كل عام وأنتم بخير ، ” عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ ” قصيدة كتبها المتنبى بعد الجفوة التي حدثت بينه وبين سيف الدولة ، رحل المتنبى إلى مصر وتقرَّب إلى كافور الإخشيدي ، ولما لم يحصل على ما تمناه قرر أن يغادر مصر ، وكتب هذه القصيدة في هجاء كافور ، وقد إستعرتها لـ اقول عُدْتَ ياعيد والدول العربية تلو الأخرى تمزقها الصراعات الداخلية والنزاع على السلطة . فى حديث متلفز بثته إحدى مواقع التواصل الإجتماعى يستعرض محمد حمدان دقلو الشهير ” حميدتى ” مسيرة حياته وكيف تحول من تاجر للإبل والماشية إلى جنرال فى الجيش ، ومن خلال اللقاء يمكن لك أن تتخيل الخلفية القادم منها طرفى النزاع فى السودان الشقيق !!
البرهان وحميدتى عملا جنبا إلى جنب فى خندق واحد قبل أن ينقلبا فى مواجهات دامية يصعب التكهن بعواقبها ، كانت هناك مواجهة سياسية بين قائد الجيش رئيس مجلس السيادة ” عبدالفتاح البرهان ” ونائبه حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع ، وإنفجر الصراع فى صورة مواجهات مسلحة فى مدن السودان بعد أن خرج الحوار بينهما من قاعة التفاوض إلى ميدان القتال ومن الكلام إلى الرصاص وبدأت الحرب التى كانت نذرها تلوح فى الأفق ، وسط إتهامات متبادلة ومزاعم باطلة يعلن كل طرف فيها أنه حقق إنتصارات زائفة وسيطرت قواته على مواقع بعينها فى العاصمة .
عملية دمج قوات الدعم السريع فى الجيش النظامى كانت القشة الى قصمت ظهر البعير والتى أسهمت فى توسيع الهوة بين البرهان ودقلو ، بعد إطاحة الرئيس عمر البشير عن سدة الحكم عام 2019 تولى البرهان رئاسة مجلس السيادة الحاكم فى السودان ، وكان دقلو نائبا له ، وهو ما شبهه البعض ” بزواج المصلحه ” ، فى 2021 نفذ البرهان إنقلابا أطاح فيه بالمدنيين الذين كانوا يتقاسموا السلطة معه وإدارة مرحلة إنتقالية تم الإتفاق عليها ، وتعهد خلالها دقلو والبرهان الخروج من السياسة بمجرد تكوبن حكومة مدنية .. إلخ .
تاجر الإبل والماشية السابق “محمد حمدان دقلو ” الجنرال الحالى هو قائد قوات الدعم السريع وأحد طرفى النزاع فى السودان ، قوات الدعم السريع هى جماعة شبة عسكرية تشكلت عام 2013 وخرجت من رحم ميليشيات ” الجنجويد “فى إقليم دارفور ، وهى القوة التى قادت عملية قمع تمرد القبائل فى إقليم دار فور ونفذت عملية إبادة جماعية لمتمردى دار فور إبان فترة حكم الرئيس عمر حسن البشير وكانت هناك إنتهاكات وصفتها ” المحكمة الجنائية الدولية ” بجرائم الحرب وبسببها وجهت للبشير تهمة إرتكاب جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية للسكان فى دارفور .
