الدكتور علاء رزق يكتب : قبل فوات الأوان

الدكتور علاء رزق
تتداعى الزلازل علينا الآن ،كما تتداعى الأكلة على قصعتها ويزيد الأمر سوء زيادة حدة التصارع ،والإنقسام مع بعضنا ،أكثر من إحساسنا بحاجتنا الى التضامن والتعاون المستمر ،نعيش اليوم مع الزلزال المدمر الذي ضرب كلا من تركيا وسوريا فجر الإثنين الماضي.
الزلزال العنيف الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا،كان مدمراً جدا ،وخلف خسائر هائلة ، والسبب مجموعة من العوامل تتمثل في توقيته،وموقعه ،وخط صدع هادئ نسبياً منذ قرنين، ومبان مشيدة بشكل سيئ جداً لم تراعى الطبيعة الجيولوجية لهذه المنطقة ، هذا الزلزال قد يكون أحد أكثر الزلازل تسببا في وقوع ضحايا خلال السنوات العشر الماضية، حيث تسبب في صدع وإنهيارات إمتدت لما يزيد على 300 كيلومتر بين الصفيحة الأناضولية والصفيحة العربية،
فتح هذا الزلزال المدمر التساؤلات حول تاثير ذلك على الخريطة العالمية بكل أشكالها، السياسية، والإقتصادية،والإجتماعية والعسكرية، وبالتالي سوف يصبح له تأثيرات وتداعيات خطيرة في المستقبل لاسيما وإنه لم يحدث فى اطراف العالم كاليابان او لوس أنجلوس،بل فى قلب منطقة التوترات والصراعات العالمية ،فى منطقة الشرق الأوسط التى تستحوذ على اكثر من 60% من مجمل الصراعات العالمية، وهو ما يعكس اهمية تتبع التداعيات الخطيرة التى قد تحدث مستقبلاً ، كما يأتى هذا الزلزال في وقت عصيب، حيث تواجه كلا من تركيا وسوريا أشد أزمة إقتصادية في تاريخهما، حيث بلغ التضخم أكثر من 80% وإنخفضت العملة المحلية لهما بصورة غير مسبوقة، وبخاصة على الجانب التركي الذي يعاني من عجز تجاري بأكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة للأزمات العالمية المتعاقبة، وتزامن معها تقاعد مبكر لاكثر من 2.3 مليون عامل، وتشييد أكثر من نصف مليون منزل للأسر ذات الدخل المنخفض، وتأمين ما يقرب من 4 مليون لاجئ سوري، أما على الجانب السوري فقد إنخفض الناتج المحلي الاجمالي لأكثر من النصف على مدار السنوات العشر الماضية، لتصبح سوريا من اكثر دول العالم فقرا، القراءة الأولية تشير إلى إن هذه المؤشرات سوف تتضاعف ثلاثة مرات على الأقل في أعقاب هذا الزلزال المدمر. الإحصائيات العلمية تقرر أن التكلفة المبدئية لا تقل عن 150 مليار دولار ، (60 قوة بشرية ، 50 مبانى وإنشاءات ، 40أصول غير ملموسة) حيث تبلغ تكلفة وفاة الشخص الواحد 1,25 مليون دولار ، ومع عدد قتلى لن يقل عن 30 ألف قتيل ، وضعفهم مصاب ، وعشرين ضعف مشرد . هذا الزلزال الذي قدرت قوتةبحوالى 7.9 درجه بمقياس ريختر ،يعادل 130 قنبلة نووية، وهو يعني بكل المقاييس مدى حجم هذه الكارثة الضخمة . تداعيات الزلزال تتمثل أيضاً في مدى التأثير على مؤشرات الإقتصاد التركي الكلي، خاصة فى ظل وجود عجز في الحساب الجاري التركي وعجز في الموازنة، وتقلص في نمو الناتج المحلي، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع حجم الاقتصاد في البلاد،مع إعتبار أن إخراج بعض المناطق، التي أعلنت فيها حالة الطوارئ من النظام الاقتصادي، سيكون له انعكاس كبير على قطاع حيوي تم التركيز عليه خلال النموذج الاقتصادي التركي الجديد، ألا وهو نمو الصادرات.والتى تعتبر أحد اهم ملامح الإقتصاد التركى حيث تعدت قيمة الصادرات التركية العام الماضي 254,4 مليار دولار ،وهو هدف لمحاولة علاج العجز فى الميزان التجاري الذي زاد الى 153% اما كان قبل ذلك ووصل الى 100 مليار دولار تقريبا صعوبه المواجهه كانت السبب ارتفاع اسعار الطاقه والسلع الاوليه عالميا مع تضخم هو الاكبر منذ ربع قرن في تركيا.
