وتستمر عمليات النزوج الجماعى من السودان إلى دار فور ودول الجوار وخاصة مصر هربا من الـ إشتباكات المسلحة الدائرة بين طرفى النزاع فى السودان حول ” السلطة ” منذ الـ 15 من أبريل ، وقد تحدثت فى مقال سابق عن عملية النزوح الجماعى من دولة الكويت عقب الغزو الغاشم للقوات العراقية على أراضى دولة الكويت الذى إنتهى بحرب تحرير الكويت من قبل قوات التحالف الدولى ، وعودة الأسرة الحاكمة إلى الكويت ، وجاء اليوم الذى أصبحت فيه دولة الكويت هى الراعى الرسمى للسلام ، وحلحلة ما يحدث من خلافات فى منطقتنا العربية .
أما أمريكا فأرادت أن تذل الرئيس العراقى ” المهيب الركن” وتذرعت بإمتلاك العراق لـ أسلحة دمار شامل وغزت العراق ، وأمعنت فى إذلال العراقيين ” قيادة ــ وشعبا ” فأسقطت نظام صدام حسين وتم تسريح أفراد القوات المسلحة طواعية أو كرها ، وعاثت القوات الأمريكية فى أرض العراق ظلما وفسادا ، ولم تكتفى بذلك بل أرادت أن تذل كل الحكام العرب مرتين ، مرة بتسريب أهوال وإنتهاكات حدثت فى سجن ” أبو غريب” ، والثانية بالتضحية بالرئيس نفسه قى صباح يوم عيد الأضحى ، وتحدت أن يفتح احدا منهم فمه فى
المرتين !! .
ومن العراق إلى ثورات الربيع ” العبرى ” فى الدول العربية التى تمزقت وتشتت وتقطعت أوصالها ، وأبت مصر على التقسيم لان عين الله هى التى تراعاها ، وكان لابد من مخطط جديد يهدف إلى تطويق مصر من جهة الجنوب ، وتحالفت قوى الشر ” إسرائيل ” التى تلعب فى منابع النيل منذ فترة و ” أمريكا ” الراعى الرسمى للإرهاب فى العالم ، بغية منع ماء النيل من الجريان ناحية الشمال ، متحالفه مع أثيوبيا وعددا من أعداء مصر ، ووجدوا فى ” حميدتى ” الجنرال تاجر الماعز والأغنام سابقا ، ضالتهم المنشودة ، وبين عشية وضحاها تفجرت الأوضاع فى السودان ، وأبت الأطراف المتناحرة أن تغلب صوت العقل وتوقف صوت الرصاص . ثلاثة هدنات حتى الآن لـ وقف إطلاق النار لم يلتزم بها أيا من الطرفين ، وعددا من المبادرات الإقليمية والدولية للجلوس على طاولة المفاوضات وإيجاد حل للأزمة خشية أن يطول أمد النزاع ، والضحية هذا الشعب المغلوب على أمره .
ومنذ إنفجار الأوصاع فى السودان نتابع مع العالم الأوضاع المتأزمة والمتردية فى السودان ، ونتابع جهود الدول التى تتضافر لـ إجلاء رعاياها من السودان ، وهنا يبرز دور الإعلام فى تغطية الأحداث وهو ما يعيد ملف الاعلام فى مصر إلى المربع واحد ، وحتى أكون منصفا ، قد يكون هناك ” تردد ” غير معلن على خلفية وضع مصر ورؤيتها وموقفها من الأحداث ، خاصة وأن التصريحات الرسمية تؤكد أننا على الحياد من طرفى النزاع ، بيد أن الواقع يقول أن مصر مع موقف الجيش الوطنى ، ولذلك نجد أن الاعلام الرسمى فى الدولة المصرية فى مأزق حقيقى ، فهو لايملك أو ليس لديه المرونة الكافية التى يتمتع بها غيره فى تغطية الأوضاع فى السودان ، وعلى أية حال لانستطيع أن نلومه لانه أولا وأخيرا هو رهن التعليمات للأسباب سالفة الذكر !! .
