ظلت علاقتى بالمفكر والكاتب السعودى ” سعد خلف العفنان 1939 ـ 2012 ” الذى اشتهر بالتأليف في مجالات التاريخ والمجالات الثقافية المتنوعة ، طوال فترة إقامتى بالمملكة العربية السعودية التى إمتدت لـ قرابة العشر سنوات علاقة وطيدة قائمة على الود والإحترام المتبادل ، فالرجل كان شديد التواضع ، دمث الخلق ، كريم ، وكان لايخشى فى الحق لومة لائم ، حكى لى العفنان خلال اللقاءات المتكررة التى جمعت بيننا سواء فى نادى الأدب بحائل أو فى مزرعته التى تحوى العشرات من أشجار النخيل التى أحصاها فى كتابه ” النخيل ” بما يجاوز الـ ” خمسين ” نوعا من النخيل ، عن تفاصيل حياته ، وعن الحياة فى المملكة العربية السعودية .
وكنا نمثل أجيالا مختلفة ، أنا مصرى فى الثلاثينيات من عمرى ، وهو فى أواخر الخمسينات وقتها ، كان سعد خلف العفنان ينحدر من إحدى قرى مدينة ” حائل ” وهى المدينة الواقعة فى وسط شمال المملكة ، وتحيط بها على شكل قوس سلاسل جبال ” طـى ـ أجا ـ سلمى ــ السمراء ” حيث قصص الحب العذرى التى خلفتها لنا كتب التاريخ ، وموطن الشعر النبطى والكرم الحاتمى فهى موطن حاتم الطائى .
وحائل هى البلد الأخير التى خضعت لـ حكم ” إبن سعود ” الملك المؤسس بعد أن ضربت قواته حصارا عليها دام خمسة وخمسين يوما ، ولم تستطيع الدخول إليها ، حتى تنكر أهالى حائل لـ إمارة آل الرشيد وقرروا بزعامة إبراهيم بن سالم السبهان تسليم المدينة للقوات السعودية ، وفتحوا أبواب الحصون الخارجية وسقطت حائل فى يد بن سعود فى أكتوبر 1921 . وظل آل سبهان حتى اليوم من المقربين للعائلة المالكة السعودية ، حيث عين السلطان عبدالعزيز إبراهيم بن سالم بن سبهان أميرا على حائل ثم أحل مجله عبدالعزيز بن مساعد بن جلوى عام 1924 .
كان العفنان مناهضنا لـ حكم آل سعود ، ولذلك حددت إقامته فى المملكة ، بدأ العفنان تعليمه فى الكًتاب وتعلم حروف الهجاء وواصل دراسته إلى أن حصل على الشهادة الإبتدائية ، وإنقطع بعدها عن الدراسة وتنقل بين الخفجى والكويت والرياض ، وعمل فى مجالات متعددة ومنها أعمال العمارة والبناء ، وبعد تنقلاته سعيا وراء طلب الرزق عاد إلى حائل ، وعمل في مجال الزراعة وابتكر فيها الكثير .
أعتقد أنه قل أن تصادف فى حياتك شخصا فى قيمة وقامة سعد خلف العفنان الذى عكف على تعليم نفسه بعد أن كان أميا لا يجيد القراءة أو الكتابة يقول : فى الـ 48 من عمرى تعرضت لوعكة صحية كانت سببا فى التحول الذى حدث فى حياتى ، عكفت على الكتابة فى مجال الأدب وتوجهت إلى الكتابة البحثية وكان كتاب ” جذور الإرهاب وأهدافه ” أول مؤلف لى ، وكان للكتاب صدى كبيرًا ، وانتشارًا واسعًا ، وتوالت بعدها أعماله التى تخطت الـ 50 مؤبفا ومنها ” ملحمة العرب ـ النخيل فى حائل ـ حقيقة العرب ـ حقيقة اليهود ـ الكويت والحقائق ـ عاصفة الصحراء ـ كيف أغتصبت فلسطين ـ حائل وعبقرية المكان ـ حياتى وثقافتى .. وغيرها ” إلى جانب العديد من الأعمال الروائية .
