عبد الناصر البنا يكتب : إيمان البحر درويش .. طير فى السما

مع بدايات عام 1980 ساقنى القدر وكنت محظوظا بحضور حفل لأحد أعيان الصعيد ويعد واحدا من كبار مقاولى البناء فى مدينة الاسكندرية ، وللأسف تاهت تفاصيل هذا الحفل عبر ثقوب الذاكرة ، ولكن تبقى منه منظر أولئك الحسناوات اللائن كن يتراقصن فى الحفل على غناء ذلك الشاب صاحب الصوت الجميل والآداء المميز إيمان البحر درويش .

كانت المرة الأولى التى أستمع فيها إلى بهجة أغانى فنان الشعب خالد الذكر سيد درويش بطريقة مختلفة لفتت إنتباه الحضور الذين تفاعلوا معه ، والحق يقال أن البحر الصغير تألق وقتها فى هذا الحفل الساهر الجميل الذى إمتد للساعات الأولى من الصباح ، وبقيت أغنية ” محسوبكم إنداس ” عالقة فى الذهن لوقت طويل لطرافتها ولغرابة كلماتها وللطريقة التى أدى الأغنية بها ، وكانت سببا فى شهرته .

مثل العديد من أبناء جبلى حاولت أن أتتبع مسيرة هذا الفنان الصاعد فعرفت أنه من مواليد عام 1955 جده فنان الشعب سيد درويش باعث النهضة الموسيقية فى مصر والعالم العربى ، والذى يعد أحد أعظم الموسيقيين في مصر ، وهو الذى لحن وغنى العديد من الأغاني التي أصبحت جزءًا من التراث المصري الأصيل مثل “شد الحزام ” و “ أنا هويت ” و “ قوم يامصري ” و “ سالمة يا سلامة ” و ” زورونى كل سنه مره ” و” الحلوه دى قامت تعجن فى البدرية ” ..

وغيرها العديد والعديد من الأعمال الغنائية والمسرحية والأوبريتات الغنائية مثل ” العشرة الطيبة والباروكة وشهرزاد وراحت عليك ورن وياورد على فل وياسمين وهز الهلال ياسيد وإوعـــاك تصـــدقى – الشيالين – خفيف الروح – القلل القناوى ــ طلعت يامحلا نورها – يا ولــــد عمى – البحر بيضحك .. وغيرها العديد

بإختصار شديد الكام سنه إللى عاشهم فنان الشعب السيد درويش البحر (1892 – 1923) ملأ الدنيا بفنه ؛ هذا الفن الذى نهل منه الحفيد أعمالا لاقت إستحسانا وقبولا من الجمهور وكانت سببا فى شهرته .

إيمان البحر درويش حاصل على بكالوريوس الهندسه من جامعة الأسكندرية ، جاءت بدايته مع الفن مبكرة أثناء دراسته الجامعية وكالعادة كون فرقة فنية وعمل على إحياء تراث جده سيد درويش ونال شهرة واسعة بخفة الدم التى قدم بها هذا التراث .

فى عام 1982 قدم إيمان البحر درويش تراث سيد درويش فى أول شريط له بعنوان ” الوارثين ” الذى يعد اللبنة الأولى على طريق النجاح ، بعدها قرر أن يفتح شركة إنتاج لـ أشرطة الكاسيت وكان ينتج ألبوماته من خلالها .

الحقيقة أن مواقع التواصل الإجتماعى والـ Social Media والذباب الألكترونى للإخوان ضجت ومحركات البحث فى Google وكل وسائل الإعلام والـ Media عموما والرأى العام فى مصر والعالم العربى لم تهدأ عن تناول سيرة الفنان القدير إيمان البحر درويش بعد الصورة ” الصادمة ” التي نشرتها أمنية إبنة الفنان معقبة ” سيشهد التاريخ إن ده ، بقى إيمان البحر درويش ” لتؤكد على حالته الصحية المتدهورة ، وكانت سببا فى كسبت تعاطف الجميع معها .

