من حكم الله سبحانه وتعالى أنه فضل الناس على بعض ، قال تعالى } وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ { ، ويقول } وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ { وذلك لـ حكمه لايعلمها إلا هو ، وقد تكون عقولنا قاصره أن تدرك كل أسرار الله فى خلقه ، فالعطاء والمنع لـ حكمه وعلينا فقط التدبر ، كذلك فضل الله ” الأزمان ــ والشهور ــ والأيام ــ والليالى بل والساعات ” على بعض ، فجعل رمضانا واحدا من أفضل الشهور ، كما جعل عشر ذى الحجة من أفضل الأيام وإختص ليلة القدر كواحدة من أفضل الليالى وقال } لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ { أى عبادتها تعادل عباده 83 عام تقريباً . وفضل الساعه الواحدة في ليلة القدر بقدر 60 ألف ساعة ، ومن هنا وجب علينا أن نسارع ونتنافس فى العبادة وصالح الأعمال في هذه الأيام والليالي التي فضل الله بعضها على بعض .
وعن نبينا ﷺ خُسْران مَنْ أدرك رمضانَ ولمْ يُغْفَر له ، والله تعالى بقول { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } . فرض الصيام على أمة الاسلام فى شهر شعبان للسنة الثانية للهجرة ، وقد صام الرسول ﷺ شهر رمضات تسع سنوات ، ورمضان أحد أركان الاسلام الخمس ، قال ﷺ ” بني الإِسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن إستطاع غليه سبيلا ” قال تعالى ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ ، وقال } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { أى كما كتبه الله على الأمم قبلكم .
زى ما أمثالنا الشعبية بتقول ” كل وقت وله آذان ” دايما عندما يهل علينا شهر رمضان نقول : رمضان زمان ولا دلوقتى ، وعمليه المقارنة أو المقابلة بين القديم والحديث لاتقتصر على رمضان وحده ، ووإنما على أشياء كثيرة فى حياتنا ، وعلى مايبو أننا شعوب دايما نحن للقديم ، ونتغنى بالماضى ، وقديما ألهم الشاعر السودانى ” الهادى آدم ” أم كلثوم بهذا البيت ” قد يكون الغيب حلواً .. إنما الحاضر أحلى ” فى قصيده ” أغدا ألقاك ” !!
وبالعودة مرة أخرى للسؤال : هل رمضان من زمن فات إختلف عن شهر رمضان الآن ؟
نعم : قد يكون مختلفا فى التفاصيل ، إنما المظاهر أعتقد أنها واحدة . قديما على سبيل المثال كنا أكثر لمة وأكثر فى صلة الأرحام والتزاور ، وكانت سهرات رمضان تجمع الأسرة الواحدة والأهل والجيران والأصدقاء والأحباب .. إلخ . قد يكون هذا الطقس إختفى من جياتنا اليوم ، إضافة إلى أشياء أخرى كثيرة ، ولكن رغم ذلك كان شهر رمضان ومازال واحدا من أهم الشعائر الدينية التى يحرص المصريون عليها ، منذ أيام الدولة الفاطمية وحتى اليوم ، نحن ننتظر شهر رمضان كل عام بفرحة عارمة وبعادات وتقاليد قل أن توجد عند غيرنا من الشعوب الأخرى ولذلك تجدنا نقول دوما ” رمضان فى مصر حاجة تانية والسر فى التفاصيل ” .
الجميل حقا ما نقرأه فى كتب التاريخ عن مصر فى الدولة الفاطمية وعن مظاهر وعادات وتقاليد الاحتفال بهذا الشهر الكريم مثل ” موكب رؤية الهلال ” عندما كان قاضى القضاة يخرج لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة كشهود ومعهم من يحمل الشموع والقناديل والفوانيس التى تنير لهم الطريق ، ويشاركهم ” المحتسب ” وكبار التجار ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف ، أما مكان الرؤية هو منارة مدرسة السلطان قلاوون ، وإذا ماتحققوا من الرؤية أضيئت الأنوار على الدكاكين وفى المساجد والمآذن ، وبعدها يخرج موكب قاضى القضاة تحف به جموع الشعب حاملة المشاعل والشموع والفوانيس إلى أن يصل إلى داره .
وفى عصر الدولة العثمانية إنتقل موضع إستطلاع الهلال إلى مكان مرتفع بجبل المقطم ، إلى أن أنشأ مرصد القلعة فى عصر محمد على باشا فى عام 1838 ، كما نقل المرصد إلى العباسية ” وأصبح ” الرصد خانة ” ثم فى عام 1902 إنتقل إلى حلوان ” مرصد حلوان ” وهو موجود حتى الآن ، واليوم أصبح أمر إستطلاع هلال شهر رمضان فى يد دار الافتاء
مرورا بتفاصيل أخرى كثيرة حفلت بها مصر منذ أيام الفاطميين ومن جاء بعدهم وإستمرت حتى اليوم ومنها ” موائد الرحمن ـ وفانوس رمضان ـ والزينات فى الشوارع والبيوت .. إلخ . كما تفردت مصر عن غيرها من البلاد الإسلامية بعدة عادات رمضانية من أشهرها ” المدفع ــ والمسحراتي ــ والأغنية الرمضانية ” التى إستعرت منها العنوان ” جيت يارمضان ” ويبدو أن جو رمضان الروحانى قد فتح شهية الشعراء و المؤلفين و الملحنين قديما وحديثا من أجل الترحيب به . فأغنية ” وحوي يا وحوي” التى كتب كلماتها حسن حلمي المنسترلي و لحنها أحمد الشريف و غناها أحمد عبد القادر و رددتها الأصوات من بعده . هي أشهر أغنية و أقواها تأثيرا على أذن المستمع المصري و العربي و هي ببساطه إشارة البداية للترحيب بالشهر الكريم .
وإلى جانب “وحوي يا وحوي” هناك أغاني كتيرة ارتبطت بشهر رمضان و منها ” رمضان جانا ” التى غناها محمد عبد المطلب و ” حالو يا حالو ” التي ارتبطت بشهر رمضان في منتصف القرن الرابع الهجري لما كان جوهر الصقلي وزير الخليفة المعز بيستقبل موكب الخليفة من شارع بين القصريين إلى خارج القاهرة و كان الأطفال يرددوها ترحيبا به عند قدومه و ” أهوه جه يا ولاد ” التى غناها الثلاثي المرح و ” بشراك يا صايم ” لـ محمد فوزي و ” يا بركة رمضان ” لـ محمد رشدي و أغنية ” جيت يا رمضان – مرحب شهر الصوم ” لـ كارم محمود وأغنية صباح “رمضان قال احمدوه” وأيضا من الأغاني التي ارتبطت بنهاية الشهر ” والله لسه بدري يا شهر الصيام ” . والحقيقه أنها كلها أغاني جميلة لها من الذكريات التى ارتبطت في وجدانا و مشاعرنا بهذا الشهر الكريم و بقت من الأشياء المميزة له . كل عام وأنتم بخير