مع التوقعات المتضاربة بشأن سياسة البنك الفيدرالي الأمريكي خاصة فيما يتعلق بالفائدة، والتضخم ،ومع زيادة حالة عدم اليقين التي سيطرت على معظم الإقتصاديات العالمية التي صاحبها إنهيار لبعض البنوك العالمية خاصة الامريكية ، ومع إجراء المراجعة الأولى لصندوق النقد الدولي ضمن حزمة التمويل لمصر والبالغة 3 مليار دولار ،فقد شهدت العقود الآجلة تراجعاً لتتخطى حاجز 41 جنية للدولار الواحد لأجل 12 شهر، وسط توقعات بتخفيض سعر العملة امام العملات الاخرى، وخاصة بعد إصدار شهادات إدخارية جديدة. هو الامر الذي قد يساهم في زياده الفجوة بين سعر الجنية في السوق الرسمي وسعره فى السوق الموازي، وبالتالي كان من الضروري السعي نحو سد وتضييق الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الآجل لمنع المضاربات على العملة، لاسيما وان هذه الفجوة تتسع في أوقات الأزمات المتعلقة بنقص العملة الصعبة وهروب الاموال الساخنة ،وهو الامر الذي يستدعى تخفيضا جديداً في قيمه الجنية لتقليل الفجوة بين السعرين الرسمي والآجل ،وكنتيجة حتمية لمطالبة المستثمرين بعلاوات أكبر للإستثمار في الأسواق الناشئة بعد تراجع سنداتها المتداولةعن قيمتها الإسمية.وهو الأمر الذى عزز ما قامت به لجنة السياسات التابعة للبنك المركزي بالتأكيد على إستمرار تقييد السياسات النقدية لتحقيق معدلات التضخم المستهدفة عند 7 % ، ومما هو جدير بالذكر أن الجنية المصري قد إنخفض مقابل الدولار منذ مارس 2022 بنحو نصف قيمته ووصل إلى 30.87 جنيه للدولار الواحد، والسبب الرئيسي هو الأزمة الروسية الأوكرانية.ومن قبلها جائحة كورونا ،وهروب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وقد هبط الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.9 بالمئة في الربع الأخير من 2022 من 4.4 بالمئة في الربع الثالث. مع توقع أن يتبع المعدل الحقيقي لنمو الناتج المحلي الإجمالي وتيرة معتدلة خلال العام المالي 2022/2023 مقارنة بالعام المالي السابق على أن يعاود الارتفاع بعد ذلك. ونحن الآن في إنتظار بدء المراجعة الأولي من صندوق النقد الدولي للإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها مع الصندوق في إطار برنامج مدته 46 شهرا المتفق عليه في ديسمبر الماضي لقرض بقيمة 3 مليارات دولار.ويأتى ذلك بالتزامن مع تراجع الدولار في الأسواق العالمية، إذ فقد مؤشر الدولار أكثر من 0.41 بالمئة ليسجل 101.880 نقطة مقابل سلة العملات الأجنبية، وسط تجدد المخاوف من أزمات النظام المصرفي الأمريكي ،وعلى التوازى تكافح مصر لإحتواء الضغوط الاقتصادية التي كشفت عنها تداعيات الأزمة في أوكرانيا ، بما في ذلك ارتفاع تكاليف واردات الحبوب والوقود.
