“الدين والمجتمع المدني”.. تكامل وتعاون لا تعارض وتصارع

فى الحوار العربي الأوروبي.. بالهيئة القبطية

-سفير الاتحاد الأوروبي : مكانة مصر التاريخية والدينية تؤهلها لدور مهم عالمياً
-سفير السويد : نجاح التجربة المصرية في مواجهة الشائعات
‏-د. أولف السويدى : ثورة ٣٠ يونيو علمتنا درساً جديداً لمعرفة الشعب المصري

كتب مصطفى ياسين : 

أجمع خبراء ومتخصصون من ١٧ دولة عربية وأوروبية أن العلاقة بين “الدين ومنظمات المجتمع المدني” إنما هي تكامل وتعاون من أجل خدمة المجتمع وتحقيق حياة كريمة لجميع أفراده، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو العرق، وأنه لا تعارض أو تصارع، محذرين من خلط الأمور بين العنصرين وإلا انقلب الوضع وصار مرفوضا لخطورته على السلم والأمن المجتمعى.
جاء ذلك خلال فعاليات مؤتمر الحوار العربي الأوروبي الثامن، الذى تستضيفه CEOSS “الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الإجتماعية”، برئاسة د. أندريه زكى، رئيس الطائفة والهيئة الإنجيلية، المنعفد حالياً بمقرها بالقاهرة، اليوم الأربعاء، ويستمر حتى السبت، وقد تحول إلى ساحة فكرية ثرية بالحوارات وعرض التجارب والممارسات العملية لمبدأ وقيمة تطبيق العيش المشترك، وضرورة الانتقال من مجرد التنظير الفكرى إلى التطبيق العملي، من أجل مناقشة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية الملحة ذات الصلة.
حيث استعرض الحضور نماذج من المشاركات العملية للهيئة الإنجيلية باعتبارها منظمة مجتمع مدني، وغدا يلتقون د. مختار جمعة، وزير الأوقاف، للاطلاع على الدور الحكومى فى دعم قطاع المجتمع المدني والدعوى، بما يخدم مصلحة المجتمع ككل.
وأشارت سميرة لوقا، رئيس أول وحدة الحوار بالهيئة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، ‏خلال إدارتها اللقاء إلى أن منتدى الحوار بالهيئة الإنجيلية يجمع مفكرين وبرلمانيين وعلماء ورجال دين وسياسيين من ١٧ دولة: مصر، السعودية، العراق، الاردن، المغرب، لبنان، فلسطين، الإمارات، تونس، ألمانيا، روسيا، فرنسا، اليونان، النمسا، بولندا، السويد، الدنمارك.
المنظمات الحيوية
وشاركها الإدارة د. أولف ليندرمان، مدير إدارة سيجتونا بالسويد، مشيراً إلى انخراطهم مع كل منظمات المجتمع المدني النابض بالحياة لخلق مجتمعات صحية، مؤكداً أنه مع الاعتراف بأهمية ووظيفة الدين إلا أن هناك شعوراً قوياً بالتوتر والصراع وحديث الكراهية والتضييق بين المجموعات المختلفة، ودورنا كمجتمع مدنى إيجابى خلق حوار يقوى الثقافات ويجعل مجتمعاتنا منفتحة وبناءة.
وانتقد د. أولف الأشخاص الذين يأتون من خارج بعض المجتمعات ويظنون معرفتهم بأحوال شعوب تلك المجتمعات أكثر من أبنائها! وعرض تجربته الشخصية حينما كان في جزيرة كريت ويجد الغربيين يحذرون من انخراط الجيش المصري فى الحياة اليومية خلال ثورة الشعب المصري فى ٣٠ يونيو ويصفونه بأنه خطر! مستدركا: ولكننا تعلمنا أن هناك طريقة مختلفة للنظر إلى الأمور، فالناس والشعب المصري هم الذين يريدون انخراط الجيش، هنا ندرك أن ظروف كل مجتمع أو دولة يختلف عن الأخرى، وهذا يستدعي توسيع مداركنا ومنظوراتنا قبل الحكم على الأمور.
الدين والمجتمع

