تناولنا في المقال السابق أهمية التمسك بمجموعة من الحزم الإقتصادية والإجتماعية ، والتكيف مع ما يمر به العالم من أزمات مالية واقتصادية متعاقبة ومعقدة ،على راسها تأتى مشكلة التضخم ، والطاقة ، وإختلالات سلاسل التوريد العالمية ، وتم إستعراض بعض الحلول الداخلية، وسيتم تناول بعض الحلول الخارجية خاصة بعد أن
قدرت الحكومة تكلفة الأثر المباشر للحرب الروسية الأوكرانية على موازنة البلاد بنحو 7.1 مليار دولار سنويا، وهو تقدير قد يزيد بعد كارثة زلزال كهرمان مارعش فى تركيا وسوريا ، والذى سيلقى بظلاله على الإقتصاد العالمي. ومع إيماننا بأن إصلاح الإقتصاد المصري، ومعالجة الأزمة المالية لا يتطلبان بيع أصول الدولة ، ومنها قطاعات إستراتيجية مثل الموانئ والبنوك ، لكن يتطلب مع ذلك حسن إدارة الموارد ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي، مع تنشيط الإستثمار وإعادة بناء القاعدة الصناعية، والعمل على زيادة الموارد الدولارية خاصة من الصادرات والإستثمارات المباشرة وتحويلات المغتربين في الخارج ،والسياحة،ومع اليقين بأن الأزمة الإقتصادية العالمية التى ضربت إقتصاديات دول العالم، من أهم العوامل الخارجية القوية التى كانت لها تأثيراً واضحاً على أداء إقتصاديات دول العالم ومنها الإقتصاد المصرى ،حيث ساهمت الأزمات المتلاحقة فى حدوث أزمة سيولة فى الإقتصاد المصرى، بالإضافةإلى أزمتى الركود وأزمة العملة وغيرها من الأزمات ،
وهنا لا بد أن ندرك أننا نتحدث عن أسوأ أزمة يمر بها العالم بأسره منذ عشرينيات القرن الماضي، أي منذ ما يقرب من
100 عام، والبعض ذهب إلى القول بأنها لم تحدث منذ الجفاف الذي أصاب العالم، والبعض الآخر يرى أنها لم تحدث
منذ الحرب العالمية الثانية، وهي فترة ليست بالقصيرة، وقدرت خسائر الأزمة الراهنة على مستوى العالم كله بما
يقرب من 12 تريليون دولار في الناتج الإجمالي العالمي. وفى المقابل نجد أن حجم الدين العام على مستوى العالم
شهد تفاقما واضحاً بسبب الأزمة الراهنة،وأن الدين العام على مستوى العالم زاد بنسبة 351%، حتى وصل حجم
المديونية على الحكومات على مستوى العالم إلى 303 تريليونات دولار، كما أصبحت دول في حالة مديونية حرجة
بالفعل، وذكرت التقارير الدولية أن 60% من بلدان العالم الأشد فقرا أصبحت في حالة مديونية حرجة، كما أعلنت
بعض الدول عدم قدرتها على سداد التزاماتها، فضلا عن أن 80% قيمة ما تمثله مديونية الأسواق الناشئة، وأصبحت
تمثل قيمة كبيرة من حجم الدين العالمي، إن إطلاق حزمة من الحوافز المتنوعة والجديدة، تتضمن حوافز خاصة
بقانون الاستثمار، وحوافز خضراء، وحوافز الإستثمار في القطاع الصحي، فضلاً عن تفعيل الرخصة الذهبية، التي يقوم
رئيس الوزراء بإصدارها رخصة واحدة تجُب كافة الموافقات والإشتراطات المصدرة من جهات أخرى. مع التركيز على
إصلاح خمس منظومات تشمل:منظومة التشريعات: تسهيل التشريعات وتبسيطها وتوحيدها.ومنظومة الأداء
الحكومي: تيسير المعاملات الحكومية، وتحديد دور الدولة.ومنظومة اللوجستيات: تحسين كفاءة النقل واللوجستيات
لخدمة المواطنين ومجتمع الأعمال. ومنظومة التمويل: مواصلة تعميق الشمول المالي، وتيسير وتنويع الحصول على
الخدمات.
ومنظومة الديموجرافيـا وخصائص السكان:تطوير التعليم والمنظومة الصحية، مع تعزيز الحماية الاجتماعية لتنمية
الأسرة المصرية. لذا فإن تفعيل الحوافز الخاصة بقانون الإستثمار ، مع السعى لإغتنام الفرصة ، والدخول بقوة فى
عملية إعادة إعمار كلا من تركيا وسوريا والتى قد تزيد عن ٢٠٠ مليار دولار ،عبر توظيف كل الإمكانيات سواء بنية
تحتية أو توافر مصادر الطاقة أو حتى توسط الموانئ المصرية،علاوة عن قرب مصر من كل الأسواق
المستهدفة،فالنجاح فى جذب الاستثمارات له وجهان هما توفير العملات الدولارىة، وزيادة الإحتياطى الأجنبى
وتوسيع الرقعة الصناعية أفقياً،وزيادة المصانع القادمة من الخارج ما يؤدى إلى مضاعفة الضرائب التى تمثل ٨٠٪ من
إيرادات الموازنة فى مصر، مع تعظيم القدرة على جذب الصناعات التصديرية، ويمكن إستغلال نقص سلاسل الإمداد
فى العالم فتستطيع مصر من خلال مقوماتها التى تم تأسيسها فى السنوات الماضية أن تغتنم بعض الفرص. لذا
يجب أن تتجه مصر بخطى متسارعة نحو الاقتصاد الأخضر، مع السعى نحو الدخول في تكتلات إقتصادية،لإيجاد الحلول
للأزمات الخطيرة التي يمر بها العالم. والمشكلات الكبرى التى لا يمكن مواجهتها إلا عبر سلسلة من التكتلات
المتصلة ببعضها بعضاً. فالعالم الآن لا يتحمل بالفعل مواجهات سياسية بين الدول المؤثرة في الساحة العالمية،
فكيف الحال بمواجهات عسكرية لن تأكل النمو وترفع الغلاء وتزيد الفقر وتبقي الإمدادات في خطر متواصل فحسب،
بل ستدمر مكتسبات كثيرة؟ والتجمعات بما فيها تلك التي لا ترتبط سياسيا سيكون لها دورها الرئيس في تعزيز
التعافي، وإنقاذ قطاعات اقتصادية متعددة مهددة، في هذه المرحلة العالمية الحرجة. فالنمو السريع للتكتلات
الإقتصادية الإقليمية في عالم لا توجد فيه حدود أو فواصل تمحي الكيانات القطرية، فالتكتلات الاقتصادية الإقليمية
الجديدة بطبيعتها المتعددة الأطراف ،و تشابك العلاقات الإقتصادية والسعي إلى تحرير الإقتصادي ،وتعدد الروابط
المالية والتجارية، فإن الأزمات الإقتصادية المعاصرة لا تستثني هذه التكتلات دون أن تكون منعزلة عن تأثيرها بشكل
عميق أو بسيط على حسب درجة الروابط الإقتصادية ، وبما ان الازمات بطبعتها آفة تصيب النشاط الإقتصادي، لكن
هذا لا ينفي إمكانية التكتلات الإقتصادية التصدي لها و تعزيز مسيرتها التكاملية.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام