مظاهر البهجة تسود الكويت في عيد التحرير الثاني والثلاثين والذكري الثانية والستين  للاستقلال

اولويات القيادة بعد الاستقلال :  الوحدة الوطنية  ..ترسيخ الممارسة الديمقراطية .. مقاومة أي تدخل في الشؤون الداخلية

 – شخصيات كويتية كبيرة ساهمت في مسيرة التنمية وجهود مستمرة لتكريس المكتسبات الديمقراطية

– 1013  قرضا من الصندوق الكويتي بقيمة  22 مليار دولار بشروط ميسرة استفادت منها 105  دولة ابرزها مصر  

 – تاريخ الكويت حافل  بالانجازات الخالدة ومليء بالبطولات والتضحيات

– نداء من  الشيخ جابر فوق منصة الامم المتحدة يخاطب ضمير العالم لطرد جنود الاحتلال

– الزعيم جمال عبد الناصر يقود الجهود العربية لمواجهة اطماع  عبد الكريم قاسم   في ثروات الكويت

كتب / وصفي شاكر

 احتفلت الكويت  بأعيادها الوطنية المتمثلة في عيد الاستقلال الثاني والستين  والذكرى الثانية  والثلاثين للتحرير  ، في مظاهر مبهجة وفعاليات واسعة  لا تقتصر  على مشاركة المواطنين من خارج الكويت وداخله فقط , بل تتخلل قوات الجيش الكويتي العسكرية هذه الاحتفالات وتشارك بتقديم  عروضا عسكرية من خلال وحدات الجيش  البرية والبحرية والجوية، كما تشارك أيضاً وزارة الداخلية والحرس الوطني  بعروض مميز جنبا الي جنب مع المواطنين وطلبة المدارس والمعاهد العليا والجامعات .

 وعادة ما تتزين الكويت وتكون في أبهى صورها خلال الاحتفالات ، فتزدان مبانيها وميادينها وشوارعها التي تمتلأ باعداد كبيرة من  المواطنين والمقيمين  الذين يعبّرون عن بالغ حبهم للوطن ، والتفافهم  حول قيادتهم السياسية ، ممثلة في  الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد وولي العهد الشيخ مشعل  الاحمد الجابر الصباح  .

تحية العلم
ومنذ العام الاول لاستكمال الاستقلال  كانت الكويت تحتفل بهذه المناسبة بشكل منتظم  على امتداد شارع الخليج العربي بمشاركة مؤسسات الدولة العامة والخاصة،  لكن في العام 1985 تقرر إعداد ساحة العلم ذات الموقع المميز والقريبة من شاطئ البحر من أجل إقامة الاحتفالات ، بمساحة تقدر بنحو مئة ألف متراً مربعاً ، فيما يبلغ  مقدار ارتفاع السارية ست وثلاثين متراً .

وتبدأ الاحتفالات عادة بتحية العلم وسط حضور كبير من المواطنين ، في حين تحتشد الوحدات العسكرية في تراص منظم لتبدأ عرضها المهيب الذي يتخلله عزف الفرق الموسيقية التابعة للجيش  ، راسمة  لوحة فنية تتجلى فيها القيم الوطنية ، والاستبسال دفاعا عن الوطن.
ويشارك في العروض مشاة من قوات المغاوير الخاصة  التابعة للجيش   ، وقوات الصاعقة من الحرس الوطني ، وطلائع الفرسان من الشرطة ، وآليات وزارة الداخلية بكل قطاعاتها ، والسفن البرمائية ومقاتلات حربية مختلفة.
وبالإضافة إلى تلك القوات يأتي العرض الجوي الذي يضم مختلف أنواع الطائرات لرسم تشكيلات ثلاثية ورباعية.

