لا تزال الأمراض المرتبطة باستمرار استهلاك السجائر التقليدية تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، فبالرغم من كل التحذيرات الصحية وحملات مكافحة التبغ، وسياسات الحث على التوقف الفوري عن استهلاك التبغ، التي تتمسك بها غالبية الدول، إلا أن تلك السياسات لم تثبت أية نجاحات في خفض معدلات التدخين حتى اليوم.
وعلى العكس من ذلك حقق الانفتاح على سياسة الحد من الضرر لتقليل المخاطر الصحية للعديد من السلوكيات الخاطئة السائدة، بما فيها استهلاك التبغ ومنتجاته التقليدية وذلك في الدول التي تبنت هذه السياسات، حيث اتاحت لغير الراغبين في الإقلاع عن التدخين حلولاً وبدائل وإن كانت لا تخلو تماماً من المخاطر، باعتبار ذلك من السلوكيات الأقل خطورة.
وقد برهن النموذج الياباني على جدوى تبني أنظمة توصيل النيكوتين البديلة التي تقصي عملية الحرق التي تتم في المنتجات التقليدية، والتي تتسبب في العديد من الأمراض المرتبطة بالتدخين، من حيث الانخفاض المتحقق في نسب التدخين سنوياً بما قدره 9.5%، مقابل 1.8% فقط قبل اعتماد سياسة الحد من المخاطر وتحديداً خلال الأعوام ما بين 2011 و2015.
كذلك الأمر مع النموذج البريطاني، حيث تراجع عدد مستهلكي منتجات التبغ القابلة للاحتراق بنسبة كبيرة جداً تبلغ 6% من إجمال التعداد السكاني في بريطانيا، ومع النموذج النيوزلندي الذي انخفضت فيه نسبة المدخنين إلى 8% في العام 2022، بعد أن كانت تبلغ ما نسبته 16.6% من التعداد السكاني في العام 2015.
هذا النوع من الادعاء ينفيه بينما ينفي النموذج الباكستاني ادعاءات مناهضو سياسات الحد من المخاطر، التي يرجعون فيها إنخفاض نسبة استهلاك التبغ في البلدان ذات الدخل المرتفع كنتيجة لتراجع مبيعات المنتجات التقليدية.
حيث تعد باكستان من البلاد النامية ذات الدخل المحدود، ويعد شعبها من أكثر الشعوب المستهلكة للتبغ بأشكاله، خاصة في ظل عدم وجود حواجز ثقافية واجتماعية لديه تجاه هذا الاستهلاك، وتحديداً في كراتشي التي تنطوي على أكبر نسبة من المدخنين، والتي تشهد تحولاً كبيراً بدخول منتجات النيكوتين وتبغ المضغ غير القابلة للاحتراق، والتي تحتل مرتبة أقل في سلسلة المضار المستمرة مع المنتجات التقليدية.
وإذ يبرهن هذا التحول الذي انعكس بالانخفاض على نسبة المدخنين والأمراض والوفيات المرتبطة بالتدخين في كراتشي، على قابلية وفاعلية تطبيق سياسة الحد من المخاطر حتى في الدول منخفضة الدخل، كما يثبت أن الفوائد المحتملة للبدائل بالرغم من وجود بعض المخاطر لها، تدفع لاتخاذ قرارات مستنيرة من الحكومات والمدخنين أنفسهم، وتحفز على السماح بتداولها باعتبارها مدخلاً للإقلاع الذي يظل الخيار الأمثل.