الدكتور علاء رزق يكتب : إستهداف التضخم والخيارات الصعبة (1)
منذ إعلان مصر تنفيذ برنامج الإصلاح الإقتصادي في نوفمبر 2016، دخل البنك المركزي
المصري في حرب قوية مع التضخم لتستمر الحرب على مدار السنوات السبع الماضية وعلى الرغم من بلوغ معدل التضخم مستوى قياسى بلغ
34% منتصف عام 2017 ،لكن البنك المركزي لم يتدخل ويعلن رفع المعدل المستهدف إلى
أكثر من 7% وهو نفس المستهدف في الوقت الحالي ،على الرغم من موجات التضخم التي ضربت أكبر إقتصادات العالم مثل الولايات المتحدة الامريكية ودول أوروبا ،وقد نجح المركزي المصري من النزول بمعدل التضخم إلى 17.6% ليؤكد نجاحه في
إدارة هذه الحرب في فبراير 2019 عبر النزول الى معدل تضخم 10% ويؤكد نجاحه التام في فبراير 2020 بالنزول الى
هذا المعدل الى ما دون 7% وهو 4.9% ،ولكن مع دخول العالم في أزمة جائحة كورونا والإنفاق بسخاء على القطاع
الصحي، وما تبع ذلك من تداعيات قاسيه ليرتفع من4,9% فبراير 2020 الى 10% في فبراير 2021، ومع مجموعة من
الإجراءات التي إتخذها المركزي المصري ونفذتها السياسة النقدية تمكنه من السيطرة على معدل التضخم ليصل
إلى 8.8% في فبراير 2022، والآن يواجه العالم تضخما كبيراً ومتزايدا في هذه الفترة والتى تتميز بزيادة حالة عدم
اليقين، وإن كان من السهل تعريف التضخم لكن من الصعب شرح الأسباب التي تؤدي إليه، فبين بساطة التعريف،
وتعقد الأسباب كانت الفرصة مواتية للسماح لليوليبراليين برد تضخم للانفاق الحكومي المتزايد وان وجود رؤيه اكثر
انسانيه للاقتصاد تكشف على الحلول ممكنه للتضخم في المدى طويل الاجل على الاقل لا تعتمد على افقار
الجماهير فهدف الاقتصاد هو خدمه الناس انه لابد من البحث عن طريق جديد لتحميل الفقراء والطبقه العامله عبء
الازمه الراسماليه مع ضروره وضع حياه وكرامه لانسان في القلب المعادله عند معالجه التضخم ليس لانه ضروره
اخلاقيا فحسب ولكن هو اساس للسياسه الاقتصاديه السليمة . وقد جاء اعلان الجهاز المركزي للتعبئه العامه
والاحصاء على ان تضخم خلال شهر يونيو هذا العام قد زاد 2% مسجلا 177 نقطه اسعار المستهلكين وسجل معدل
التضخم السنوي الاجمالي الجمهوريه 36.8% عن يونيو 2023 مقابل 14% من ذات الفتره من العام السابق ،اما عنده
تطور معادله تضخم منذ يناير هذا العام فقد زاد الى 26 بعد 5 من 10% يناير 2023 بزياده 5% على الشهر السابق ثم
وصل الى 31.9 من 10 في فبراير بزياده 7% ثم 33.9% في مارس لينخفض في شهر ابريل الى 31.5% ثم يعاود
الارتفاع في مايو الى 33.9% استعراض هذه الارقام السابقه هي للتاكيد على ان الاجراءات التي استخدمها البنك
المركزي المصري قد نجحت في فترات صعبه ولكن الان ومع زياده الازمات العالميه واخرها الازمه الروسيه الاوكرانيه
فقد احتدمت تداعيات التضخم الى مختلف ارجاء العالم خلال الشهور الاخيره فيما تسارع حكومات عدد من الدول
لايجاد سبل وخيارات لكبح الصعود الكبير في الاسعار وسط مخاوف متفاقم ازمه الغذاء وعدم استقرار الاوضاع
الاجتماعيه لذا كان لابد من البحث عن مجموعه من الخيارات الجديده لمكافحه مستويات التضخم المرتفعة. حزمه
الخيارات الاولى عبر تفعيل استراتيجيه السياسه الماليه من خلال تحديد مصادر الايرادات واستخداماتها والفائض في
الموازنه العامه للدوله بما يمكن من تقليل حجم السيوله المتاحه في السوق كذلك السعي نحو بيع الدين العام
للجمهور ومن ثم سحب الضغط المتوفر في السوق مع امكانيه زياده الضرائب على السلع الكماليه لاصحاب الدخول
العاليه ويبقى الاهم الذي لم تفلح معه السياسات الماليه السابقه وهو تخفيض الانفاق الحكومي بشكل يمكن معه
تخفيض المتداول من النقد في السوق . كذلك تتضمن هذه الحزمه سياسات السياسه النقديه عبر زياده معدلات
الفائده للحد من الانفاق وتقليل التضخم الذي يدفعه الطلب مع امكانيه ايضا اجراء مجموعه من التدابير من جانب
العرض تضمن ازاله معوقات وتحسين بيئه الاعمال بما يضمن زياده الانتاجيه وخفض التكاليف واما اذا كان التضخم ناتج
عن انخفاض قيمه العمله فان الدعوه الى سياسه سعر الصرف تكون واجبه عبر التدخل في سوق الصرف الاجنبي
لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف كذلك قد يكون احد اهم الخيارات هو السعي نحو ايجاد ضوابط لاسعار السوق
بالتطبيق على سلعه وخدمات معينه للحد من التضخم ولكن قد يؤدي ذلك الى نقص وتشوهات اخرى في السوق
الخيارات السابقه اذا لم تنجح الدوله معها في الحد من معدلات التضخم فان التفكير في بعض الخيارات الاخرى قد
يكون مطلبا اولى هذه الخيارات هي السعي نحو اجراء حزمه من الاصلاحات الهيكليه لضمان زياده القدره تنافسيه
للاقتصاد وتحسين كفاءته الاجماليه وقد يسير معها خيار المساعدات الدوليه من بعض المؤسسات الدوليه المشهود
لها وقدرتها على مساعده الاقتصاديات التي بها او التي يوجد بها تشوهات اقتصاديه مثل صندوق النقد الدولي بقدرته
على معالجه التضخم وعجز ميزان المدفوعات كذلك فان من احد الخيارات المطروحه ايضا هو الاصلاحات المرتبطه
بالعمله وهي تكون في الحالات القصوى مثل اعاده تسميه عمله جديده او او تعدلها وذلك لاستعاده ثقه الجمهور في
العمله وتخفيض حده التضخم المجموعه الثانيه من الخيارات تعتبر اكثر تحديا ولها عواقب اقتصاديه وسياسيه
واجتماعيه كبيره،لذا فان نجاح السياسه النقديه التي يقودها البنك المركزي في الحد من التضخم خلال الفتره من
عام 2017 حتى بدايه الازمه الروسيه الاوكرانيه استند على مجموعه من الادوات الكميه التي صعدت الى زياده رفع
سعر اله الخصم لتخفيض القدره الائتمانيه للبنوك مع دخول البنوك التجاريه الى السوق اسواق البيع لبيع الاوراق
الماليه هدف تخفيض السيوله في السوق كذلك زياده نسبه الاحتياط القانوني بالنسبه للبنوك العامله في مصر ولم
هذه الاجراءات على الادوات الكميه فقط بل امتدت الى الادوات التوعويه عبر اقناع مدير البنوك التجاريه والمسؤولين
على السياسه الائتمانيه بالبنوك بسياسه الدوله الهادفه الى تخفيض السيوله متداوله في السوق وهو ما نجحت
فيه السياسة النقدية بالفعل ،وبالتالي فإن نجاح احد الخيارات اللازمة للتعامل مع ازمة التضخم الآنية يتطلب المزيد
من الدراسات والتعرف على النماذج الدولية الناجحة وعلى راسها التجربة الماليزية، وهو ما سوف نتناوله في المقال
القادم.
كاتب المقال رئيس المنتدى
الإستراتيجى للتنمية والسلام