عبد الناصر البنا يكتب : السودان .. متعة الرقص على الجثث !! ( 1 – 3 )
أنا حزين جدا لما آلت إليه الأوضاع فى السودان الشقيق ، السودان هو الإمتداد الطبيعى لـ مصر وهو عمقها الإستراتيجى وأمنها القومى ، علاقة مصر بالسودان هى علاقة قائمة على المصاهرة والنسب ووحدة الدم وعلى الود والصداقة والتعاون والحب المتبادل ، إلى جانب الدين واللغة والجزور والأصول والمصير .. وإن شئت قل ، فمصر والسودان بلد واحد ، الأخوة السودانيين الموجودبن فى مصر يعتبروا أنفسهم مصريين ، والمصريين أيضا يعتبرونهم إخوانهم ، ولاينظر أحد إليهم أنه وافدين .. إلخ .
ولاعجب فى أن يتراوح عدد الاخوة السودانيين المقيمين فى مصر مابين 2.5 : 4 مليون سودانى يتمتعوا بنفس الحقوق التى ىتمتع بها المصريين ، كلنا نعلم أن مصر والسودان كانتا دولة واحدة إبان فترة حكم الخلافة العثمانيه ، ففى عام 1899 وقعت بريطانيا ومصر إتفاقية الحكم الثنائى ” المصرى ــ البريطانى ” على السودان ورفع العلم المصرى إلى جانب العلم البريطانى على الأراضى السودانية ، وفى مناطق يرفع العلم المصرى فقط ويكون الحاكم العام للسودان بريطانى يعاونه الحاكم المصرى ، وتتجمل الحكومة المصرية كافة النفقات فى السودان .
وفقا لكتب التاريخ المتخصصة فى الحقبة الملكية قررت مصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حق تقرير المصير وإقرار الحكم الذاتى للسودان بموافقة ملكية ، وإنفصل السودان عن الإدارة السياسية المصرية ، وكان الملك فاورق هو آخر من يحمل لقب ” ملك مصر والسودان ” . ودعونا نذكر الجميع بأن والدة كل من ” الرئيس محمد نجيب ــ محمد أنور السادات ـ المشير حسين طنطاوى ” كن سودانيات ، وأن هناك جينات وراثيه وصفات تجمع بين أهل النوبة فى مصر والأخوة فى السودان الشقيق ، حتى لايزايد أحدا على عمق العلاقات .
السودان بلد غنى جدا تكثر فيه الموارد الطبيعية من غابات وثروة حيوانية وأراضى زراعية خصبة صالحة للزراعة ومياه وفيرة وثروة سمكية ومعدنية .. إلخ ، ولكنه فى الواقع فقير لدرجة لايمكن أن يتصورها عقل ، ويكفى أن أشير إلى أن السودان رغم المساحات الشاسعة من الاراضى الزراعية التى لو أحسن إستغلاها لـ أصبحت سلة الغذاء للعالم العربى ، لكن كونها بلد تفتقر لوجود شبكة للرى تضاهى التى أنشأها محمد على فى مصر من شق للترع والمصارف وإقامة الخزانات والقناطر .. إلخ ، فقدت تلك الأراضى قيمتها وأصبحت تعتمد على الرى الموسمى والأمطار فقط .
إبان فترة حكم الرئيس السادات كان هناك إتفاقية للتكامل بين مصر والسودان ، وكانت هناك مشروعات طموحة
يمكن أن تحقق التكامل الإقتصادى بين البلدين ، وأخص بالذكر مشروع ” قناة جونجلى “على رافد النيل الأبيض فى
جنوب السودان ، وكان الهدف منها إستفادة البلدين من مياه النيل المهدرة في منطقة المستنقعات واستغلالها لـ
زيادة إيراد نهر النيل في مصر والسودان ، وفى قطاع الزراعة ، العمل فى المشروع إستمر لـ عشر سنوات منذ عام
73 : 83 وتوقف بسبب الحرب الأهلية فى الجنوب ، ومن ثم إنفصال الجنوب عن الشمال بعد تنفيذ ثلثي أعمال
المشروع تقريبا بعد حفر 260 كيلومترا من إجمالي 360 كيلومترا وتم الإستيلاء على المعدات وتوقف المشروع تماما .