فى المقابل فإن المتابع لقناة ” العربية ” وهى قناة سعودية ، يجد أنها لا تألوا جهدا فى إظهار الدور الذى تقوم به المملكة العربية السعودية فى عملية إجلاء الرعايا الأجانب من السودان ، رغم قلة الاعداد التى تم اجلاءها ، يأتى هذا فى الوقت الذى أوشكت فيه مصر عن إجلاء رعاياها من السودان بدون أية بروبجندا إعلامية ، والذى يتولى عمليات الـ إجلاء هو جهاز المخابرات العامة المصرية بالتنسيق مع الجهات المعنية ” وزارة الخارجية ــ القوات المسلحة ” ، وأنه وفقا للأرقام المعلنة ، فإن مصر قد أجلت حتى الآن مابين 23 : 24 ألفا من خلال 23 طلعة جوية من بينهم 6 آلاف مصرى ، إضافة إلى 14 ألف سودانى ، وأيضا ألفى مواطن ينتموا إلى 50 دولة ممن ساعدت مصر فى إجلاءهم من السودان إلى مصر عبر المنافذ المختلفة سواء من مطارات ” دنقلة ــ بورت سودان ” أو معابر ” أرقين ــ قسطل ” .
الحقيقة أن عمليات الـ إجلاء التى تقوم بها مصر هى ليست الأولى من نوعها فقد سبقتها عملية إجلاء لـ رعايا مصريين من ” ووهان ” فى الصين أثناء جائحة كورونا ، ومن أوكرانيا ــ وأفغانستان ، مع الوضع فى الاعتبار أن الجالية المصرية فى السودان عددها كبير جدا مقارنة برعايا دولا أخرى ، أيضا وجود قوات الـ G.I.S على الأرض فى السودان كان لها دور كبير جدا ساعد فى عمليات الإجلاء ، قد تفصح عنه الأيام لاحقا .
مايحدث فى السودان يعيد أيضا ملف ” اللاجئين ” فى مصر إلى الصدارة مرة أخرى : خاصه وأن هناك قلق متزايد من المصريين الذى يعيشوا أوضاعا إقتصادية بالغة الصعوبة هذه الأيام ، القلق هذه المرة من تزايد أعداد الأخوه السودانيين القاصدين مصر كنتيجة حتمية للإنفلات الموجود فى هذا البلد الشقيق ، فى الوقت الذى تصدرت فيه وسائل التواصل الـ إجتماعى إحصائيات وأرقام عن عدد اللاجئين المتواجدين فى مصر والذين ينظر إليهم كضيوف وليسوا لاجئين .
وتشير هذه الأرقام إلى وجود أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون سورى ــ وأكثر من إثنين مليون وربع المليون عراقى ــ وما يقارب الـ إثنين مليون يمنى ــ وثلاثة ملايين فلسطينى ـ ومابين أربعة : خمسة ملايين سودانى !!
هذا وقد سبق لمصر أن حذرت فى الجلسة التى عقدها مجلس الأمن الدولى لدراسة الأوضاع فى السودان من أى تدخل خارجى فى السودان ، وأن مايجرى فى السودان شأن داخلى ، وذلك حرصا من القيادة السياسية على حقن الدماء فى السودان ، والإلتزام بوقف إطلاق النار ، وإجراء مفاوضات لـ وقف الأزمة .
الحقيقة أن قدر مصر قد وضعها فى محيط جغرافى ملتهب فالخطر يهدد أمنها القومى من جهاتها الـ ” أربع ” خاصة فى ظل وجود الصراعات التى إزدادت بعد ثورات الربيع العبرى ، فمن جهة الشرق تقع ” غزة ” مصدر الجهاديين والإرهابيين ، وفى الغرب ليبيا بكل مافيها من مشاكل قبلية ، وتأتى السودان فى الجنوب بعد أن كانت ممرا للسلاح والمتسللين الأفارقة ، لـ تصبح اليوم وهى فى مفترق طرق تمثل تهديدا حقيقيا العمق الـ إستراتيجى للأمن القومى المصرى .
إن مايحدث فى السودان اليوم يعيد للأذهان ” الخط الاحمر ” الذى سبق ان رسمته مصر لـ حماية أمنها القومى فى ليبيا . وهنا يبقى السؤال : هل سوف يكون لمصر خطا احمر جديدا فى السودان كما حدث فى ليبيا ؟
وماهو موقف مصر من الدول التى تتعاون مع ” حميدتى ” سواء من دول الجوار مثل ” أثيوبيا ــ حفتر ليبيا ” أو من مرتزقة الفاجنر الروسية ؟ وهذا ماسوف تجيب عنه الأيام القادمة !!