حيث تعرض الجنيه المصري لضغوط مرة أخرى الشهر الماضي. ومع عرض مشروع قانون الموازنة العامة للدولة على مجلس النواب ، حيث يهدف مشروع الموازنة إلى تحقيق فائض أولي بنسبة 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي ، ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي الإيرادات بنسبة 38.4٪ والإيرادات الضريبية بنسبة 28٪. وهو امر يبرز تشديد القيادة السياسية على ضرورة التنسيق المشترك والفعال بين السياستين المالية والنقدية،حيث قام المركزي المصري من جانبة بالإعتماد على سياسة التعويم المرن أو المدار، ويتجدد الحديث عن “السعر العادل” لصرف الدولار مقابل الجنيه المصري. لكن في الوقت نفسه هناك مجموعة مؤشرات تكشف وربما تحدد مصير الجنية مقابل الدولار تتمثل في الأرقام التي تتعلق بالواردات والصادرات وتحويلات المصريين العاملين في الخارج وعائدات السياحة وقناة السويس وحجم إحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، وأخيراً حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السوق المصرية.فحركة الواردات، تشير إلى أنها سجلت اكثر من 100مليار دولار عن العام الماضي بزيادة لا تقل عن 14مليار دولار عن العام الذى يسبقه ،رغم كل الجهود المضنية المبذولة لتنظيم الإستيراد والتى اعتمدتها الحكومة المصرية عبر مؤسساتها المختلفة لطرح العديد من الإجراءات لضبط خريطة الواردات، لكن حتى الآن فإن فاتورة الواردات تعد الملف الأكبر في قائمة القطاعات التي تحتاج إلى كميات ضخمة من الدولارات لتغطيتها.وفي المقابل، تشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع قيمة الصادرات المصرية لأكثر من 52مليار دولار العام الماضي.
وفيما يتعلق بتحويلات المصريين في الخارج، كشفت وثيقة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام الماضي أن قيمة
هذه التحويلات قد تعدت 33مليار دولار .أما عائدات قناة السويس، فقد بلغت نحو8 مليارات دولار خلال العام الماضي.
وهى أرقام قياسية جديدة وغير مسبوقة على مدار تاريخ القناة التي افتتحت عام 1869.أما عائدات القطاع
السياحي، فتشير بيانات البنك المركزي المصري، إلى ارتفاع الإيرادات السياحية لمصر خلال العام الماضى إلى 16
مليار دولار. وبذلك فإن قطاع السياحة قد اأإستعاد جزءاً كبيراً من عافيته، حيث ارتفعت الإيرادات السياحية بما يفوق
الضعف مقارنة بالسنة المالية السابقة.
اما فيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية ،تشير البيانات إلى ارتفاع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر إلى
14مليار دولار.وبذلك نرى أن الأزمة الحالية هى ازمة مؤقتة لأن مصر تقترب من تحقيق الإستقرار الإقتصادي والمالى
لأول مرة ،بأن تتجاوز مواردها الدولارية إحتياجاتها من العملة الصعبة، حيث من المتوقع ان تصل موارد مصر من العملة
الصعبة إلى أكثر 150 مليار دولار مقابل متطلبات دولارية حالية لا تتجاوز 126 مليار دولار عبارة عن فاتورة الإستيراد،
وأقساط الديون.
وفيما يتعلق باحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، تشير بيانات البنك المركزي إلى ارتفاعها لتسجل نحو 34.224 مليار
دولار في يناير مقارنة بنحو 34.003 مليار دولار في ديسمبر الماضي بزيادة 221 مليون دولار. تأتي هذه الارتفاعات
على الرغم من قيام مصر بسداد مدفوعات مرتبطة بالمديونية الخارجية خلال ديسمبر الماضي.
وعلى الرغم من أزمات التضخم وخسائر الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، فإن صندوق النقد الدولي، يتوقع
تزايد معدل نمو الاقتصاد المصرى ، وصولاً إلى 5.7 في المئة خلال العام المالي 2024/2025، و5.9 في المئة خلال
العام المالي 2025/2026.إهتمام صندوق النقد الدولي بهذه المؤشرات للإقتصاد المصري بعد تعهده بتعزيز النمو الذي
يقوده القطاع الخاص وخلق فرص عمل. بعد موافقته على إقراض مصر ثلاثة مليارات دولار في إطار تسهيل الصندوق
الممدد. وفق برنامج يمتد لـ46 شهراً يسهم في تعزيز استقرار سوق الصرف والحفاظ على استقرار الأسعار من أجل
امتصاص الصدمات الخارجية، بما في ذلك التداعيات المستمرة للأزمة الروسية – الأوكرانية.
وتوقع صندوق النقد، أن يتراجع التضخم الأساسي إلى سبعة في المئة بحلول السنة المالية 2024/2025، وأن
تسجل موازنة الدولة فائضاً بنسبة 2.1% من إجمالي الناتج المحلي. والتأكيد على أن مصر أظهرت مرونة في مواجهة
الصدمة التي أصابت العالم جراء وباء “كوفيد -19 .وبعدها الازمة الروسية الأوكرانية.