الدكتور علاء رزق يكتب : قمة بطرسبرج وفرص الوصول المتساوية
يعتبر مفهوم فرص الوصول المتساوية أحد أهم المبادئ الحاكمة في سياسه الباب المفتوح ، هذه السياسة التي تم المطالبة بتنفيذها في نهايه القرن التاسع عشر والتي تقوم على عدم إنفراد دولة بالحصول على إمتيازات تجارية، او صناعية، او سياسية،
ومن العجيب أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي طالبت بتطبيق هذه السياسة في الربع الثاني من القرن التاسع عشر ،والتأكيد على ضمان حصول كل دولة على فرص وصول متساوية، مع ضمان عدم إحتكار التجارة،
وعلى الجانب الآخر نجد أن مصر من طليعة الدول التى مارست هذه السياسة في علاقتها الخارجية فى النصف الأول من القرن العشرين،
بالرغم من أنها كانت تحت إحتلال سياسى، ولكنها فى النصف الثانى من القرن العشرين عقب إستقلالها السياسى التام ، إنطلقت بقوة نحو مناصرة دول القارة الإفريقية تحديداً، وضمان تفاعلها التجاري لتأخذ مكانا صحيحاً في المؤسسات التي تتم فيها صياغة صياغة تطور الكوكب، ومن بينها الأمم المتحدة ، ومجلس الأمن ،
لذلك فإن سياسة “الباب المفتوح” تنطبق في إدارة علاقات مصر الدبلوماسية، والتي تتجسد في العديد من
المشاهد الإقليمية والدولية، عبر تطويع كافة الظروف والمستجدات لتحقيق مزيد من الإنفتاح على كافة الدول،
بإختلاف رؤيتها أو توجهاتها، وهو ما يتجلى في مشاركة الرئيس السيسي في الفعاليات المنعقدة على هامش قمة
منتدى روسيا – افريقيا في مدينه سان بطرسبرج بمشاركة 49 دولة افريقية من أصل 55 دولة
رغم معارضة الدول الغربية، واستمرار الضغوط الدولية على روسيا ،حيث يسعى الرئيس السيسي لعرض المطالب
الافريقية، وبحث تطورات التعاون الاقتصادي وتدعيم التعاون الإفريقي الروسي في المجالات المختلفة ، وخاصه بعد
إعلان روسيا الأسبوع الماضي الإنسحاب من إتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البحر الاسود بسبب أن هذه
الاتفاقية التي وقعت في يوليو من عام 2022 بوساطة الأمم المتحدة، وتركيا، والتي تم شحن 33 مليون طن قمح
خلال هذه الفترة ،
وكان من نصيب الدول المتقدمه أكثر من 45% وهو ما لم توافق عليه روسيا، التي تسعى إلى سد إحتياجات الدول
النامية أولا، خاصة دول القارة الإفريقية التي تعد واحدة من اكثر مناطق العالم ضعفا من حيث الأمن الغذائي، حيث
تبين أن 20% من سكان القارة يعانون الجوع المزمن رغم توافر الإمكانيات الزراعية الهائلة للقارة، المرتكزة على ان
60% من الأراضي الخصبة في أفريقيا غير مستغلة بالقدر الكافي ،
لذلك فإن التحركات الدبلوماسية التي خاضتها مصر، في أعقاب ثورة 30 يونيو، والتي تمركزت حول إحتواء الخلافات،
والإنطلاق نحو مزيد من التعاون لتحقيق المصالح الجمعية، وتحقيق شراكة إستراتيجية قائمة على تبادل المنافع
على جميع الأصعدة وهو ما أثمر في تنويع الشراكات التي تجاوزت الحالة الإقليمية نحو العالمية،
بالإضافة إلى تطور العلاقات مع دول، ربما كانت على قائمة “الخصوم” لسنوات طويلة. والتوصل لمشكلات بدت ملحة
مثل تأمين الأمن الغذائي للقارة بعد إنتهاء العمل بصفقة الحبوب وتطوير التبادلات التجارية، وحل الصراعات السياسية
البينية بين دول القارة حول الموارد المائية بشكل يلبي مصالح الجميع ويحقق النفع المتبادل.
وهنا يمكننا القول بأن سياسة “الباب المفتوح” تمثل نهجا مصرياً بدات مصر منذ بدايه القرن العشرين وبإمتياز ،
معتمدة في الأساس على تضييق نطاق الخلافات لتصل بها تدريجياً إلى “درجة الصفر”، مع العمل على بناء أسس
جديدة للعلاقة من التعاون والشراكة على أرضية من المصالح المشتركة، سواء بين أطراف المعادلة السياسية في
الداخل، أو في إدارة العلاقة مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى،من اجل تنفيذ استراتيجيتها التنمويه نحو توطين
الصناعة والتكنولوجيا التي تمثل أضلاع مثلث عملية الإصلاح الإقتصادي الثانية التي بدأتها مصر في نوفمبر عام 2021
،والتي ترتكز على وجود صناعات تحويلية ذات قيمة مضافة عالية للإقتصاد المصري،
والتوجه نحو إستراتيجية زراعية متميزة تضمن تحقيق الأمن الغذائي الذي يعد القضية الأولى لدول القارة الإفريقية
كذلك ضمان توافر فلسفة مصرية نحو إستيعاب التكنولوجيا الحديثة عبر التصنيع المشترك لعدد من المنتجات فى
السوق المصري الكبير 104مليون نسمة ،
هذا التوجه مدعوم بالإستفاده من إتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية AFCFTA لتصدير منتجات الدول المتقدمة
التي تسعى الى تحقيق الشراكة مع الدولة المصرية إلى السوق الافريقي، وهو امر سوف يمثل نقطة إنطلاقه
حقيقية نحو تعميق صناعة المنتجات التي تستخدم كمدخلات للصناعات الهامة، والاستفاده من الثروات الطبيعية
والتعدينية لتحقيق القيمة المضافة للإقتصاد المصري،
فوجود مشروعات قومية كبيرة مثل مشروع تنمية منطقة المثلث الذهبي بالصحراء الشرقية الذي والذى يعد أحد
المشروعات القومية الكبرى ،الذي يربط بين الوادي القديم تحديداً من محافظه قنا حتى سفاجا والقصير في البحر
الأحمر، بمساحة تزيد عن 2,2 مليون فدان ،
هذا المشروع يعتمد على الثروات التعدينية الهائلة، من الذهب والفوسفات والجرانيت والرمال البيضاء، والتى تقوم
عليها صناعات هامة وعديدة، ومستندا إلى موقع إستراتيجي بالقرب من ميناء سفاجا لتسهيل عملية الصادرات إلى
الأسواق العالمية ،
وهو ما تبحث عنه مصر في خطتها الإستراتيجية الحالية للوصول إلى 100 مليار دولار صادرات سلعية غير بترولية
خلال السنة القادمة،
وبالتالي فإن توفير فرص استثمارية واعدة في مجالات عديدة من الصناعة والسياحة والزراعة والتعدين، اصبحت أهم
التوجهات الاقتصادية للسياسة المصرية حالياً،
شريطة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والعمل معا على أساس الإحترام المتبادل .
كاتب المقال رئيس المنتدى
الإستراتيجى للتنمية والسلام