الدكتور علاء رزق يكتب: إبتسامة الجنية والصحة الإقتصادية
وسط موجة من توقعات إنخفاض سعر الدولار ما بين 10 إلى 15% خلال السنة القادمة، وعلى الأكثر خلال ال 18 شهراً من الآن وتتزامن هذه التوقعات مع موجة آخرى من التوقعات بتثبيت خفض سعر الفائدة من قبل مجلس الاغحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي بدأ منذ ما يقرب من عام في رفع أسعار الفائدة بصوره غير مسبوقة،ويغيب عنها المنهجية العلمية وعلى راسها يأتى زيادة حالة اليقين والتى يحب أن تدار بها السياسة النقدية الامريكية. وهو الأمر الذي أدى إلى إعادة جاذبية الأسواق الناشئة من جديد في عيون المستثمرين الاجانب الذين هربوا بإستثماراتهم عقب أزمات عالمية متعاقبة بدات بأزمة الأسواق الناشئة عام 2018، ثم أزمة جائحة كورونا عام 2020، ثم الأزمة الروسية الأوكرانية التي بدات في 24فبراير 2022 . ولا شك أن سعر صرف العملة يعتبر أحد أهم محددات المستوى النسبي للصحة الإقتصادية للدولة، كما أنه يلعب دوراً كبيراً في أداء الميزان التجاري عبر كونه أكثر قدره على الرقابة والمتابعة والتحليل الدولي، كما ان هناك عده محددات لسعر الصرف أهمها التضخم الذي يكون دائماً معه على علاقة عكسية، ويدخل معهما متغير الفائدة الذي يرتبط بسعر الصرف والتضخم ايضاً، كما يعتبر عجز الحساب الجاري أحد أهم المحددات التي يجب أخذها في الحسبان عند النظر لسعر الصرف حيث نجد في مصر أن الإحتياجات من النقد الاجنبي تفوق حجم التدفقات الدولارية التي تأتي من المصادر الخمسة التي تعتمد عليها مصر وهي حصيلة الصادرات،وعوائد قطاع السياحة وعائدات قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين في الخارج ،وأخيرا الإستثمار الأجنبي المباشر ،لذلك فإن الطلب المتزايد على العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار الأمريكي قد إنعكست على إنخفاض سعر صرف العملة المحلية وهي الجنية المصري، وقد يصل الأمر إلى إنخفاض قيمة السلع والأصول المحلية لأقل من قيمتها الحقيقية، وهو الآمر الذى قد يؤدي الى تآكل راس المال، ولكن ما يمكن أن نستند إليه هو تصريح الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب الشهر الماضي بأن الدولار الأمريكي سيفقد مكانته وهيمنته بين العملات العالمية قريباً، وهو ما سوف يؤثر على القوة الاقتصاديةع للولايات المتحدة الأمريكية التي حققت أكثر من 22 تريليون دولار ناتج محلي إجمالي عام 2022 ،بعد ان سيطرت على العملات العالميه البالغة 180 عملة وطنية حول العالم على خلفية إتمام توقيع إتفاقية بريتون وودز عام 1944 التي تتيح الإتفاق بأن الدولار الأمريكي سوف يصبح العملة المركزية عالمياً، وعمله الإحتياطي النقدي ،ومعتمدا على قاعدة الغطاء الذهبي وأن 35 دولار تساوي أوقية ذهب، مع ربط العملات الأخرى بالدولار، ووضع سياسة نقديه تحافظ على سعر الصرف للحد من تقلباته في حدود 2% زيادة أو نقصان ، إلى أن جاء عام 1971 في عهد الرئيس الأمريكي جونسون الذي كسر قاعدة الذهب، وفك الإرتباط مع العملات الأجنبية الآخرى، ورغم ذلك فإن دراسة صندوق النقد الدولي تؤكد ان عام 2000 شهد أكبر نسبة سيطرة للدولار وصلت ل 80% من جملة المعاملات الدولية والإحتياطيات النقدية للدول، ولكن هذه النسبة تقلصت في عام 2022 لتصل إلى حوالي 58% فقط نتيجة ما تواجهة الولايات المتحدة الأمريكية الآن من موجة متزايدة من عمليات إزالة الدولرة العالمية، في ظل إتحاد أكبر الاقتصاديات الدولية لإيجاد بديل للدولار مثل مجموعة بريكس التي تضم فى عضويتها البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا والتي تسعى لإطلاق بديل للدولار والقضاء على هيمنتة في مواجهة ومكافحة الآثار المزعزعة للإستقرار الإقتصادي في هذه الدول، وهو ما أدى إلى سعي بعض الدول ومنها مصر والسعودية وتركيا وغيرها للإنضمام إلى هذا التكتل الهادف إلى خلق نظام عالمي متعدد الأقطاب بدلاً من النظام أحادي القطبية الذى تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية حالياً، وبالتالي فإن إستفادة مصر من تراجع الدولار سوف تكون من خلال شقين الشق الأول وهو التجارة والإستيراد والتصدير من خلال العمل على زيادة الصادرات إلى الهدف الذى رسمتة الدولة المصرية، وحدده الرئيس عبد الفتاح السيسي للوصول إلى 100 مليار دولار صادرات سلعية غير بترولية بنهاية العام القادم إن شاء الله، وعبر زيادة الإنتاج في كل القطاعات ،والغاء كل أشكال التشابك ،ورفع مستوى التضامن بين وزارات ومؤسسات الدولة المعنية بالإستثمار عبر تفعيل القرار 140 لسنه 2023 والمعني بالمجلس الأعلى للإستثمار الذي يراسه الرئيس ،ويسير مع ذلك وعلى التوازي تقليل وتنظيم فاتورة الإستيراد بشكل علمي ومنهجي، أما الشق الثاني فهو أن تخفيض وتراجع الدولار سوف يؤدي إلى زيادة حجم الإستثمار الأجنبي المباشر في مصر عبر دخول إستثمارات شركات دول تجمع البيركس والذي انضمت إليه مصر وبصورة مبدئيه عبر عضوية مصر في بنك التنمية لدول بريكس ،وهو ما قد يكون بداية التعاون والإنضمام، وهذا التجمع ينادي بأن تكون عملة الصين وهي اليوان بديلا للدولار الأمريكي وبالتالي فإن مصر معرضة لزيادة وتوسيع نفوذها من خلال جذب شركات هذه الدول إلى مصر في الفترة القادمة ،خاصة وأن مصر تسعى حالياً إلى زيادة الإحتياطي النقدي ودعم مجموعة الأهداف الإستراتيجية المنبثقة من إستراتيجية مصر للتنمية المستدامه 2023 بما يخدم السياسة النقدية ،وإدارة سعر الصرف للحد من التقلبات في القطاع الخاص الناتجة عن الصدمات الخارجيه بما ينعكس على زياده مستوى ثقه الأطراف الدولية في قدرك الدولة على الوفاء بإلتزاماتها الخارجية، وضمان تحقيق الأمان والسيولة، وتحسين العائد ،وفق إدارة البنك المركزي المصري للإحتياطي النقدي ،ووفق مناداة البعض بالدخول في عملية رقمنة العملات لأنها ستمكن من السيطرة على تكنولوجيا متطورة، وقواعد بيانات ضخمة، تدار بالذكاء الاصطناعي، وأن هذه العملات الرقمية ستكون منافسة للدولار وبالتالي زياده نسبة اليوان الصيني في المعاملات الدولية والإحتياطيات النقدية للدول من 3% الى 30% على الأقل خلال الفتره القادمة.
كاتب المقال رئيس المنتدى
الإستراتيجى للتنمية والسلام