تعرض الإقتصاد المصري لضغوط كبيرة هذا العام ،إنعكس على إنخفاض قيمه العملة المحلية بأكثر من 50% ،وشح فى العملات الأجنبية خاصه الدولار التى زادت قيمته 96% ،وإرتفاع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة ،مع وجود أخطاء تحيز هيكلية عالمية وإقليمية ،فعلى مدار قرن كامل شهد العالم أزمات إقتصادية كبيرة كانت بدايتها أزمة الكساد الكبير في عام 1929 والتى أدت إلى نقص كميه السلع والخدمات لدول العالم بمقدار الثلث، وإنخفاض قيمه الأسهم بأكثر من 80%، وزيادة معدل البطالة لأكثر من 25% ،ثم كانت الصدمة النفطية الأولى في عام 1973 حيث ارتفع سعر النفط من 3 دولار إلى حوالي 11.65 دولار مما أدى إلى تغيير موازين القوى بين الولايات المتحدة الأمريكية إحدى الدول المصدرة للبترول ،وبين اوروبا واليابان التي تعتمد على إستيراد البترول ، الأمر الذي أدى إلى زياده تكلفة عمليات التشغيل وإرتفاع الأسعار،لكن في عام 1979 حدثت أزمة الديون المصرفية وزادت على أثرها مستويات الديون لدول العالم الثالث تحديداً، حيث تم رصد وجود 67 دولة غير قادرة على السداد في ذلك التوقيت، اما في عام 1987 فحدثت أول أزمة مالية معاصرة وهي أزمة سوق الأسهم والتي مثلت أكبر خسارة في سوق الأسهم ليوم واحد أعقبها مجموعة من الأزمات في دول جنوب شرق آسيا، ثم أزمة عام 2008 ،الى أن وصلنا إلى ازمة جائحة كورونا والأزمة الروسيه الاوكرانيه فبعد الازمه الروسية الأوكرانية، حيث يمر العالم بمجموعة من المخاطر أهمها زيادة معدلات التضخم، وحدوث ازمات فى تكلفة المعيشة ،مع زيادة الحروب التجارية والجيوساسية ، وزيادة تدفقات رأس المال الخارجة من الأسواق الناشئة البالغ عددها 23سوق بقيمة سوقية لأسهمها أكثر من 22 تريليون دولار، مع وجود مجموعة من الإضطرابات الإجتماعية واسعه النطاق وهو ما تشهده فرنسا حاليا ،لكن الجديد هو ظهور عصر جديد من النمو المنخفض على كل دول العالم ،وانخفاض معدلات الإستثمار العالمي، وتراجع العولمة، أعقبها تراجع معدلات التنمية البشرية بسبب تأثيرات تغير المناخ ،والعناصر السابقة إجتمعت مع بعضها البعض لتشكل مخاطر وأزمات مألوفة من حيث الشكل، ولكن من حيث المضمون فهي جديدة على مستوى العالم ،وهو ما يمثل الخطر القادم المتمثل في إتساع الشقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع إثارة الأزمات وتفاقمها على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وهو ما تدركه الدولة المصرية، وتسعى جاهدة إلى سد هذه الشقوق عبر: أولا: إحتواء الهشاشة المالية وزيادة فعالية شبكة الأمان المالي، وتوفير السيولة الكافية للتغلب على صعوبات إعادة التمويل
قصير الأجل، بعد أن أكدت الأزمات العالمية أن إحدى المشكلات الرئيسية للقطاع المصرفي الأمريكي تحديداً هو
تمويل المشاريع طويلة الأجل بسيولة قصيرة الأجل، وبالتالي كانت فترة النقود الرخيصة طويلة بما يكفي، مما أدى
إلى زيادة الخلل بين آجال إستحقاق الأصول والخصوم ، كذلك فإن سعي الدولة المصرية إلى تصميم نهج شامل
لإعادة هيكلة الديون هو أساس حقيقي يجب ان تتكاتف معه جميع دول العالم لبذل مزيد من الجهد للتعجيل بإعادة
هيكلة الديون لإعادة الدول الناشئة إلى مسار أكثر إستدامة، بما يخدم مصالح الإقتصاد العالمي. ثانياً: العمل على
تثبيت الإجراءات الوقائية لتقليل المخاطر الناشئة عن المعاملات المالية، وحماية المستثمرين، وضمان أن السوق
المصري قادر على تحقيق العدالة والكفاءة، والشفافية للمعاملات المالية. ثالثاً: تعزيز سياسات ما بعد الأزمة: فمن
المعروف ان أي إقتصاد يمر بمراحل إزدهار ومراحل إضطراب وهو ما يعرف “بإعادة التوازن” ،والأهم هو ضروره التعرف