ابراج الكويت

و تشارك أبراج الكويت –  احد اهم المعالم التاريخية والسياحية في البلاد – في احتفالات الكويت الوطنية باعتبارها مقصدا ووجهة سياحية مهمة ، وتشارك أيضا قرية صباح الأحمد التراثية بالعديد من الفعاليات والأنشطة ، والمتمثلة في مسابقات ، وتوزيع جوائز ، وفقرات الألعاب النارية ، والفرق الشعبية الغنائية وغيرها ، كما يشارك مركز الشيخ جابر الاحمد الثقافي ، ومركز عبد الله السالم الثقافي – وهما من احدث المشروعات الثقافية العملاقة التي اقيمت في السنوات الاخيرة – في احياء هذه المناسبات الوطنية بعدد كبير من الفعاليات الادبية والفنية والمسرحية والعروض الخاصة التي تشهدها البلاد  عادة في هذه المناسبة   .
ومن أهم مظاهر احتفالات الكويت التقليدية  بأعيادها الوطنية انطلاق مهرجان “هلا فبراير ” الذي دأبت الكويت على تنظيمه كل عام   ، متضمنا  عددا من الفعاليات ، تشمل استضافة  مجموعة كبيرة من الفنانين والفرق الغنائية والمسرحية من مختلف الدول العربية ، إضافة إلى مهرجانات التسوق ، والمسابقات ، والفعاليات الثقافية والفنية المختلفة التي امكن اقامة بعضها هذا العام .
وثيقة الاستقلال
ولم تأت  كل مظاهر الاحتفال بالأعياد الوطنية الكويتية من فراغ ، بل صنعها تاريخ حافل بالأحداث ،  فالكويت  دخلت مرحلة جديدة من تاريخها يوم 19 يونيو 1961 حين وقعّ الامير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح وثيقة الاستقلال مع  المندوب البريطاني بالخليج العربي نيابة عن حكومته.
وبموجب هذه الوثيقة الغيت اتفاقية 23 يناير 1899 التي وقعها الشيخ مبارك الصباح مع بريطانيا في ذلك الوقت لحماية الكويت من الاطماع الخارجية ، وبإلغاء تلك الوثيقة أُعُلنت  الكويت دولة مستقلة ذات سيادة .
والقي  المغفور له الشيخ عبد الله السالم  في هذه المناسبة كلمة قال فيها « في هذا اليوم الذي ننتقل فيه من مرحلة الى مرحلة اخرى من مراحل التاريخ ، ونطوي مع انبلاج صبحه صفحة من الماضي بكل ما تحمله وما انطوت عليه ، و نفتح صفحة جديدة تتمثل في هذه الاتفاقية التي نالت بموجبها الكويت استقلالها التام وسيادتها الكاملة “.
ونصت المذكرة البريطانية على ان حكومة الكويت تنفرد بمسؤولية ادارة شؤون الكويت الداخلية والخارجية ، على ان تظل العلاقات بين البلدين وطيدة تسودها روح الصداقة المتينة.
دعم شعبي
 ولم يكن النجاح في اصدار مثل هذه المذكرة البريطانية عملا سهلا على الاطلاق ،  بل كان عملا شاقا لا يقدر عليه إلا رجل محنك متمكن سياسيا ، ويستند الى دعم شعبي غير عادي ، وكلها كانت بعض صفات أمير الاستقلال الشيخ عبدالله السالم الصباح.
وإذا كانت معاهدة الصداقة بداية للعلاقات الكويتية البريطانية ، وخطوة من خطوات الحماية للكويت ضد القوى الخارجية ، فان عهد الشيخ عبدالله السالم «1950 – 1965» هو عهد الغاء هذه المعاهدة وإعلان دولة الاستقلال على يد «أبو الاستقلال ».
وفي 25 فبراير 1950 أعلن الشيخ عبد الله السالم فور توليه الحكم عن عزمه على اتباع سياسية ترمي الى تحقيق الوحدة الوطنية الكويتية ، وإشاعة جو ديمقراطي ومقاومة أي تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد ، وهو التاريخ الذي اختير عيدا وطنيا للكويت يحتفل به المواطنون كل عام .
وقام الامير الراحل بإجراء اصلاحات جوهرية ضمن مخططه للتنمية الاقتصادية ، ودخل في مفاوضات شاقة طويلة مع شركة نفط الكويت نتج عنها في أواخر عام 1951 الاتفاق على رفع نسبة العوائد النفطية الى 50 في المئة من الارباح الصافية ، كما شهد عهده زيادة في ملامح  ارتباط الكويت بشقيقاتها العربيات ، بل وأصبحت تعيش كل قضايا العرب قولا وفعلا على المستويين الرسمي والشعبي.

تأييد مصري

 وبمجرد أن نالت الكويت استقلالها ، واستكملت سيادتها سارعت الى الانضمام الى الجامعة العربية في 20 يوليو 1961 ، وسعى الامير الراحل الى دعم الدول العربية ونال تأييد مصر التي بادر زعيمها الراحل جمال عبد الناصر بإعلان رفض اطماع حاكم العراق الاسبق عبد الكريم قاسم  في الكويت وتصدي له بقوة اجبرته على التراجع ، وتمثلت الخطوة الثانية في انشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية ، ليكون دعما وعونا للدول العربية في بناء مشاريعها المختلفة ، وحتي ديسمبر الماضي قدم الصندوق عدد  1013 قرضا بقيمة اجمالية بلغت  22 مليار دولار ، لتمويل مشاريع تنموية استفادت منها 105 دولة ، من بينها 16 دولة عربية شكلت قروضها اكثر من 50 بالمئة من نسبة القروض التي يقدمها الصندوق كان نصيب مصر فيها – وفق تصريح وزير الخارجية السابق أحمد الناصر – يقدر ب 3 مليارات دولار، منها أكثر من 13 مليون دولار منح ومعونات فنية على مدار الفترة من 1990 حتى 2020 .
وأكملت الكويت توجهها الخارجي  بالانضمام الى الامم المتحدة في 14 مايو 1963 والمنظمات التابعة لها ، لتصبح  بذلك عضوا فاعلا في المجتمع الدولي تسعى نحو السلام مع الدول المحبة للسلام والاستقرار ، وهو ما تحقق بالفعل عبر عدد من الفعاليات الدبلوماسية الاممية والإقليمية ، وكثير من المبادرات الرائدة ، ما اهلّها لنيل التقدير الدولي عبر انتخابها اكثر من مرة كعضو غير دائم في مجلس الامن الدولي ، وتسميتها مركزا للعمل الانساني الدولي ، واختيار اميرها الراحل الغفور له   الشيخ صباح الاحمد قائدا للعمل الانساني في عام 2014 .
تعزير العلاقات
ولتعزيز دور الكويت وسياستها الخارجية ، صدر المرسوم الاميري في 19 أغسطس عام 1961 ، وقضي بإنشاء «دائرة الخارجية » على أن تختص دون غيرها بالشؤون الخارجية للدولة ، وتعمل على تعزيز الروابط مع دول العالم المختلفة.
و في  1961  أكتوبر صدر مرسوم اميري بتعيين أول رئيس لدائرة الخارجية في تاريخ الكويت ، حيث تم تكليف  الشيخ صباح السالم الصباح برئاستها ،  وأعقبه في المنصب الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح الذي اصبح وزيرا للخارجية بالتشكيل الوزاري الثاني الصادر في 28 يناير 1963   ، واستمر في منصبه لمدة اربعة عقود ، استحق خلاها لقب عميد الدبلوماسيين في العالم ، وطبع ببصماته الدبلوماسية الكويتية والإقليمية والدولية سواء بسواء  .
واعتمدت  السياسة الخارجية للكويت على أسس واضحة  من الاحترام المتبادل ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، والاعتراف بحق كل شعب في اختيار نظامه الاساسي ، وانتهجت كويت ما بعد الاستقلال سياسة خارجية فذة ، يشهد برجاحتها وحنكتها العدو قبل الصديق .
قامات عظيمة
وفي ذكرى يوم الاستقلال ، فان ذاكرة الكويتيين تحفظ بكل تقدير عطاء ودور عدد من القامات الكويتية ، في مقدمتهم «ابو الاستقلال » الشيخ عبدالله السالم الذي اختط خطا واضحا يراعي دوما مصالح الكويت ، ومصالح الشعب الكويتي في بعدها العربي والإسلامي  في كل عمل او إجراء ، وكان من ابرز ملامحها إلغاء اتفاقية 1899 وإعلان الاستقلال .
وفي ديسمبر 1965 تقلد الشيخ صباح السالم مقاليد الحكم في البلاد ، حيث واصل دوره في خدمة الكويت ، فافًتتحت في عهده أول جامعة بالكويت ، وتطورت الخدمات الصحية والإسكانية والتعليمية ، وشُكلت في عهده أربع وزارات برئاسة الشيخ جابر الاحمد الذي كان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء قبل ان يتولى منصب امير البلاد في 31 ديسمبر 1977 ، وأعقبه الامير الوالد  الشيخ سعد العبد الله عام 2006 ، فالشيخ صباح الاحمد الذي وافته المنية اواخر  سبتمبر 2020  ،  ليتولي حضرة صاحب السمو  الشيخ نواف الاحمد الجابر الصباح ويزكي  سمو الشيخ مشعل الاحمد وليا للعهد   .
وواصلت الكويت دورها التنموي والسياسي كدولة فاعلة على الصعيد الداخلي والخارجي ، وافتتحت عدة مشاريع داخل الكويت وخارجها أعطتها بعدا حضاريا وتقدما على كل الاصعدة .

نهضة الكويت

 ولعل مناسبة  تحرير الكويت تذكرنا بالمغفور له الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت الراحل  الذي قاد نهضة الكويت لتصبح عروس الخليج في جميع المجالات ، وقاد أيضا وبنفس الروح عملية  تحرير الكويت ، وعودتها الى أحضان أبنائها شامخة عزيزة عام 1991 .
وداخل أروقة  الأمم المتحدة وأمام العالم أجمع ، وقف الشيخ جابر الاحمد  – رحمه الله – يخاطب الجميع حول قضية بلاده قائلا : « لقد جئت اليوم حاملا رسالة شعب أحب السلام وعمل من أجله ، ومد يد العون لكل من استحقها ، وسعى للخير والصلح بين من تنازعوا ايمانا منه برسالة نبيلة يأمرنا بها ديننا الاسلامي ، وتحثنا عليها المواثيق والعهود وتلزمنا بها الأخلاق ».
ومن أبسط الكلمات تظهر أقوى المواقف ، فكان الالتفاف العالمي حول هذا القائد تصفيقا وتأييدا ، حتى عاد وطنه محررا وعاد هو أميرا معززا كريما ويتم الاحتفال بهذه المناسبة يوم 26 فبراير من كل عام والتي باتت تعرف بعيد التحرير .
كما لا تنسى  الكويت أيضا رجلا استحق بالفعل أن يُطلق عليه «بطل التحرير» ، وهو الأمير الوالد  الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح – طيب الله ثراه – ، فمنذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها الاحتلال الآثم ، استشعر الشيخ سعد نوايا المحتل في الإطاحة برأس الشرعية في الكويت المتمثل في  أمير البلاد آنذاك الشيخ جابر الأحمد ، فاتجه الى قصر الامير في منطقة دسمان مصّرا على رفيق دربه بالخروج الى السعودية.
ولولا هذا الموقف الحكيم والشجاع من الأمير الوالد لذهبت الشرعية التي توحد الشعب الكويتي تحت رايتها ، سواء من كان منهم في الداخل أو الخارج ، والتي كان لوجودها الأثر الكبير في إصرار المجتمع الدولي على الانسحاب العراقي وتحرير الكويت.
وبعد أن اطمأن الشيخ سعد العبد الله علي سلامة رأس الشرعية ، شرع في الاهتمام بتنظيم أوضاع الحكومة الكويتية في المنفى وتحديد أولوياتها ، وعلى رأسها تأمين الحياة الكريمة للكويتيين في الخارج ، ورفع الروح المعنوية ، وتأمين حياة المواطنين في الداخل ، ودعم المقاومة الكويتية الى جانب التحرك الدبلوماسي المستمر باتجاه الدول الشقيقة والصديقة لدعم مواقفهم تجاه الحق الكويتي.

عاصمة المصالحات

 اما امير الكويت  الراحل الشيخ صباح الأحمد – طيب الله ثراه –   ، فكانت  له صولات وجولات في الحفاظ على استقرار وأمن الكويت ، و قاد جهودا دبلوماسية كبيرة على مستوى العالم لإنهاء الاحتلال ، وهو أيضا الذي رفع علم الكويت في الأمم المتحدة ، وهو من حفظ الكويت من المؤامرات والفتن ، وامتدت جهوده للوطن العربي والإسلامي أجمع ، فبذل جهودا عديدة للتقريب  و المصالحة بين الفرقاء ، وحرص على وحدة الدول العربية ، وعلى كيان مجلس التعاون الخليجي من أي محاولات لتصدعه ، ولم يكف عن تبني المبادرات الانسانية  ، لإغاثة الشعوب الشقيقة والصديقة المنكوبة سواء في دول افريقيا او سوريا او العراق، فضلا عن متابعة قضايا وهموم الوطن العربي وفي القلب منها قضية فلسطين ، وكانت جهوده لرأب الصدع بين دولة قطر والرباعي العربي ” مصر والسعودية والإمارات والبحرين ” اخر ما قام به في هذا الصدد ، وقطع فيها شوطا كبيرا ، وشاءت ارادة الله ان تتوج هذه الجهود بالنجاح وتتم المصالحة الكاملة في قمة العلا التي استضافتها المملكة العربية السعودية منذ عامين ، والتي اُطلق عيها اسم الشيخ صباح الاحمد تقديرا لهذه الجهود ، جنبا مع جنب مع السلطان قابوس بن سعيد .
 ويحرص الشيخ نواف الاحمد امير دولة  الكويت ، يدا بيد مع الشيخ مشعل الاحمد ولي العهد ، على مواصلة البناء على الاسس التي استقرت علي مدار العقود الماضية موليا اهمية كبيرة لتكريس المكتسبات السياسية والاقتصادية التي تحققت ، فضلا عن قيادته الحكيمة للبلاد للنجاة من جائحة الكورونا .
هنيئا للكويت الشقيقة بأعيادها ، وهنيئا لها ولشعبها الشقيق بقادتها واستقرارها  .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.