أود فى البداية أن ألفت الانتباه لكلمة ” العظيم ” وهى صفة من صفات الله تعالى ، ولاننا شعب يحب المبالغة والتفرد فى الأقوال والأفعال نقول : نحن أصحاب أعظم حضارة عرفتها البشرية ، ونقول : حقننا أضخم إنجاز فى التاريخ فى مجال كذا ، ولدينا أطول نهر فى العالم ، وإحدى عجائب الدنيا السبع القديمة ، وهكذا نحب أن نقول أننا أصحاب أكبر أى حاجة فى العالم ، حتى وإن كانت ” باذنجانه ” إنها الـ ” نرجسية ” فى أبهى صورها ، ورغم ذلك قد تكون مطلوبة أحيانا ، ولما لا إذا كانت أمثالنا تقول ” الغجرية ست جيرانها ” !!
وبالمناسبة ” النرجسية ” ليست حكرا علينا وحدنا فقط ، فهى منتشرة أيضا فى منطقتنا العربية عموما ، ولقد فرغت لتوى من قراءة خبر عن ناقة ” خزامة ” السعودية التى تم تحنيطها بعد أن نفقت لـ أنها الـ أغلى فى منطقة الخليج ، خاصه إذا علمنا أن سعرها قد تجاوز الـ ” ثمانية ملايين دولار ” ، وإماراتى يشترى ناقة الـ أغلى فى العالم ، وأغلى فحل ، وأجمل تيس ، وملكة جمال المعيز .. إلخ ، وهنا يحضرنى مثل تداول بأكثر من رواية : قال له إبنه علمني الهيافة يابا .. قال له يابني تعالي في الهايفة واتصدر . وقيل علمنى النطاعة يابا ، وإبن جحا قالها علمنى الرزالة يابا ، والإجابة دوما ” تعالي في الهايفة أو الفارغة و اتصدر ” .
والحقيقة أننى أعتبر أن أمثالنا الشعبية هى عصارة تجارب هذا الشعب ، اـ أنها المعبر عن الواقع الذى نعيشه ، حضرنى المثل السابق عندما كنت أراقب العمل الذى يجرى على قدم وساق فى سباق مع الزمن لـ إقامة سور يحيط بمدينة مساكن الضباط فى منطقة الرماية بالهرم من جوانبها الثلاث الشمالية والشرقية والجنوبية ، كونها منطقة تجاور المتحف الكبير ، إلى هنا والأمور عادية جدا !!
الشىء الغير عادى هو التخبط الشديد الذى لايخفى على أحد فى تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف الكبير وهذا لايعد تقليلا من الجهد الضخم المبذول وهذا الـ إنجاز الذى وصف بأنه هدية مصر للإنسانية ، وتلك حقيقة لاينكرها إلا جاحد ، لكننا دوما نقول ” ليه الحلو مايكملش ” على سبيل المثال بعد أن تم الإنتهاء من توسعة طريق القيوم ورصفة وتشجيره وعمل جزيرة فى الوسط وانترلوك .. إلخ تحديدا فى منطقة الرماية وأصبحت الحياة فله ، إستيقظنا على أعمال حفر وتكسير فى منطقه ميدان الرماية ، والمنطقه المجاوره لمدينه حدائق الأهرام لـ تمديد كابلات كهرباء وخطوط للإنترنت .. إلخ ، وتركها مصيدة لحصد الأرواح دون إعادة الشىء لـ اصله بعد إنتهاء العمل ، وتنصل كل جهة عن مسئوليتها ، والأمر للأسف يتكرر عشرات المرات ، ودائما أسأل نفس السؤال : أين التخطيط ؟
وقدسبق أن ذكرت أن منطقة ” ميدان الرماية ” تم إعادة تخطيطها لـ ” ثلاث ” مرات والمحزن حقا أنه بعد الإنتهاء منها تماما جاءت “شركة حسن علام ” لـ تتسلم الموقع وتعيد تكسيره من جديد لـ تنفيذ المرحلة الأولى من الخط الرابع ” مترو الهرم ” ونفس الشىء تكرر فى المنطقة الواقعة أمام المتحف المصرى الكبير بعد أن أنفق على تطويرها ” ملايين ” ، قيل لى أن ميدان ” كونكورد ” فى قلب العاصمة الفرنسية باريس عندما تم تخطيطه وضع فى الإعتبار الكثافات المرورية لـ خمسين سنة لقدام ، ونحن لاننظر إلا تحت أقدامنا !!