على روشتة نجاح عبور هذا الإضطراب لخلق طرق جديدة تساعد الإقتصاد على النهوض والنمو والإزدهار ، والتكيف
مع المتغيرات التي يشدها العالم لخلق مكانة فارقة للإقتصاد المصري عالمياً، وهو ما سعت إليه الدولة المصرية
مؤخراً، بالتأكيد على أن الإقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، خاصة في ظل تعقد العلاقات الدولية الحالية،
وتشابك المصالح فلا توجد مصالح إقتصادية دون علاقات سياسية، وبالتالي فقد مثلت عودة العلاقات السياسية
والدبلوماسية بين مصر وتركيا بإعتبارهما قوى إقليمية لها إعتبارها ، فوائد في تناول العديد من ملفات المنطقة،
خاصه ملف غاز المتوسط والملف الليبي، فمنذ عامين زادت العلاقات السياسية بين مصر وتركيا،والتى إنعكست على
زيادة حجم التبادل التجاري بينهما ففي عام 2019 بلغت قيمة التبادل التجاري بين مصر وتركيا 5.4 مليار دولار فقط،
أما في عام 2022 فزادت إلى 7,1 مليار دولار ، وهذا القيمة تمثل 5% من إجمالي تجارة مصر الخارجية البالغة 130
مليار دولار في عام 2022، بينما تمثل 1,13% من إجمالي تجارة تركيا الخارجية البالغة 617 مليار دولار في عام 2022
،وفى المقابل فإن مصر تعتبر من أكبر 20 دولة مستوردة للسلع التركية، أما تركيا فليست من أكبر 20 دولة مستوردة
للسلع المصرية، وبالتالي كان لابد من السعي نحو إعادة التوازن الإقتصادي لتحقيق زيادة في عمليات التبادل
التجاري، وتكون أكثر تنافسية وعدالة،بما يخدم ويؤكد على مراعاة مبدأ الإحترام المتبادل ،وتحقيق المصالح
المشتركة، وهو ما تم التأكيد عليه من أن مستقبل العلاقات بين مصر وتركيا تم تحديده من خلال مجموعة من
الأهداف الإقتصادية أهمها زيادة عمليات التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة القادمة، وزيادة عدد
الشركات التركية التي تعمل في النشاط الإقتصادي في مصر من 200 شركة بإستثمارات 2 مليار دولار إلى 500
شركة بإستثمارات تزيد عن 7 مليار دولار، وسعي الشركات التركية إلى مصر هو إستثمار لعلاقات مصر الطيبة بسوق
دول القارة الاوروبية عبر الشراكة المصرية الاوروبية، وعبر علاقات مصر الأفريقية خاصة دول تجمع الكوميسا،كما أن
تعزيز الشراكهدة بين الشركات المصرية والتركية سوف يتجه بلا شك إلى نشاط إنتاج حديد التسليح وهو ما تم
التصريح به بأن هناك شراكة بين كبرىات شركات الحديد في البلدين لإنتاج حديد التسليح بما يمثله ذلك من إعادة
التوازن الحقيقي في سعر حديد التسليح في مصر. ولكن لا يجب أن نغفل ان أهم الملفات التي سوف يتم تناولها
هي قضيه غاز شرق المتوسط نظرا لما يمثله من أهمية قصوى لتركيا التي تستورد حوالي 90% من الطاقة لديها
وبالتالي فمن المرجح ان تصبح تركيا عضو رقم 8 في منتدى غاز المتوسط ،ولكن يبقى الملف الليبي هو الملف الأكثر
تركيزا من قبل الحكومة المصرية في هذا التوقيت نظراً لما يمثله ذلك من فرصه ذهبية للتعاون من أجل إعادة البناء
لهذه الدولة الشقيقة بما ينعكس على فتح فرص عمل كبيرة، وزياده معدلات التصدير بصورة تخدم المخطط الاقتصادي
لمصر والمتعلق بالإستثمار والتصدير. وما يجب أن نؤكد عليه أن النظرة العالمية والإقليمية لمصر لا تخرج عن كون مصر
ركيزة للأمن في منطقة مضطربة، لذلك تسعى دول المنطقة جميعها إلى ضخ المزيد من الإستثمارات في مصر، لذا
مثلت عودة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين مصر وتركيا التأكيد على هذه الفرضية ،وان مصر بحجمها ووزنها
وعمقها الإستراتيجي تمثل النواة الحقيقية المتزنة في محيط شرق أوسطي مضطرب.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام