من وقت للتانى تطل علينا وسائل الاعلام بخبر القبض على تشكيل عصابى جديد تخصص فى النصب على الموا طنين وسرقة أموالهم ، وقد تنوعت أسماءهم وإختلفت أساليبهم الـ إحتيالية ، ولكن دائما الهدف واحد هو فى النهاية ” لهف ” أموال الناس بالباطل .
أنا فى الغالب لا تزعجنى مثل هذه الأخبار فالمثل يقول ” طالما فى مغفلين .. فالنصابين بخير ” وثانيا أنا على يقين تام أن أى واحد شقيان على فلوسه عمره ما هيفرط فيها بالساهل ، وأظن والله أعلم أن أغلب هذه الأموال منبتها من حرام .
قصص وحكايات لا أول ولا آخر لها بدأت فى الثمانينات تحت إسم ” شركات توظيف الأموال ” والحقيقة أن المناخ العام وقتها كان يساعد على مثل هذا النوع من الشركات ، الفترة كانت فترة ركود إقتصادى إنخفض فيها سعر الفائدة فى الجهاز المصرفى وإرتفعت أسعار الذهب ، وشهدت سوق العقارات ركودا شديدا ، وظهر وفتها ما يسمى ب ” بالإقتصاد الإسلامى ” و ” البنوك الإسلامية ” .. إلخ وكانت هذه هى ” الخديعة الكبرى ” التى سقط فيها الخاصة والعامة ، وجاءت الفرصة على طبق من ذهب لـ شركات ” السعد ـ الريان ـ طاحون ــ الشريف ـ بدر للإستثمار .. وغيرها ” من الشركات التى إحترفت النصب .
للأسف الشديد “الدين ” كان الستار لـ عمليات النصب ، والبداية دائما بتحريم فوائد البنوك وأنها ربا ” وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ” أما الطرق الـ إختيالية فهى كثيرة ومنها تجنيد رجال الدين لـ تحقيق أهدافهم ، وظهور أصحاب هذه الشركات ولحاهم تتدلى إلى كروشهم .. إلخ ، ولأننا شعب بلا ذاكرة مرت الأيام ومات من مات أصحاب هذه الشركات غير مأسوف عليه ، وعاد من عاد منهم من مهجره مثل ” أشرف السعد ” العائد من لندن بعد غياب دام لـ 25 عاما ، لـ يخرج لسانه للناس ظنا منه أنهم تناسوا البيوت التى تسبب فى خرابها . والطريف أنه عاد لـ يغازل النظام ، وقد صدق شوقى عندما قال ” بَرَزَ الثَعلَبُ يَوماً . في شِعارِ الواعِظينا . فَمَشى في الأَرضِ يَهذي . وَيَسُبُّ الماكِرينا .. إلخ ” وهذا ليس موضوعنا .
الفترة التالية لشركات توظيف الأموال ظهرت أساليب إحتيالية مختلفة مثل النصب على راغبى السفر للخارج أو بزعم إستثمار أموالهم وهم من لقيهم الإعلام ” بالمستريح “وتحت هذا العنوان حدث ولاحرج فالعمليات تقدر بالملايين والضحايا بالمئات ، أضف إلى ذلك شركات النصب العقارى وكذلك النصب والإستثمارات الإحتيالية على مواقع التواصل الإجتماعى مثل تطبيق ” Hogg Pool ” الذى أعلن عنه مؤخرا ، أو بسرقة البيانات المصرفية ، أو الإتجار فى النقد الأجنبى ، وكذلك مايسمى ” توليد أو تخليق الدولارات ” التى إحترفها بعض الأفارقة فى مصر ، ولاننسى ” الجنية الدوار ” ونظام البيع الهرمي الذى يعمل على شكل كرة الثلج ، ناهيك عن الدجل والشعوذة والحنجل والنجل وتجارة الأعضاء ، وهناك العديد من الحيل التى تجعل المواطن فريسة سهلة لعملية النصب .
وحتى لانبكى على اللبن المسكوب هل من دروس وعبر مستفادة من تلك القصص بعيدا عن الكلام المرسل نعم .. ودعونا بداية نتفق على أن “الجهل” مازال متفشيا فى مجتمعاتنا حتى بين أوساط المتعلمين ، إلى جانب ” الاعلام ” الذى كان العامل المشترك فى تسهيل عملية النصب . ولعلنا نتذكر “تريند”عمرو أديب على وسائل التواصل الإجتماعى عندما إستضاف محمود السيسى العضو المنتدب لمجموعة صيدليات 19011 والبروبجندا المفتعلة وقتها وسريعا ماتكشف أن الموضوع برمته ” فنكوش” وكما ظهرت 19011 فجاه إختفت وضاعت حقوق الناس بعد أن أعلنوا إفلاسهم . وتكرر الأمر على ” صدى البلد ” وعلى غيرها ، وللأسف لم يحاسبهم أحد رغم أنهم شركاء فى الجريمه . أما ” مستريح ” أسوان فكانت رائحة فساد المسئولين فى قضيته تزكم الانوف .
ومن العبر أيضا أنه مازال لدى العديد من الناس” أموالا ” يحتفظون بها تحت البلاطة ، فى الوقت الذى تبذل فيه الدولة جهودها لـ تعزيز ” الشمول المالى” المتبع فى العديد من دول العالم ، خاصة وأن الإقتصاد “غير المنظور”
فى دولة مثل مصر مخيف ، فأنت كموظف لدى الدولة تدفع تأمينات وضريبة على الدخل يتم خصمها من المنبع ، أما الوضع بالنسبة لـ أصحاب المهن الخرة مثل ” البناء ـ الحداد ـ النجار ـ السباك ـ الكهربائى ـ الميكانيكى .. إلخ ” فالمسألة ” سداح مداح” ولا أحدا يحاسب أحد على دخله.. أبدا .
السباك على سبيل المثال يتقاضى 6 آلاف نظير تشطيب شقه فى يومين وقد بصل لـ 9 آلاف ، وكذلك الكهربائى ، وخدم المنازل وهؤلاء أيضا حدث ولا حرج ، فأجر الساعة الواحدة تخطى الـ 100 جنيه ، بخلاف مايحلون عليه من أكل وشرب وهدوم ، وكل ماهو مستغنى عنه فى البيت ، وفى الوقت الذى تجد فيه كل إمكانيات الدولة مسخرة لخدمة هؤلاء ” الدعم ـ والأكل ـ والمواصلات ـ وبرامج الحماية الإجتماعية ـ والمستشفيات والتموين .. إلخ ” . وهم دوما موضع شفقة على الرغم من تضخم ثرواتهم لدرجة أن الدخل الشهرى للواحد منهم قد يفوق دخل أستاذ الجامعة ، ومن أفنى عمره فى التعليم . منطق غريب سبق أن تناولته الدراما عندما كان لدينا دراما هادفة فى فيلم ” إنتبهوا أيها السادة ” للفنان محمود يس ” رحمه الله ” !!
من الدروس المستفادة أيضا أن لاتكون هذه الشريحة مقياسا لـ توسع الدولة فى فرض الرسوم والضرائب بحجة أن الناس لديها من المال الوفير ، فالكثير والله كما وصفهم القرآن ” يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ ” .
بقى أن أشير إلى أن هناك الكثير من دول العالم كل عمليات البيع والشراء فيها لاتتم إلا من خلال البنوك ولايسمح فيها للمواطن بحمل المال إلا فى حدود نسب معينة تلبى إحتياجاته اليومية ، وقد وصل الأمر إلى حد التجريم ، فإذا ما أردت شراء سيارة مثلا لاتحمل المبلغ وتدفعه للبائع ، وإنما تدفع جزء وتعطى له شيكا ببقية المبلغ أو تودعه فى حسابه عن طريق البنك ، وهكذا فالأمور خاضعة للرقابة ومعروف فيها أيضا مصدر دخل كل واحد . وأعود لـ أذكر بالمثل القائل ” بأن الطمع ضيع ما جمع .. وأن القناعة كنز لايفنى ” .
ممتاز وصحيح يا عبد الناصر. تحياتي