الدكتور علاء رزق يكتب: القيمة العادلة ودعائم الدولة التنموية(١)
طغى على الساحة الاقتصادية هذه الايام أمر يتعلق بهل القيمة الحالية للجنية أمام الدولار هي القيمة الحقيقية وما تعبر عنه الأسواق؟ فقد أكدت العديد من الأبحاث والتصريحات أن سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنية المصري وتداوله عند هذه المستويات مبالغ فيه، وأن قيمة الدولار الحقيقيه قد لا تزيد عن 20 جنية، وان ما يمر به السوق الصرف المصري هي ظروف مؤقته نتجت لأسباب بعضها داخلية نتيجه ضعف بعض اجزاء من السياسات الاقتصادية، وعدم التنسيق المشترك بين السياستين النقدية والمالية ،خاصة في فترة ما بعد تعويم الجنية المصري وبدايه الإصلاح الاقتصادي في نوفمبر 2016 ،كما أن هناك أسباب خارجيه تتعلق بكثير من الأحداث والأزمات المتعلقة بجائحة كورونا وما قبلها مثل أزمة الأسواق الناشئة،وما بعدها وعلى رأسها الأزمة الروسية الأوكرانية، والصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ودخول الهند على أطراف هذا الصراع، كذلك فقد نتج عن هذه الأسباب الداخلية والخارجية إرتفاع معدلات التضخم وبصورة غير مسبوقة رغم النجاح المبدئي في الولايات المتحده الأمريكية وأوروبا، عبر قيام البنك الفيدرالي الامريكي والبنك المركزي الاوروبي بالعديد من السياسات التشديديه لمكافحة وإحتواء التضخم، خاصة وأن هذا التضخم العالمي قد ادى الى تفاقم الخلل في سلاسل التوريد العالمية وقيام المنتجين بزيادة الأسعار على المستهلك النهائي. وهو ما يجعلنا نؤكد ان قيمة الجنيه مقابل الدولار من المرجح أن تستقر عند المستويات الحالية والتي لم تتغير منذ أكثر من شهر في اكبر بنكين مصريين هما البنك الاهلي المصري وبنك مصر، خاصة مع الإقبال الكبير على الشهادات ذات العائد المرتفع وطرح سندات خارجية لتمويل العجز في ميزان المعاملات الجارية سواء عبر ما يعرف بالسندات الخضراء وقبلها سندات الساموراي مع اليابان او حتى الصكوك، كما اننا نتطلع إلى لوصول الجنية المصري إلى القيمة العادلة في مواجهة الدولار، بعد أن لاح في الافق إمكانية تحقيق مصر لحصيلة من الموارد الدولارية تحقق لها الإستقرار، وتقليل الفجوة الدولارية، حيث تصل الحصيلة الدولارية للخمسة مصادر التي تعتمد عليها مصر الآن الى اكثر من 121 مليار دولار ومرشح ان تصل إلى 150 مليار دولار بنهاية هذا العام ،مقابل متطلبات دولارية تدور حول 126 مليار دولار ،وبالتالي فنحن على أعتاب تحقيق إستقرار اقتصادي سوف ينعكس حتماً على الثبات بين العملة المحلية والدولار الامريكي، ولكن يجب ان ننوه أن الثبات التام بين العملتين المصرية والأمريكية قد يبدو انه أمر غير صحي أو غير مقبول لأن التذبذب بالزيادة أو النقصان بين العملتين والذي يدور في حدود أمنة قد يكون هو الأمر الصحيح والصحي المطلوب، لأنه مع إتباع سياسه سعر الصرف المرن فإن قوى العرض والطلب هي المحرك الرئيسي لسعر الصرف وهو أمر قد نصل اليه في نهايه العام كما قلنا عندما تزيد الحصيلة الدولارية عن الإحتياجات الدولارية المرتبطة بفاتورة الإستيراد وأقساط الديون والفوائد ،وبعد خروج اكثر من 20 مليار دولار عام 2022 تمثل الاستثمار الاجنبي في ادوات الدين السيادية وهو ما يطلق عليه الأموال الساخنة التي خرجت متزامنه مع دورة التشديد النقدي التي إتبعها البنك الفيدرالي الامريكي معبرا عن رفع سعر الفائده لأكثر من ست مرات خلال عام فقط.