كل ماذكرت ذكرنى بكاريكاتير لـ ” أحمد رجب ومصطفى حسين ” رحمهما الله عن ذلك العائد من آداء فريضة الحج وهو يدفع عربة محملة بكل متع الدنيا ومأمور الجمارك فى المطار يقول له : حمدا لله على السلامه ياحاج والحاج يضع كفه على جبهته ويقول (أخ) .. نسيت أحج !!
أعود للسور العظيم المحيط بالمتحف الكبير وأسأل : من الجهبذ الذى تفتق ذهنه لـ إقامة هذا السور الخذعبلى على غرار سور الصين العظيم ؟ وكم من المال أنفق على بناء سور بهذا الطول ؟ ولماذا من الأصل إقامة سور حول مساكن الضباط ، والمصيبة أنه كان مخططا له أن يمتد حول مدينة حدائق الأهرام وتوقف العمل بعد حفر أكثر من كيلو متر ؟ ولماذا كل هذه العجلة فى التنفيذ إن كانت العجلة دوما توقعنا فى أخطاء ، وما قصدت ما الداعى للعجلة خاصة إذا علمنا أن تكلفتها عادة ماتكون مضاعفة ، إلى جانب الـ أخطاء التى لا حصر لها ، فاكرين مثل ” عريان سنه إشتكى الخياط فى يوم ” ، ” إن شر البليه مايضحك ” . أو كما قال أبو الطيب المتنبى ” وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء ” !!
إن كان الهدف من إقامة السور هو تجميل المنطقة المحيطة بالمتحف الكبير من جهته الغربية فالهدف نبيل لكن الوسيلة ليست نبيلة بالمرة ، وكان من الـ أفضل إيجاد وسيلة أخرى لتجميل (كل) المنطقة المحيطة التى تعج بالقبح الذى ينطبق عليه المثل ” إيه تعمل الماشطة فى الوش العكر ” . أما وإن كان السور شىء متقدر أو أمرا حتميا ، فلماذ يتم تكسيته بالحجر الهاشمي الهيصم الذى ثبت بالدليل أنه ليس عملى لكون السور مجاذيا للشارع العام ، وفى منطقة صحراوية تربتها رملية وتعج بالغبار والأتربه ، أيضا كون مناخها صحراوى متطرف شديد الحرارة والبروده ، وكلها عوامل تؤدى إلى التمدد والإنكماش الذى لايساعد (أبدأ) على ثبات الأحجار على خرسانة الأعمده وتعجل من تساقطها مستقبلا ، هذا فضلا من كونها مكلفة جدا جدا ، ولا أبالغ إن قلت أن الأحجار بدأت بالفعل تتساقط قبل تسليم الموقع !!
إن الأمور فى بر المحروسة تجعل المرء فى حيرة من أمره ، من يحاسب من على هذا الإنفاق الذى يصل إلى حد السفه الغير مبرر ؟ وهل مصر دوله فقيرة ، أم أنها دولة منرفة تعانى من البذخ والفشخره الكدابة ؟
أنا أفتخر بأن مصر دولة غنية بمواردها الطبيعية التى لم تستعل بعد ، غنية بأهلها وكونها دولة شابة لديها اليد العاملة القادرة على العمل والإنتاج ، غنية بما حباها الله به من موقع متميز ومناخ وطبيعة ساجرة خلابة جعل منها قبلة للساحه فى العالم ، غنية بما وهبها الله به من نعمه الأمن والأمان والاستقرار ، وقال عنها ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ، ووصف رسولما الكريم أهلها بأنهم “فى رباط إلى يوم الدين ” ،
فقط تريد أن تخلص النوايا ، فإن خلصت النوايا صلح العمل ” دمتم فى أمان الله ” ودائما وأبدا .. تحيا مصر !!