ذكرت ” العفنان ” الذى إلتقيته مصادفة فى ” مطابع المحيسن ” بمدينة حائل ودار بيننا حوار قصيرا جمعت بيننا كيمياء من نوع خاص ، كنت أبحث فى تاريخ المملكة ووجدت ضالتى المنشودة لديه ، كنا نتناقش فى أمور عدة ، وكانت لقاءاتنا طقس نحرص عليه كلما سمحت الظروف ، ” العفنان ” كان محبا لـ أهل الصعيد ومن هنا توطدت العلاقة بيننا ، حكى لى عن أيام القحط فى الجزيرة العربية ، وكيف كانت الحياة قبل تدفق النفط فى الجزيرة العربية ، وكان يقول : كنا ننتظر ” جيف ” الحيوانات النافقة فى أعالى الجبال عندما يجرفها السيل لنأكلها ، وكنا نعيش على قنص الحيوانات البرية ، ونأكل الجراد ، دون أن يخجل من هذا الماضي !!
حكى لى العفنان ” رحمه الله ” عن حبه لمصر وعن فضل مصر على المملكة ، وكان يقول لى : مصر التى أطعمت ، وعلمت ، وداوت ، وربت ، ويقول : كانت تأتى إلينا الثياب والمعونة من مصر ، وحكى لى أن كم الثوب كان يأتى طوبلا وبه ” ثنيه ” فى المنتصف ، فإذا ماكان زراع الرجل طويلا يفك الثنيه ، وقال : والله أنه لاينكر فضل مصر على السعودية والعرب إلا جاحد أو حاقد ، وكان الرجل صادق القول عندما تحدث عن ” التكية المصرية ” التى يعتبرها البعض اليوم ” سَبة ” وكان دوما يسهب فى ذكر فضل مصر دون خجل !!
العلاقة بين مصر والسعودية علاقة وطيدة ، ولطبيعة النفس البشرية كان يعتريها بعض الفتور فى بعض الأوقات لمواءمات سياسية ، وغيرها ، لكنها كانت دوما مثل سحابة صيف عابرة فمصر رمانة الميزان فى المنطقة العربية ومصر والسعودية تمثلان جناحا الأمة ، وهذه حقيقة بعيدا عن المزايدة ، بالأمس القريب كان هناك فتورا فى العلاقات بين البلدين ، وفقا لتقرير نشرته نيويورك تايمز ” السعودية سئمت من الدعم المجاني لمصر وتبحث عن الربح ” وأشارت إلى أن المملكة تضيق الخناق على مساعدة القاهرة وغيرها من جيرانها الإقليميين . وأوضحت أن العلاقة بين البلدين اتسمت ، خلال معظم العقد الماضي ، بالدعم المالي بمليارات من جانب الرياض ، باعتبار القاهرة حليف إقليمي واستراتيجي مهم ، حتى وصلت الأمور ، في الآونة الأخيرة ، إلى رفض صامت من جانب المسؤولين السعوديين لتقديم مزيد من “الشيكات على بياض” رغم مرور مصر بأزمة اقتصادية عميقة.
ووفقا للصحيفة الأميركية ، وضع ولي العهد السعودي ، شروطا متزايدة لمثل هذه المساعدات ، مصرا على ضرورة إجراء مصر إصلاحات اقتصادية مثل خفض الدعم وخصخصة الشركات المملوكة للدولة.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن وزير المالية السعودي ، في دافوس ” اعتدنا تقديم منح وودائع مباشرة دون قيود. ونحن نغير ذلك . نحن نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول إننا بحاجة إلى رؤية الإصلاحات على أرض الواقع”. وأوضحت الصحيفة أن تصريحات الجدعان أدت إلى اندلاع حرب كلامية بين خبراء سعوديين ومصريين، يغذيها قلق مصر من اعتمادها المتزايد على دول الخليج الأكثر ثراءً ، مثل السعودية والإمارات .. وللحديث بقية