندى قطرات الفجر ، وخيوط الليل الاخيرة متشبثة ببدايات النهار والجميع انظارهم شاخصة وعيونهم دامعة ، تركنا عمرو هناك ثم اردفناه بيوسف ورحلنا على ايقاع اقدامنا البطيئة الجنائزية ) .
ينظر الى السقف ويعاود النظر الى الاصدقاء اصبح لا يعرفهم جميعاً الا قليل .
التليفون بجانبه لا يعمل فصلوا عنه الحرارة حتى لا يزعج الاهل والمعارف بحكاياه القديمة، ينتهز فرصة وجوده وحيداً فى الحجرة يدير قرص الهاتف وينظر ، لاشئ غير الانتظار الانتظار والضجر والضجر والانتظار يجيب ، ثم ياتى صوت من بعيد ياتى ضعيفاً ومشوشاً ثم يصبح اكثر وضوحاً وقوة ،
– انتظرت مكالمتك أمس ومازلت انتظر حتى رن الهاتف ، لماذا انشغلت عنى ؟
سانتظرك فى ميدان روكسى عند الثامنة ، اشتريت الألوان والفرشاة والقماش وصنعت بروازاً للوحة ، ليلة أمس فكرت كثيراً وجدت أن لوحتنا سنغير فيها قليلاً
السماء ستكون برتقالية وأرضية اللوحة زرقاء ووجهك ناضراً مقبلاً نحو شمس باقية لن تغيب وفتاه فى غلالة بيضاء كاشفة ، ثم …صمتت ضاحكة.
السقف يقترب أكثر من السرير التابوت ، وتضيق الحجرة شيئاً قليلا أكثر من المعتاد
يجن الليل ويغط الجميع فى نوم عميقاً،
اللوحة لن تكتمل الآن
اجمالى القصة صب كاساً للوحة ، صب كأساً للوحة