لشهر رمضان خصوصية فى شتى بقاع المعمورة كونه شهر تكثر فيه أعمال الخير والصدقات ، وعن فضل الصدقة قال نبينا ﷺ ” الصدقة تطفىء غضب الله سبحانه وتعالى ” ، وهى دواء لـ أمراض البدن ، قال تعالى ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وقال ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ ومن الخيرات الصدقة التى قال عنها ﴿ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً ﴾ صدق الله العظيم
يقول الإمام عبالقادر الجيلانى ” لقمةٌ في بطن جائع خير من بناء ألف جامع ، وخير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع ، وخير ممن قام لله بين ساجد وراكع ، وخير ممن جاهد للكفر بسيف مهند قاطع ، وخير ممن صام الدهر والحر واقع ، فيــــــا بشرى لمن أطعم الجائع” .
والحقيقة أن مصر كان لها السبق فى مسألة ” إطعام الجائع ” منذ أيام الدولة الفاطمية التى أسرفت فى العادات والتقاليد حتى أنهم أقاموا دارا خصصت لذلك سميت ” دار الفٌطره ” كانت تقدم الطعام للصائمين وإستمر هذا التقليد حتى يومنا هذا فى صورة ” موائد الرحمن ” التى تنشر فى شتى أرجاء البلاد .
مؤخرا إنطلقت فى إستاذ القاهرة إحتفالية مبادرة ” كتف فى كتف ” التى وصفت بأنها أكبر حدث وأضخم مبادرة حماية اجتماعية في تاريخ العمل الأهلي التنموي المصري ، وقد حظيت بحضور ورعاية رئيس الجمهورية ، إستهدفت المبادرة تعبئة وتوزيع أكثر من 4.5 مليون كرتونة من المواد الغذائية إلى كافة ربوع مصر ، وتوزيعها على الفئات الأولى بالرعاية والأسر الأكثر احتياجا بغرض التخفيف من آثار الأزمات الاقتصادية المتلاحقة عالميًا ، والتي خلفت موجات من التضخم وارتفاع الأسعار فى العديد من البلدان ومنها مصر .
فكرة إقامة التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى كانت فكرة رائدة من أجل توحيد جهود مؤسسات المجتمع المدنى التى تنطوى تحت مظلة التحالف وعددها 32 مؤسسة وكيان فى مد يد العون للمحتاجين والوصول إلى الفئات المستهدفة من خلال قاعدة بيانات تمنع من تكرار تقديم الخدمه للمستفيد ، وعلى الرغم من ذلك لم تسلم المبادرة من سهام النقد والتجريح حيث وصفها البعض بأنها دعوة إلى التسول ، وأنه ماكان ينبغى أن تظهر مصر بهذا المظهر الذى يصور الشعب وكأنه بات جائعا !! وأما الغالبية العظمى رأوا أنها خطوة كانت حتمية ولابد منها من أجل تحقيق التكافل الإجتماعى فى وقت يعانى الكثير شظف العيش !!
سهام النقد لم تقتصر على مبادرة ” كتف فى كتف ” وإنما على مايقدم على شاشات التليفزيون من أعمال درامية
تحمل كل معانى السفه ، ومن إعلانات تستجدى المواطنين وتستدر عطفهم وشفقتهم بما يوجع القلوب ويصور
المصريين كونهم إما فقراء معدمين أو مشردين بلا مأوى أو مرضى سرطان ومطلوب التبرع لهم ، والحقيقة أن تورته
التبرعات كبيره بالقدر الذى يجعل الضباع المسعورة من ( شركات المحمول التى تستقطع 55% من قيمة الرسائل ــ
القنوات صاحبة الإعلان .. إلخ ) يجعلها تتهافت عليها مستغلة طيبة الناس وحبها لفعل الخير ، خاصة إذا علمنا أن
قيمة تبرعات المصريين فى رمضان الماضى بلغت وفقا لتقديرات البعض 4.5 مليار جنيه ، ومن المتوقع أن تتضاعف هذا
العام !!
ولما كانت الصدقة أو المساعدة للأقربين إذا كانوا محتاجين أولى وأعظم أجرا منها لغيرهم ، فمن الأولى بنا أن نفتش
فى أسرنا وأهالينا وأقاربنا عن المحتاجين منهم فى ديارهم وما أكثرهم وما أحوجهم ، أولى بنا أن نبحث فى محيط
سكننا وبين معارفنا وأصدقاءنا عن المحتاجين وأصحاب الديون والأرامل والأيتام ممن وصفهم القرآن بأنهم ﴿ يَحْسَبُهُمُ
الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ﴾ وهذا أفضل بكثير من التخلص منها عند أقرب متسول نجده فى طريقنا أو أمام جامع ، أما
الطريقة التى تقدم بها وجبات الأفطار فى بعض التجمعات السكنيه الراقيه جعلت البعض يناشد على وسائل التواصل
الإجتماعى أن لاتكون بهذه الطريقة العشوائية من كثرة الوجبات التى وجدوها ملقاه فى سلال القمامة بعد أخذ
البروتين منها !!
وحتى تكون صدقة إطعام الطعام مستمرة طول العام أتمنى أن يتبنى قاطنى الوحدات السكنية فى العمارة الواحدة
أو الشارع او الحى الواحد فكرة وضع ثلاجة لحفظ الطعام توضع فى مكان ظاهر ويتم تغليف وحفظ فائض الطعام
وتقديمه للمحتاج لـ ياخذ كفايته منها وهكذ يمكن أن تعم الفائده .
عودة إلى الواقع الذى يعيشه المواطن المصرى الذى يلهث وراء لقمة العيش وتلك الصورة التى يراها على شاشة
التليفزيون وماتحتوى عليه من بذخ وأبهه تتنافى تماما مع دولة تئن تحت وطأة الدين الخارجى وإرتفاع معدلات
التضخم فى الداخل كونها ” فشخرة كذابة ” ليس إلا ، فالمواطن الذى بالكاد يكفى قوت يومه من أين له بتلك
الملايين لـ يغتنم الفرصه للحجز فى هذا الكمباوند أو ذاك قبل أن تضيع من بين يديه ، والسؤال : من هو
المقصود بإعلانات التجمعات السكنية الفاخرة ؟ ومايدعو أكثر إلى الدهشه أن مايقرب من الـ 90% من الشعب يعيش
اليوم على حد الكفاف ، فلماذا كل هذا الترف البعيد كل البعد عن الواقع ؟
بقى أن أشيد وأشير إلى الجهود التى تبذلها الدولة المصرية التى توسعت فى برامج الحماية الإجتماعية للقضاء
على ظاهرة الفقر والتسول من خلال برامج “حياة كريمة ” و “تكافل وكرامة ” ومد شبكات الأمان الإجتماعى لتصبح
مصر بلا عوز ، إلى جانب دعم الغذاء ببطاقات التموين ، والتوسع فى المعاشات ، وبرنامج فرصة ، وسكن كريم ..
وغيرها من المشروعات التى تهدف إلى وقف توريث الفقر .. حفظ الله مصر وكل عام وأنتم بخير