ومما لا شك فيه أن الكوارث الطبيعية تترك اثارا كبيرة على الإقتصاد العالمي وسط خسائر بشرية هائلة، وأخرى
إقتصادية فادحة، الكوارث الطبيعيه تؤثر فى الاقتصاد أكثر من أى قطاعات أخرى ، لذا جاء الزلزال الذي ضرب تركيا
وسوريا مؤخراً ليسلط الضوء على حجم الخسائر الإقتصادية، فزلزال توهوكو في اليابان 2011 قدرت خسائره
الإقتصادية ب 210 مليار دولار، الآن تواجه تركيا تحديدا وهي أحد أكبر 20 إقتصاد عالمي كارثة طبيعية، خاصة وأن مركز
الزلزال إقترب من إحدى عواصم الإنتاج والصناعة في تركيا وهي مدينة غازي عنتاب التي تحتضن الآف المصانع
والشركات والتي توقفت تماماً بعد الزلزال، والتي ندرك معه ان توابعه الإقتصادية أكبر مما نتخيل ليس على تركيا
وسوريا فقط ولكن على مستوى العالم الذي يتجه إلى تباطؤ إقتصادي، وتقلص فى حجم التجاره الدولية .ومع إندفاع
كثير من الدول لتقديم يد العون لسوريا وتركيا، لكن تبقى حساسية الطبيعة للصراع في سوريا وتركيا، والمتداخل مع
قوى إقليمية ودولية آخرى، مما يجعل للتداعيات السياسية تاثير مهم في ديناميكية العلاقة في المنطقة، تلك
المنطقه التي تتميز بالكثافة السكانية العالية، وإنخفاض الدخل لقطاعات عديدة بها ،بل ودخول المنطقة السوريه
ضمن أقل المناطق دخلا في العالم، الدراسات العلمية الحديثة والتي شملت 185 دولة خلال نصف القرن الأخير تؤكد
على حقيقة مفزعة يجب ان يتنبه لها العالم الآن، وان يستعد للقادم الذي يبدو أنه صعب، ويحمل الكثير من المخاطر
والتحديات ،خاصة على الدول المتقدمة التي ستجد نفسها تعاني من صعوبة حقيقية في مواجهة تحديات الطبيعة وما ستفرزه من تسونامي بشرى . فالدراسات العلمية تؤكد أن الزلازل تزيد من شدة الصراعات الموجودة، وتفجر
صراعات غير قائمة، ويزداد الآمر سوءاً عندما تزيد قوة الزلازل عن سبع درجات بمقياس ريختر ، وعندها يضرب مناطق
ذات كثافة سكانية عالية، ومنخفضة الدخل، والأخطر أن الزلازل قد لا يتحقق معها توحيد المجموعات إلا في المناطق
التي تشعر بوحده الهدف والمصير المشترك، لكن لسوء الحظ ان الزلزال السوري التركي يقع بين صفيحتين مختلفتين
الصفيحة العربية ،والصفيحة التركية، مما يؤكد ويحقق نتائج العلماء بأن الزلزال القوي قد يحفز الصراع داخل الدول من
خلال إحداث ندرة في الموارد الأساسية وهي أساس المشكلة الإقتصادية محلياً وعالمياً، فالوضع في المنطقة
المحيطة بالزلزال سوف يكون ساحة للتغيير، بل وتغيير الخريطة الإقليمية، والعالمية فالحزب الحاكم وهو حزب الحرية
والعدالة في تركيا قد جاء على خلفيه زلزال 1999 الذي خلف 17 ألف قتيل بسبب عدم قدرة الحكومة التركية في
ذلك الوقت على وضع قواعد بناء لتأمين المباني من التأثر بالزلازل القوية، وبالتالي فإن هذا الزلزال والذي جاء قبل
الإنتخابات المقررة في 14 مايو المقبل سيحمل الكثير من المخاطر والتحديات أمام الحكومة التركية الحالية، ومدى
قدرتها على الوفاء بهذه القواعد الخاصة بالمباني، والتقليل من حجم الكارثة، أعتقد ان الأمور ستتغير بسبب فشل
هذه الحكومة على تطوير إستراتيجية وطنية للتعامل مع الزلازل على المستوى الوطني، لا سيما بعد ان قام الرئيس
اردوغان بوصف صناعة البناء بأنها جوهرة تاج الإقتصاد التركى، لذا نعتقد ان الشعوب في هذه المناطق ستطالب
بتحقيق شامل حول أبعاد هذه الكارثة، وعلى الرغم من حشد هذه المأساة لكثير من الدول بما فيها الدول التي
توترت علاقاتها بتركيا وسوريا، فإن ذلك يعد إستفادة يجب تطويعها لتحقيق التضامن الدولي، وتقليل حدة التوترات
الإقليمية فى المنطقة، والعمل على تنمية العلاقات بين الدول بما يسمح بتحقيق المصالح المشتركة ذات التوازن
النفعى الثنائي، وعدم التدخل في الشان الداخلي الدول . الدول المتقدمه لا شك فى أنها سوف تواجة صعوبات في
عملية الجذب الإستثماري طويل الاجل بسبب إحتمالية تعرضها لأكثر من عاصفه زلزالية مرتقبة،وسوف تترقب
الأسواق تبعات الزلزال، خاصة بعد أن وصلت الليرة التركية، التي تتعرض لضغوط بسبب قوة الدولار والمخاطر
الجيوسياسية، إلى مستوى منخفض قياسي جديد أمام الدولار في التعاملات المبكرة.
وحسب التوقعات العلمية فمن المتوقع حدوث مزيد من الهزات الإرتدادية للزلازل في أعقاب الصدمة الرئيسية للزلزال
الكبير، ربما في الأسبوعين المقبلين أو حتى الأشهر المقبلة ، وأن توابع الزلزال يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الوفيات،
لاسيما وأن قوانين البناء في تركيا ودول المنطقة لا ترقى إلى مستوى تحمل الزلازل كما هو معمول به فى اليابان ،
مطلوب الآن وقبل أى وقت مضى ضرورة التأكيد على أهمية الدعم الإنساني لمجابهة حوادث الظواهر الطبيعية بما
يسهم في دعم علاقات الترابط والتآخي بين الشعوب لتجاوز المحن.
وأن هذه المرحله وحده تضامن دولي يجب إستغلالها لإنهاء الكثير من أدوات الصراع التي كلفت الإنسانية الكثير من
التشتت والإنقسام، وإنعكست على إنخفاض مستوى المعيشة والدخول لمعظم شعوب العالم
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.