وأكد القس د. أندريه زكي، أن برنامج اللقاء يتناول موضوعًا ذا أهمِّيَّةٍ بالغة “الدين والمجتمع”، حيث يحتل الدين مكانة بارزةً في مجتمعاتنا العربية؛ وقد شهدنا خلال العقود الماضية هذا التأثير الكبير الذي ألقى بظلاله على كافة المجالات؛ وخصوصًا على الصعيدين السياسي والاجتماعي. ولهذا السبب من المهم أن تُركِّز الحوارات المشتركة، على هذه القضية.
وركز د. أندريه، على بعض النقاط المهمة، وهى: قبل كل شئ دعونا نفرق بين “الدين” و”الفكر الديني”؛ فالدين منظومة إيمانية جاءت في نصوص مقدسة يؤمن بها الإنسان ويكوِّن من خلالها علاقة مع الخالق، أما الفكر الديني فهو اجتهادات وتأويلات تحاول تفسير النصوص الدينية؛ وهذه نشاطات فكرية بشرية، خاضعة للمراجعة واختلاف الآراء والرؤى والتوجهات الفكرية، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تكون هذه الاختلافات مدعاة للصراع أو النزاع أو التقليل من شأن الآخر.
ومن ضمن ما يتناوله الفكر الديني هو النظرة إلى العيش المشترك، والتسامح، والسلام المجتمعي. وهذا الفكر الديني ذو تأثير كبير أيضًا على السياسة والمجتمع والتنمية والديمقراطية وغيرها من المفاهيم ستتناول محاورها مشاركات الحضور في هذا اللقاء.
أضاف د. اندريه: كما يجدر بنا أيضًا في هذا اللقاء أن نفرق بين دور الدين في المجتمع، وبين تحويل الدين إلى أيديولوجية أو استخدامه سياسيًّا، أو توظيفه بأي شكل من الأشكال وهذا من شأنه أن يبعد الدين عن أهدافه الأساسية السامية.
وفي إطار حديثنا عن الدين والمجتمع، يجب أيضًا أن نتفادى الانزلاق للدعوة إلى تديين المجال العام، فهذا أيضًا من المفاهيم التي لا تخدم الدين ولا المجتمع.
وتساءل د. اندريه: إذًا ماذا نقصد بالدين والمجتمع، والعلاقة بينهما؟ وكيف السبيل إلى إيجاد علاقة إيجابية صحية بين الدين والمجتمع تسهم في تعزيز العيش المشترك وتدعم جهود التنمية المستدامة وتتبنى قضايا مشتركة، مستخدمين في هذا التأثير الكبير والاحترام الجزيل للدين في مجتمعاتنا؟ واجاب بقوله: إن العلاقة بين الدين والمجتمع في العالم العربي متجذرة ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا؛ إذ يشكل الدين محورًا رئيسًا في تشكيل منظومة القيم، وقد شكل الدين أيضًا تاريخ المنطقة وحاضرها مما يعني امتداد هذا التأثير للمستقبل، وأي محاولة لفهم تطورات العالم العربي، وكذلك أي تطرق لمفاهيم الحوار والأرضية المشتركة، يجب أن يضع في اعتباره مركزية الدين وتأثيره العميق على المواطنين في المنطقة العربية باختلاف دياناتهم ومذاهبهم.
وهنا تبرز أهمية التفسير التعددي للنص الديني، باعتباره مفهومًا جوهريًّا في تطوير الفكر الديني، يعزز التعددية التي هي الأساس للمواطنة والعيش المشترك. إن التفسير التعددي للنص الديني هو الذي يحترم البعد التاريخي للنصوص، ويفصل بين تفسير النص والنص ذاته. فالنص الديني هو وحي من الله، لكن يستقبله أناس مختلفين في الثقافة والتعليم. وتبعًا لكون البشر مختلفين، فستظل هناك دائمًا تفسيرات متعددة للنص الديني.
وقال: هذا التنوع البشري المتمثل في الخلفيات المتعددة، يؤدي دائمًا إلى قراءات وتفسيرات عديدة. وبالتالي عند اختيار أحد التفاسير ومطابقته بالنص، فإنه يؤدي إلى رؤية أحادية ضيقة. لكننا إذ قبلنا التعددية البشرية، فعلينا أن نقبل التعددية في التفسير. هذه التعددية سوف تزيد من ممارسة هذا المفهوم على المستوى الفقهي اللاهوتي، وكذلك على المستويين الاجتماعي والسياسي.
وأكد د. اندريه أنه تقع على المؤسسات الدينية مسؤولية كبيرة في نشر الخطاب الديني الذي يركز على قيم العيش المشترك، ويمتد دور المؤسسات الدينية إلى حوار الحياة المشتركة والاتحاد سويًّا في مواجهة التحديات التي يواجهها المجتمع؛ فالمؤسسة الدينية ليست جزيرة منعزلة عن المجتمع إنما هي جزء منه لا تقدر أن تنفصل عنه. ولكي تتحقق هذه الأهداف، يجب على هذه المؤسسات الحوار حول القضايا المجتمعية، بما فيها قضايا الأسرة، وقضايا التنمية، ومواجهة الفقر، وقضايا البيئة… وغيرها، بما لها من تأثير لدى الناس. ويقوم المجتمع المدني بدوره، إلى جانب المؤسسات الدينية والدولة، كحلقة وصل في الدعوة إلى قيم المواطنة والمساواة والعيش المشترك وتعزيزها والتوعية بها.
واستطرد د. أندريه، قائلاً: من خلال دورنا فى التحالف الوطنى للعمل الأهلى نظمنا مبادرة أزرع لزراعة 150 ألف فدان قمح مع شركائنا، ولدينا مبادرات عديدة منها لقاء الشبكة العربية للحوار فى بيروت، واللقاء الثانى حيث كنا فى زيارة لأمريكا والتقينا مسئولى الخارجية الأمريكية والكونجرس وكانت جولة مهمة أن نشرح ما يحدث فى بلادنا، أما اللقاء الثالث فيتمثل اليوم فى الحوار العربى بمشاركة ممثلى 17 دولة.
الدور المصري