ومتجاهلا ما قد يسفر عن ذلك من إعتداء على موارد وعملات وإقتصاديات العديد من الدول،فالتاريخ البشري يؤكد ان التنافس على الموارد القيمة هو أساس حاكم لكل دوله تعبر عنه من خلال الإتفاقيات والمعاهدات التجارية والسياسية أو حتى من خلال الحروب الصعبة، وهذا ما كان يحدث سابقا ولكن الان تتم المنافسة بين الدول على الموارد باستخدام كل دوله لقوة إقتصاداتها ،عبر مدى وجود عملتها المحلية في سوق التجارة العالمية، فوجود عملة الدولة مع الطلب عليها عالمياً هو إشارة إلى إمكانية هيمنة هذه الدولة على الإقتصاد العالمي أو جزء منه على أقل تقدير، وبالتالي تحقيق إستقلالية قرارها السياسي وإمكانية ان تسيطر على موارد الدول الاخرى ،وهو ما يعرف عادة بمصطلح الدولة التنموية التي تمارس دورا محورياً في عملية التنمية حتى وإن بدات متأخرة، لكنها تبحث عن النمو السريع المعتمد على التصنيع الموجة نحو التصدير ومستعينة بيروقراطية ذات كفاءة، وتقيم تحالف مع القطاع الخاص الذي تقوده نحو تحقيق أهداف الدولة التنموية ،وبالتالي فإن خفض قيمة العمله قد يؤدي إلى طفرة إقتصادية كما حدث في دولة كوريا الجنوبية التي بدات ونجحت في بدايه الستينيات من القرن الماضي مرتكزة على تحقيق مؤشرات الدولة التنموية التي تبدأ بتحديد أهداف وأولويات لتحقيق التنمية، والإستعانة بالكفاءات المرتكزة على قاعدة من القيم المجتمعية الرصينة ،ووجود جهة مسئولة وفقط عن عملية التنمية والتخطيط لها ،مع مجتمع مدني قادر على ان يكون شريك وضلع في عملية التنمية، وبالتالي فإن مجموعه الإجراءات التي إتخاذها أخيرا من قبل الحكومة المصرية لتحسين وتطوير الإنفاق العام والعمل على جودته وفتح الإقتصاد المصري أمام مشاركة حقيقية وفعالة من القطاع الخاص سوف تساهم حتماً في تحقيق طفرة إقتصادية كضمانة حقيقية لحماية الإقتصاد ضد إرتفاع نسب الفائدة وتاثير قوة الدولار العكسية في الوقت الراهن،فتخفيض قيمة الجنية قد يساهم في جذب الإستثمارات فالإستثمار الأجنبي المباشر مهم جداً لأنه يساهم في سد الفجوة بين معدلي الإستثمار والإدخار، هذا من جهة، ومن جهه أخرى فإنه يؤدي إلى زيادة التصدير في حالة اذا ما ترتب عليه إقامة مشروعات إنتاجية حقيقية في القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية لإنتاج سلع تؤدي الى زياده التنافسية . وكذلك فإن إنخفاض أسعار العملة المحلية قد يساعد في خفض التكاليف وبالتالي زيادة الأرباح المتوقعة للمستثمر ،ولكن لابد أن لا يكون ذلك على حساب إنهيار قيمة العملة حتى لا ينعكس ذلك على زياده معدلات التضخم بصورة قد تكون طاردة للإستثمار الذي نبحث عنه الآن، كما أن هناك حدود يجب ان يدور حولها سعر صرف الجنية يجب ان يتم تحديدها من خلال البنك المركزي المصري ،مع اليقين بأنه ليس كل إنخفاض في قيمه الجنية يصحبه زيادة في صافي تدفقات الإستثمار الاجنبي إلى مصر وهذا ما سوف نتناولة فى المقال القادم.
كاتب المقال رئيس المنتدى
الإستراتيجى للتنمية والسلام