اللواء دكتور سمير فرج يكتب : ثورة يوليو المجيدة في الميزان

اللواء دكتور سمير فرج

بعد حرب ۱۹٤٨، وضياع فلسطين، ظهر تنظيم الضباط الأحرار، في الجيش المصري، بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر، وفي يوم ٢٣ يوليو من عام 1952، قاد التنظيم، ثورته البيضاء، التي لم ترق فيها نقطة دماء، ونجح في السيطرة على المرافق الحيوية في البلاد، وأجبرت الثورة، الملك فاروق الأول على التنازل عن العرش، لولي عهده الأمير أحمد فؤاد، ومغادرة البلاد في ٢٦ يوليو1952، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش، كما تم تشكيل مجلس قيادة الثورة، الذي يضم ۱۳ ضابطاً، برئاسة اللواء محمد نجيب، ليمسك بزمام الأمور في الدولة المصرية.

أعلنت الثورة مبادئها الستة؛ وهي القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال

على الحكم، وبناء جيش وطني قوي، وإقامة العدالة الاجتماعية، وتأسيس حياة ديمقراطية سليمة، ومن خلالها

حققت العديد من الإنجازات السياسية، منها إسقاط دستور 1923، وحل الأحزاب السياسية، وإلغاء الملكية وإعلان

الجمهورية في ۱۸ يونيو ١٩٥3، برئاسة اللواء محمد نجيب، كأول رئيساً للجمهورية، حتى عام 1954، تم خلالها توقيع

اتفاقية الجلاء، وخروج المستعمر البريطاني، بعدما ظل محتلاً للأراضي المصرية لمدة ٧٤ عاماً.

وحتى بعد تولي الرئيس جمال عبد الناصر حكم البلاد، توالت إنجازات الثورة، تحقيقاً لمبادئها، سواء على الصعيد

الداخلي، بتأميم قناة السويس عام 1956، أو بإنشاء السد العالي عام 1961، أو بإقرار مجانية التعليم العام، والتعليم

العالي، وإنشاء العشرات من الجامعات في شتى أنحاء البلاد، بدلاً من الثلاث جامعات التي كانت موجودة، في ذلك

الوقت، وإنشاء مراكز البحث العلمي. فضلاً عما سبق ذلك من إصدار قانون الملكية يوم ٩ سبتمبر 1952، وتأميم

التجارة والصناعة، للقضاء على الإقطاع، بعد عقود من استئثار الأجانب بهذا القطاع، وتحرير الفلاح بإصدار قانون

الإصلاح الزراعي. كما أنشأت الثورة الهيئة العامة لقصور الثقافة، بهدف نشر الثقافة، خاصة في مناطق طالع حرمانها

من ثمرات الإبداع التي احتكرتها القاهرة في هذا الوقت، كما أنشئت أكاديمية الفنون بمعاهدها المتخصصة في

المسرح، والباليه، والسينما، والنقد والكونسرفاتوار، فضلاً عن الاهتمام برعاية المتاحف والآثار.

أما على الصعيد الخارجي، فتم توحيد الجهود، لتحقيق أمل الوحدة العربية، من المحيط إلى الخليج، فحققت الثورة

تجربة الوحدة العربية مع سوريا في فبراير 1958، ورغم أن التجربة لم يُكتب لها النجاح، وتم الانفصال في عام 1961،

إلا أنها كانت تجربة فريدة بكل المقاييس. كما حشدت الثورة الطاقات لإطلاق حركات التحرير، وصارت قطب الحريات

في العالم العربي والإفريقي، بدعمها لحركات التحرر في تونس والجزائر والمغرب، حتى تتحقق لهم الاستقلال.

وامتدت آثار الثورة إلى المستوى العالمي، فشكلت حركة عدم الانحياز مع يوغسلافيا بقيادة الزعيم جوزيف تيتو، ومع

الهند بقيادة الرئيس نهرو، مما عزز من دور مصر، وتلك الدول، على المستوى العالمي.

ولتحقيق هدف ثورة 1952 في بناء جيش وطني قوي، عقدت مصر صفقة الأسلحة التشيكية، والتي مثلت نقطة

تحول في كسر احتكار السلاح العالمي، وتم بعدها تطوير القوات المسلحة، وتطوير الصناعات الحربية، والمعاهد

العسكرية، بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي. ولما رفض الغرب المساعدة في تمويل بناء السد العالي، اتخذ الرئيس عبد

الناصر قرار تأميم قناة السويس، عام 1956، مما دفع إنجلترا وفرنسا وإسرائيل لشن عدوانهم الثلاثي على مصر في

أكتوبر من نفس العام، فكانت روح ثورة ٢٣ يوليو، السند وراء نجاح مصر في صد ذلك العدوان، وانسحب العدو من أرض

بور سعيد يوم ۲۳ ديسمبر، وحققت مصر النصر في واحدة من أعظم معاركها وهي بناء السد العالي، وتأميم قناة

السويس.

وكانت الثورة سبباً في تغيير إيجابي في حياة المصريين، بما أسست له من ثورة صناعية جديدة، بإنشاء صناعة

الحديد والصلب في حلوان، وصناعة السيارات، ومصانع الغزل والنسيج في المحلة الكبرى وكفر الدوار، ومصانع

الألومنيوم والأسمدة بصعيد مصر، معتمدة في ذلك على الخطط الخمسية لتطوير الاقتصاد المصري، فحققت نمواً

يشار له بالبنان، وكانت مثلاً يحتذى به لكل الدول المتطلعة للحرية والاستقلال. إلا أن دعم مصر لثورة اليمن،

استنزفت الكثير والكثير من مواردها الاقتصادية، وفي أعقاب ذلك شن العدو الإسرائيلي حرباً على مصر، عام 1967،

مما كان، بلا شك، ضربة قوية لنجاح ثورة يوليو ٥٢، ودخلت مصر، حينها، مرحلة جديدة، هي حرب الاستنزاف، لمدة

ست سنوات، حتى يوم السادس من أكتوبر من عام 1973، عندما حقق جيش مصر، والشعب العظيم، أمجد

انتصاراته، في العصر الحديث، باقتحام قناة السويس، وتدمير خط بارليف، ورد اعتبار القوات المسلحة المصرية،

واستعادة الأرض كاملة.

والحقيقة، أنه رغم كل ما أعقب ثورة يوليو 1952، من استقرار أو من عثرات، إلا أنها ستظل، ولا شك، علامة فارقة

في تاريخ مصر الحديث، بما أحدثته من تحولات جذرية في شتى مناحي حياة هذا الشعب؛ سياسياً وعسكرياً

واقتصادياً واجتماعياً، وأصبحت مصر، بفضل هذه الثورة، دولة جديدة، بنظام جمهوري، يحكمها، لأول مرة، ابن من

أبنائها، وليس من أبناء الأسرة العلوية، متخطية بذلك مشكلات العصر الملكي السابق. وستستمر مصر في استكمال

مسيرة شعبها، صاحب الحضارة، وبناء مستقبل جديد في الجمهورية الجديدة، بقيادة الرئيس المصري عبد الفتاح

السيسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.