ووصف السفير كريستيان برجر، سفير الاتحاد الأوروبي في مصر، هذا اللقاء بأنه محفل غير معتاد بالنسبة له، لتميزه
وتنوع المشاركين فيه، مشيراً إلى خبرته الطويلة في العمل بمدينة القدس لمدة ١١ عاما، تعلم فيها أن الثقافة
والتاريخ والدين كلها عناصر قد تتسبب في حدوث انقسامات، وتساءل: لماذا يحدث الدين هذا الانقسام؟ فأجاب
موضحاً: لأنه يخاطب ويتحدث عن الخوف من الآخر الغريب عنه. وهذا يتطلب مبادرات متعمقة ومستمرة من المجتمع
المدني لتخطي الخلافات والفوارق، والتغلب على هذا الخوف، وترسيخا لقيم التعاطف والتراحم والاحترام والرفق،
بعيدا عن تديين السياسة أو تسييس الدين، مشيراً إلى أن الحروب الأوروبية اندلعت لأسباب دينية، ولذا تعلمنا
الدرس من تاريخ الاتحاد الأوروبي للتغلب على الانقسامات والنزاعات خاصة المنطلقة من أسس دينية، وهذا ما
يجعلنا ندعوا لحوار متفاعل باعتباره الطريق والمسار الصحيح والسريع للاستقرار والسلم المجتمعى، وهذا ما يجعلنا
نتابع باهتمام مسار وبرنامج الحوار الوطني في مصر، والتعرف على نتائجه وما تم فى الماضى، للتغلب على
الصراعات والنزاعات، وصولاً إلى مجتمعات مدنية مستقرة، كما نتابع ونثمن حوارات ولقاءات الأزهر والفاتيكان، ونتواصل
مع نحو ٢٠٠ قيادة دينية ومثقفة منفتحة على الجميع. مؤكداً أن مصر بتاريخها الحضارى والثقافى ومكانتها الدينية
يؤهلها للقيام بدور هام جدا على المستوى العالمي.
الحوار العاجل
وأكد هاكان أمسجارد، سفير السويد بمصر، أن مجتمعنا المعاصر في احتياج عاجل لإطلاق الحوار مع الجماعات
الدينية والسياسية والثقافية للإسهام فى خلق التعددية الصحيحة، محذراً من وجود حملات منظمة فى وسائل
التواصل الاجتماعي تركز على قضايا تؤدي إلى مزيد من المواجهات وليس التقارب، واستشهد بما حدث في السويد
أواخر عام ٢٢ من ترويج معلومات مغلوطة عن خطف أطفال المسلمين وتسليمهم لأسر مسيحية! واكتشفنا وجود
أجندة سياسية خفية، تعمل على تحفيز الصراع بين الأديان والثقافات، وكل هذا لأسباب سياسية، مع تأكيدنا عدم
وجود قوانين أو شواهد تدعم هذه المعلومات، وإن القانون يسرى على الجميع بغض النظر عن الدين، والمسألة
تتعلق فقط بإيذاء الأطفال، ونحن لا ندعى المثالية فى نظامنا وقد تكون هناك عيوب ويمكن تصحيحها، لكن افتقدنا
للحملات ووسائل الرد والتفنيد لتلك المعلومات المغلوطة، والحقيقة أن مصر نجحت في هذا المجال بتفنيد الشائعات
وعرض المعلومات الصحيحة، ومن ثم فإننا ندعوا وندعم منظمات المجتمع المدني للقيام بدورها في هذا المجال،
بالانفتاح والصراحة والاستماع، وألا يقتصر الأمر على الحكومات فقط.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.