السؤال : هل حقاً السودان بلد فقير جدا رغم أنه يمتلك موارد هائلة ، ” اقتصادية ــ وبشرية ” ؟
الإجابه (نعم) ولايعتبر من قبيل الصدفة أن يكون السودان مصنَّفاً ضمن قائمة الدول العشر الأكثر فساداً في العالم .
وتشير الدراسات إلى أن السودان رغم أنه يمتلك مساحة مليون و 865 ألف كم2 ولا يتجاوز عدد سكانه الـ 37 مليون
نسمة ورغم أن النيل بفرعيه ” الأبيض والأزرق ” يخترق السودان ، إلا أن نصف عدد السكان تحت خط الفقر ، كما أن
إنتاج السودان من الكهرباء بالكاد يكفى ” ثلث” عدد السكان ، ورغم وجود المساحات الشاسعة من الأراضى الزراعية
التى تتيح إمكانيات هائلة للمراعى والثروة الحيوانية .. إلخ ، إلا أن السودان يستورد القمح والقطن والمواد الغذائية !!
تاريخ السودان الحديث ملىء بالفتن والقلاقل والإنقلابات العسكرية ، ويعد الرئيس عمر حسن البشير الرئيس الـ
أطول فى مدة الحكم فى منطقة الشرق الأوسط حيث بلغت فترة حكمه الـ 30 عاما “1989 : 2019 ” وقد تعرضت
السودان للعديد من الضغوط إبان فترة حكم البشير ، أبرزها العقوبات التى فرضتها أمريكا على السودان لـ عقدين ،
ويأتى إنفصال الجنوب عن الشمال بعد مسار قتالى وتفاوضى طويل إنتهى بالإستقلال فى 2011 لـ يزيد الأمر تعقيدا ،
ورغم ذلك فإن الدولة الجديده فى الجنوب تُصنّف اليوم كأفقر البلدان على وجه الارض وتكثر فيها النزاعات المسلحة ،
بخلاف الفساد المستشرى فيها ، والبؤس الذى لا يوصف !!
كنت دوما أرى الرئيس عمر حسن البشير رجلا متقلب الطباع ينطبق عليه المثل القائل ” يعطيك من طرف اللسان
حلاوة .. ويروغ منك كما يروغ الثعلب ” يأتى الرجل إلى مصر ونستقبله بالقبل والأحضان ، ويرجع إلى السودان يرقص
ليغازل شعبه ” الشلاتين وحلايب ” سودانية ، لكن يجب علينا أن لاننسى أن الرئيس البشير قادم من خلفيه
إخوانية ، فالتنظيم الـ إخوانى فى السودان أسس فى أربعينيات القرن العشرين وهو يعد إمتدادا فكريا لجماعة الـ
إخوان المسلمين التى أسسها حسن البنا فى مصر .
كنت دوما أحذر من خطر الجماعة القادم من الجنوب خاصة لو إتحد ” خوان ” السودان ” مع جياع الجنوب ، لكن دوما
وأبدا مصر لاتغفل عن عمقها الـ إستراتيجى ، وتحت نظرها كل الأخطار التى تحيط بالأمن القومى المصرى من جهاته
الأربع وهذة المرة كلنا ننظر بقلق بالغ على تطور وتدهور الأوضاع فى السودان ، خشيه إندلاع حرب أهلية لاتذر
أخضرا ولا يابسا ، خاصه وأن النزاع هذه المرة هو نزاع ” عسكرى ــ عسكرى ” وكل من الطرفين يمتكلك العدة والعتاد
، فى بلد مزقته أصلا الصراعات والجوع والفقر !!
بقى ان أشير إلى نقطة هامة هل يكره السودانيون مصر ؟ ولماذا الزج دوما ب ” حلايب والشلاتين ” ؟
بكل تأكيد الـ إجابه (لا) ، وأعتقد أن الغالبيهة العظمى من السودانيين يقدروا مصر ويعطوا لها قدرها فهم سكانها
وتهفو قلوبهم لـ زيارتها ، قد تكون الـ Social Media ومايكتبه البعض عن أحوال الأخوة السودانيين فى مختلف البلدان
التى ذهبوا إليها سعيا وراء الرزق هو سبب ذلك الحنق والضيق ، لكنها وجهه نظر ، بيد أن تطورات الأوضاع الأخيرة
أظهرت عددا لا بأس من الأصوات فى السودان تتخذ من مصر شماعة لمشاكلهم وأزماتهم ..
وللحديث بقيه !!