مهندس محمد الفيشاوي* يكتب: التضحية فى الأسرة
فى العلاقات الإنسانية , ما أسوأ أن نجد أناسا يضحون بالأخرين بإزاحتهم من طريقهم أو التسلق على أكتافهم جبرا وقسرا أو تملقا ورياء للوصول لمكاسب مادية أو معنوية , إن هذا نوع من البشر لم يمس الإيمان قلبه ولم تعرف الرحمة طريقا إليه.
وفى المقابل, نجد نوعا آخر يضحى بماله وجهده ووقته ونفسه من أجل الآخر سواء كان هذا الآخر أخ أو صديق أو زميل أو أب أو أم ,
أيضا قد تكون التضحية من أجل الدين والوطن , والوقائع التاريخية والملاحم وقصص البطولات تسجل الكثيرين من هؤلاء التى تضئ أسماؤهم صفحات التاريخ.
ومع نفحات شهر ذى الحجة وأيام عيد الأضحى المبارك, نتذكر التضحية فى أسمى معانيها التى تجسدت فى قصة الفداء العظيم,
عندما أقبل الخليل إبراهيم – عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليمات – على ذبح صبيه وفلذة كبده اسماعيل – عليه السلام –
وامتثال هذا الصبى لهذا الأمر الإلهى العظيم بالطاعة والرضا وكامل التسليم .
لست بصدد سرد أحداث هذه القصة العظيمة بقدر ما أحاول إبراز أهمية التربية فى توطيد العلاقات الأسرية
وجعل التضحية والفداء عادة نمارسها؛ نترقى بها خلقيا ونتعبد بها إيمانيا، لنؤسس أبناءنا على حب التضحية
ونضمن أبناء نافعين لأنفسهم وأوطانهم بارين بوالديهم محسنين إليهم يبذلون الغالى والنفيس من أجلهم،
خصوصا فى كبرهم وحين يبلغون من العمر أرذله ، يكونون فى خدمتهم وتحت أقدامهم لا يتجاهلون وجودهم
يقذفون بهم فى غياهب دور المسنين.
بيوتنا تتزين بالسلوكيات الراقية والأعمال الطيبة
لذلك يجب أن تتزين بيوتنا بالسلوكيات الراقية والأعمال الطيبة التى تتجلى فيها المعانى السامية لمفهوم التضحية والفداء
ليكون ذلك عادة فى بيوتنا تتربى عليها الأجيال لترسم ملامح شخصياتهم المبكرة.
إن تضحية الأم براحتها والقيام مبكرا مع ظهور فجر جديد وتحويل البيت لخلية نحل لمن يتوضأ ويصلى أو يخرج للصلاة وعمل ما يلزم لخروج الأب لعمله والأبناء لأنشطتهم المختلفة،
إنها تضحية من الجميع وبذل وعطاء فى سبيل إنشاء أسرة هى بمثابة لبنة طيبة من بناء المجتمع.
تربية الأولاد على المشاركة والتعاون للقيام بالأعمال البسيطة داخل المنزل وحثهم على التعاون مع زملائهم وأصدقائهم فى المدرسة والمسجد والنادى والشارع لمساعدة الآخرين ورفع المشقة عنهم.
إن اجتماع أفراد الأسرة لإقامة الصلاة فى جماعة وكذلك عقد مقرأة للقرآن هو خير كثير فى بذل الوقت والجهد لهدف أسمى وهو تعلم القرآن فى جو أسرى تحفه المودة والرحمة.
تحدثوا مع أولادكم عن نجاحاتكم اليومية وإنجازاتكم التى تتحقق بالتعب والتضحية ومواصلة واستمرار الجهد والعرق،
من أجل تكوين روابط بين التضحية والاجتهاد من جانب، والنجاح والتميز وتحسين الحياة من جانب آخر.
إن بث هذه المعانى الراقية فى جو من الحب والبهجة والبشاشة سيخلق بإذن الله أولادا واعين لمقدرات وإمكانيات أبائهم وأمهاتهم،
فلا يتعاملون مع الأب كممول وفقط، أو مع الأم كخادمة وفقط ؛ بل بارين بهم محسنين إليهم وعلى استعداد للتضحية من أجلهم .
اللهم ارزقنا بيوتا أساسها الحب والتسامح، وأثاثها التضحية والبذل والعطاء, ونسيمها الشكر والتقدير والامتنان.
*خبير التنمية البشرية
دراسات عليا من المعهد العالى للدراسات الإسلامية
إعداد الدعاة وزارة الأوقاف