اللواء دكتور سمير فرج يكتب : الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني .. إلى أين؟
دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، بتطورات ومعطيات جديدة، غيرت السيناريوهات المحتملة لهذه الحرب، تمثلت في الدعم العسكري الهجومي الذي حصلت عليه أوكرانيا من الولايات المتحدة وحلف الناتو، بعدما كان الدعم، في العام الأول للحرب، قاصراً على الأسلحة الدفاعية، لإطالة زمن الحرب، بهدف استنزاف الاقتصاد الروسي، وفقاً لخطة الولايات المتحدة، وهو ما نجحت فيه، جزئياً، حيث تركزت عمليات القوات الأوكرانية، في العام الأول من الحرب، على صد الهجمات الروسية، رغم نجاح روسيا في ضم أربع مقاطعات أوكرانية، وهي لوغانسك، ودونتستيك، وزابورجيا، وخيرسون، بإجمالي مساحة يعادل 20 في المئة من الأراضي الأوكرانية.
ظهرت أولى صور الدعم العسكري الهجومي، من الولايات المتحدة وحلف الناتو، في مدّ الولايات المتحدة لأوكرانيا ببطاريات الباتريوت المضادة للطائرات والصواريخ، كما أمدتها بالدبابات M1A1، فضلاً عن الدبابات التي حصلت عليها أوكرانيا سواء دبابات الليوبارد من ألمانيا، أو دبابات AMX من فرنسا، أو دبابات تشالنجر من بريطانيا. ولا شك أن دعم أوكرانيا بهذه الدبابات الهجومية من شأنه تغيير أسلوب قتال القوات الأوكرانية في السنة الثانية من الحرب، رغم ما يحتاجه الأطقم الأوكرانية منن تدريب على استخدام تلك الدبابات، وهو ما سيستغرق مدة قد تزيد عن ثلاثة أشهر. وقد صرح الرئيس الأوكراني، بأن حرب الربيع الأوكرانية، للهجوم المضاد على القوات الروسية، وإجلائها عن الأراضي الأوكرانية، لن يتم قبل وصول تلك الدبابات، واكتمال تدريب الأطقم الأوكرانية المخصصة لها. وأعلن زيلينسكي كذلك أن بلاده تحتاج إلى تعزيز تلك الأسلحة الهجومية، بطائرات مقاتلة من طراز إف 16، وهو ما رد عليه البنتاجون بأن قرار إمداد أوكرانيا بهذه الطائرات لم يُتخذ بعد.
أما ثاني التطورات، في اتجاه الدعم الهجومي، فكان في قرار بريطانيا دعم القوات الأوكرانية بقذائف خارقة للدروع، تحتوي على اليورانيوم المنضب، القادرة على تدمير الدبابات والمدرعات الحديثة، والتي سيتم استخدامها بواسطة الدبابات تشالنجر البريطانية. يُعرف اليورانيوم المنضب، بأنه المنتج الثانوي الرئيسي لعملية تخصيب اليورانيوم، يستخدم في المفاعلات النووية، أو الأسلحة والذخائر، بسبب كثافته العالية، بما يسهل عملية اختراق الدروع والعربات المدرعة. أما فيما يخص الأثر الصحي الذي يخلفه ذلك النوع من الذخيرة، فإن الاقتراب منها لا يضر بالصحة، إلا أن مقذوفات اليورانيوم المنضب تُشكل خطراً جسيماً على الصحة إذا ما وصلت المادة إلى جسم الإنسان، من خلال الشظايا، أو الاستنشاق، أو بلع مواد ملوثة باليورانيوم، مما يسبب الإصابة بسرطانات الرئة والدم والعظام.
وكان أول تعليق من وزير الدفاع الروسي، شويجو، أن هذا الإجراء سيؤدي إلى خطوات نحو التصادم النووي، ورغم أن
هذا المصطلح لم يستخدم عسكرياً، من قبل، إلا أنه يشير إلى استعداد روسيا لاستخدم القنابل النووية التكتيكية،
الأمر الذي سيشعل الأحداث في المنطقة، خاصة وأن أوكرانيا لا تملك أسلحة نووية. والحقيقة أن الأمر لم يقتصر
على تصريحات وزير الدفاع، وإنما امتد لقرار الرئيس الروسي بوتين، بنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا،
المجاورة لأوكرانيا، وتصريحه بأنه قد تم، بالفعل، إرسال عشرة مقاتلات إلى مينسك، قادرة على حمل الأسلحة
النووية التكتيكية. وهو ما تشير بعض التحليلات إلى أنه تصعيد روسي غير مبرر، وناتج عن عدم قدرة روسيا على
حسم القتال بطرق تقليدية، واتخاذها من تصرف بريطانيا ذريعة لاستخدام أسلحة نووية تكتيكية، في القتال ضد
أوكرانيا.
تتميز الأسلحة النووية التكتيكية بصغرها؛ من حيث الحجم والمدى، بما يُسّهل استخدامها ضد أهداف عسكرية
محدودة، دون تدمير المنطقة بأكملها، كما لا تتسبب في إشعاعات نووية واسعة النطاق. وتعد روسيا القوى النووية
الأولى، في العالم، بمخزون يصل إلى 4500 رأس نووي، طبقاً لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام
SIPRI، حيث يكون السلاح النووي مزوداً برؤوس صغيرة، يبلغ مداها أقل من 600 كيلومتر، وينقسم إلى نوعين،
الأولى تفوق قوتها القنبلة الذرية التي سقطت في هيروشيما، والأخرى لا تزيد قوتها عن قوة نيران المدفعية. ووفقاً
لبيانات الاستخبارات الأمريكية، فإن مخزون روسيا من الأسلحة النووية التكتيكية يبلغ 2000 سلاح.
ولقد أعلن الرئيس بوتين أن خطته لنشر الأسلحة النووية التكتيكية في بيلاروسيا لا تشكل انتهاكا لاتفاقيات حظر
الأسلحة النووية، مضيفاً أن الولايات المتحدة فعلت ذلك على مدى عقود حين وضعت الأسلحة النووية التكتيكية في
أراضي حلفائها من دول الناتو، وتحديداً في ستة دول وهي ألمانيا، وهولندا، وبلجيكا، وإيطاليا، وتركيا، واليونان. ومن
جانبه عقد رئيس بلاروسيا مؤتمراً صحفياً أعلن خلاله أن موسكو ستدرب طياري بلاده، على قيادة الطائرات القادرة
على حمل رؤوس خاصة، مضيفاً أن نظام الدفاع الجوي S400، المنقول إلى بلاروسيا، على وضع الاستعداد القتالي
لحماية أراضي بلاروسيا. وعلى الطرف الآخر، علق الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأنه لا توجد، حتى الآن، مؤشرات
على استعداد روسيا لاستخدام الأسلحة النووية.
وهكذا تسارعت وتيرة الأحداث منذ بداية العام الثاني للحرب الروسية الأوكرانية، وفي كل يوم تبرز معلومات جديدة
عن مفاهيم السيناريوهات المحتملة للعمليات القادمة، خاصة بعد الرفض الأمريكي للمقترحات الصينية للسلام،
المكونة من 12 بند، والتي أمل الجميع أن تؤدي إلى تحقيق السلام … ليبقى السؤال معلقاً؛ كيف ومتى ستنتهي
تلك الحرب؟