فى عام 2015 تم نشر أفراد من قوات الدعم السريع فى اليمن “جزء من تحالف تقوده السعودية دعما للحكومة اليمنية ضد الحوثيين ” وهو ماعزز من نفوذ دقلو فى المنطقة ، أضف إلى ذلك الصلة الوثيقة التى ربطت دقلو بقوات ” فاجنر الروسية ” التى ساعدت فى تدريب قوات الدعم السريع وتجهيزها على خلفية دعم روسيا لنظام البشير المترنح فى عام 2017 ووعده لبوتن أن يجعل من السودان مفتاح أفريقيا لروسيا وإنشاء قاعدة للبحرية الروسية فى ” بورت سودان ” وهو المشروع الذى دعمته قوات الفاجنر التى أمدت السودان بكميات كبيرة من الأسلحة والمعدات . وبعد سقوط البشير واصل المرتزقة الروس دعمهم للبرهان قائد القوات المسلحه السودانية
وبحسب التقارير كان مرتزقة الروس أكثر دعما لـ “حميدتى” الذى مكنهم من إستغلال مناجم الذهب وتهريب كميات كبيرة منه إلى خارج البلاد ، وهنا يظهر دور دولة ” الإمارات العربية ” بوصفها الدولة العربيه الثانيه صاحبة المصلحة فى السودان ، وفقا لتصريح أعلنت فيه وكالة الأنباء السودانية الرسميه أن الإمارات إشترت كافة صادرات السودان من الذهب بما قيمته 1.315 مليار دولار فى النصف الأول من العام 2022 . وتدخل إسرائل بوصفها لها علاقات واسعة مع البرهان الذى جمعه لقاء منذ مع ” إيلى كوهين ” وزير الخارجية منذ شهرين ،
إسرائيل صرحت أنها تعمل جاهدة لـ تهدئه الأوضاع فى السودان وبيان خارجيتها يفيد أنها تتابع بقلق الاحداث فى السودان ، حاصل القول أن هناك ممثلين عن البرهان وحميدتى تواصلوا مع شخصيات إسرائيلية للتواصل إلى تفاهمات للتهدئة ، زواج مصلحة بالتنسيق مع USA الشيطان الأكبر ورأس الأفعى فى المنطقة ، حاصل القول أنه منذ العام 2019 إستمرت قوات الدعم السريع فى النمو مماجعل تخلى ” حميدتى ” عن قيادة القوات أمر بعيد المنال .
المعارك الدائرة بين طرفى النزاع فى السودان أخذت منعطفا تصعيديا شديد الخطورة ينذر بحرب أهلية قادمة لامحاله
، تأتى على ماتبقى من هذا البلد المنهك إقتصاديا ، قوات الدعم السريع إستخدمت الصواريخ المضادة للطائرات فى
مواجهة الطلعات الجوية لسلاح الجو السودانى لأول مرة منذ إندلاع القتال ، وهذا يعتبر تطور نوعى جديد أو تكتيك
جديد مغاير فى العمليات العسكرية ، والحقيقة أنه رغم إستخدام الجيش السودانى الطيران الحربى فى شن ضربات
جوية نوعية على قاعدة مروى وإستعادتها وعلى معسكرات قوات الدعم السريع ، إلا أنه من السابق لأوانه أو يصعب
التكهن بترجيح ميزان القوة لصالح طرف ضد الآخر وفى النهاية الكل خسران !!
التأثير المحتمل للصراع الدائر فى السودان كونه يعطى الفرصة للجماعات المتطرفة التى قد تجد فى فراغ السلطة
فرصة لتقوية نفوذها وإستعادة مجدها القديم خاصة وأن قائد التنظيم ” أسامه بن لادن ” نفسه عاش فى السودان لـ
خمس سنوات عام 91 : 96 ، وإذا ما تفاقم الصراع قد تواجه جنوب السودان ، ودول الجوار ” مصر ــ تشادــ إرتريا “
طوفان من اللاجئين ، إضافة إلى التأثير المحتمل على مشروع ” سد النهضه ” الأثيوبى الذى يحتاج إلى دعم
السودان .
إن مايحدث فى السودان الشقيق هو صراع ” وجودى ” على السلطة بين البرهان ــ وحميدتى يراهن فيه كل طرف
على الفوز ، الجيش يرفض أى نوع من التفاوض مع قوات الدعم السريع رغم المبادرات المحلية والأفريقية والأممية
والدولية للوقف الفورى للقتال ، فى ظل رهان من البرهان على قرب نهاية حسم الحرب بتفكيك وتلاشى قوات الدعم
السريع التى قد يكون لها الغلبة إذا طالت المعركه لاقدر الله طالت ، وتحول النزاع إلى حرب شوارع .
الحقيقة أن المعسكرين قويان ويملكان العدة والعتاد ، والحرب بينهما إذا طالت سوف تكون مكلفة جدا خاصة وأنها
يمكن أن تؤدى فى النهاية إلى تقسيم السودان .. حفظ الله السودان وجنب أهله الفتن وحقن دماء أبناءه