كثير من الناس إنتقدوا أمنيه على قسوة الصورة التى نشرتها لوالدها ووصل الأمر إلى التطاول عليها بألفاظ لاتليق ، الحزن يأخذ أحيانا أشكالا مختلفة ، هى لم تنشر الصورة طالبة صدقة أو إحسان أو كسب تعاطف من أحد ، إنما قد تكون أرادت أن تذكر الناس بوالدها الذى كان ملىء السمع والبصر ،

وأنا أعتقد أنه على قدر ماكانت الصورة صادمه ، إلا أنها حركت شىء بداخلنا على الأقل الدعاء لهذا الفنان الجميل الذى حمل لواء الفن الملتزم والقيم الرفيعة بعيدا عن الإسفاف والخلاعة وأغانى المهرجانات بل والعرى الذى نشاهده اليوم فى زمن قلت فيه القيم والمعانى .

الصورة على قدر ماهى وجعتنا إلا أنها ” فوقتنا ” لأننا حقيقة نسيناه ، ونسينا فنه الراقى الجميل اللى مثل جيل كبر

على أغانى التراث إللى رجعها للحياه مرة تانية بخفة دم وآداء إيمان البحر درويش ، وكانت فرصة لتخرس الأصوات

التى إتهمت الدولة بتحديد إقامته وسجنه .. إلخ

كان الفنان إيمان البحر درويش قد تعرض لـ ” جلطة فى المخ ” فى العام 2017/ 2018 لخلافات مع ” نقابة

الموسيقيين ” فى فترة تولى الفنان هانى شاكر ، ووصل الأمر إلى تقديم بلاغات للنائب العام ومنعه من الغناء فى

حفل داخل نادى النصر الرياضى دون الحصول على تصريح من النقابة أو قيامه بسداد الرسم النسبى الخاص بالنقابة

، وقالوا أن دا يعد إهدارًا لموارد النقابة الموقرة ومخالفا للقانون إلخ .

وبعد رحلة علاج طويلة تماثل الفنان إيمان البحر درويش للشفاء ، وإستضافه بعدها الإعلامى عمرو الليثى فى

برنامجه وحكى تجربته مع المرض ، ولكنه فى عام 2021 خرج فى فيديو مصور وأساء للدولة المصرية وهدد وتوعد ،

لكنه لم يسجن ولم يعتقل ، بل ولم يحرر محضرا واحدا ضده ، وتوارى بعدها مرة أخرى عن الأضواء .

فى العام نفسه تعرض الفنان إيمان البحر درويش لإنتكاسة جديدة بسبب قيادة إبنه للسيارة بسرعة جنونية فى

التجمع أدت إلى دهس طفل ووفاته ، وتبين أنه كان مخمورا وتم القبض عليه بجريمة القتل قيد المحاكمة .

ونعود للصورة التى نشرتها أمنيه لوالدها ، وقد أعلنت شركة المتحدة للخدمات الإعلامية تكفلها بعلاج الفنان إيمان

البحر درويش ، تقديرًا منها لموهبته ومشواره الفني المتميز ، وكانت سببا فى السؤال عن دور النقابة ، مصطفى

كامل النقيب الحالى للموسيقيين أدلى بتصريحات تفيد أنه كان من الصعب الوصول إلى الفنان رغم محاولات النقابة

وأنه يتابع .. إلخ

وأيا ماكان الأمر شكرا لأمنية التى جعلت الناس تقف إلى جانب والدها ، وتتذكره ولو بالدعاء بعد أن دهستنا رحى

الأيام ونسينا كثير من العظماء قذفتهم الأيام عبر نافذة قطار الحياة الراحل دون توقف ، وتذكرناهم بعد موتهم اكثر

ماتذكرناهم حال حياتهم ، ندعوا الله أن يشفي هذا الفنان الجميل الذى أمتعنا بتراث جده وبأغانيه الجميلة التى

أخص منها ” محسوبكم انداس ــ زوروني كل سنة مره ــ ع الستات ــ ضميني ــ أم إسماعيل ــ يا ولد عمي ــ

تستاهل يا قلبي ــ أذن يابلال ــ إحساس برىء ــياوابور يامولع ــ طير فى السما “

إلى جانب عديد الأدوار الفنية والموسيقى التصويرية والغناء فى العديد من الأعمال الدرامية ومنها مسلسل ” الإمام

الشافعى ــ ثورة الحريم ــ وحلقت الطيور نحو الشرق ” وفى فيلم ” بلطية العايمة ” .. إلخ

وبقى أن أشير الى أننى شرفت بإستضافه هذا الفنان الجميل على شاشه المصريه لأكثر من مرة !!