في ظل السعي نحو تحقيق الأهداف المصرية الرئاسية عبر تحقيق 100 مليار دولار صادرات سلعية غير بترولية، والوصول بالناتج المحلي الإجمالي المصري إلى تريليون دولار، فقد شكلت جولات الرئاسة المصرية ،التوجة نحو دوائر حركة جديدة، تعتبر دوائر غير تقليدية عبر إحياء التعاون مع دول تمتلك تاريخاً مشتركا مع مصر ،لذا جاءت زيارات السيد الرئيس الأسبوع الماضي لثلاث دول آسيوية هي الهند ،اذربيجان ،وأرمينيا، كل دولة من هذه الدول لها لونها ، وصبغتها في رسم الخريطة الإستراتيجية المصرية القادمة، وهي أيضاً تمثل تروس لدوائر حركة جديدة بعد أن لفتت الجولة الرئاسية الأنظار عبر مجموعة من التساؤلات ،عما إذا كانت هذه الزيارة تمثل نوعاً من الدبلوماسية قد يجيدها البعض خاصة في دول الشرق الاوسط؟ أم أنها تحمل أهدافاً إستراتيجية محددة؟ والأخير هو ما نميل إليه، لأن هذه الجولة خاصة إلى الهند تأتي بالتوازي مع ما تمر به العلاقات المصرية الباكستانية من إيجابية على الساحة السياسية، وهي الدوله التي تمثل للهند أحد منصات التحدي الخارجي، هذه الدبلوماسية تأتى بالتوازي مع زيارة أرمينيا بعد أذربيجان لتعكس الرغبة الدبلوماسية المصرية في ضبط الموقف المتأزم بينهما على منطقة ناغورنو قرة باغ ، لذا تاتي الدوافع المشروعة لدوائر الحركة المتجددة المصرية في ضبط إيقاع التوازنات الإقليمية والدولية عبر : أولاً: التوجه نحو الإنخراط في التحالفات الإستراتيجية والأمنية الدولية القائمة عبر التحرك في دوائر غير تقليدية في هذه المرحلة تحديداً بهدف تنشيط تلك الدوائر وتدشين ما نسمية بدبلوماسية التنميه في وقت نتعرض فيه لضغوطات إقتصادية،والسعى إلى معالجة إصلاحية لمجموعة الإختلالات الهيكلية التى قد تبدو أنها مزمنة. ثانياً: التأسيس لشراكة إستراتيجية في منطقتين محل إهتمام عالمي الآن هما جنوب آسيا، ووسط آسيا، من أجل الوصول الى مجموعة من المكاسب السياسية والإقتصادية .
فعلى المستوى السياسي تسعى مصر إلى إقامة علاقات متوازنة مع القوى الفاعلة تقوم على تحقيق المنافع المشتركة، وعدم التدخل في الشان الداخلي، وهو ما يؤكد ما قاله وزير الخارجية الأمريكي في زيارته للقاهرة هذا الأسبوع لتسوية الأزمة الفلسطينية، من أن مصر من الشركاء الفاعلين فى المنطقة.
ايضاً تسعى القاهرة إلى إستعادة لقوة وزخم الملفات التي تاخرت في علاقات مصر بدول العالم خاصه دول القارة الآسيوية،مع ترسيخ لسياسة الإنفتاح المصرية الخارجية على كل المدارس، وخاصه القوى الصاعدة مثل الهند، ويتطلب ذلك ضرورة إعادة إحياء لدور مصر التاريخي في دعم مبادئ عدم الإنحياز ،خاصة في ضوء حالة الإستقطاب التي يعيشها العالم الآن، على واقع التجاذبات بين القوى السياسية الكبرى، ويبقى إصرار مصر على التأكيد على تعاظم درجات الوعي على مستوى فئات المجتمع حول القضايا المتصلة بالأمن السيبراني وضرورة إضافته إلى قائمه الأولويات القومية في إستراتيجية الدولة المصرية ليخدم عمليه الإصلاح الإقتصادي الثانية، وأهداف الجمهورية الجديدة المرتكزة على الثورة الرقمية والتكنولوجيا كاساس لبناء نظام اقتصادي يعبر عن تطلعات مصر لما بعد 2030، ويكون ذلك عبر التصدي للدول التي تسعى إلى الهيمنة على الفضاء السيبراني، وهو ما يمثل تحدي كبير يعوق عملية الوصول إلى المعلومات اللازمة لمواجهة كل أشكال حروب الجيل الرابع التي تقوم على حملات التضليل، والإشاعات الكاذبة، لذا جاءت جولة
السيد الرئيس إلى هذه الدول ، وتحديداً إلى الهند لما تمتلكه من إمكانيات هائلة في مجال تكنولوجيا المعلومات والفضاء السيبراني.
وأما فيما يتعلق بالمكاسب الإقتصادية فتكمن في إصرار مصر وبالتعاون مع هذه الدول الثلاث على مواجهة أزمة الأمن الغذائي
العالمية، وتقلص سلاسل التوريد فيها، وهو ما مثل تحدي كبير خاصة أمام دول العالم النامي،والتي تبحث عن مواجهة مشكلة الفقر
،والجوع ،عبر التسريع بوتيرة التعاون التكنولوجي المرتبط بمجالات الغذاء والزراعة والطاقة والصناعة أيضاً، مع الإستفادة من التجربة
الهندية الفريدة والملهمة لكثير من دول العالم النامى، والتى قامت على الإستفادة من التكنولوجيا في تحقيق الإكتفاء الذاتي من
محصول القمح الإستراتيجي لأكثر من ١,٣ مليار نسمة هي عدد سكان الهند اليوم ،بل والتوجه نحو التصدير ليمثل منعطفاً جديداً من
عوامل القوة لدى الدولة الهندية جعلتها خامس أكبر إقتصاد على مستوى العالم، بل وتسعى إلى أن تكون من أفضل ثلاثة إقتصاديات
عالمية خلال الفترة المقبلة ، وهذا يتطلب أسوة بما تم بتجمع البريكس العمل على تطبيق السياسات المالية والنقدية بما يخدم
التوجه نحو الإصلاح المالى والهيكلى ،والدخول فى تجمعات إقتصادية كبيرة في قارة آسيا، وتحديداً مع الهند التي ترأس إجتماعات
مجموعة العشرين، أو من خلال عقد لقاءات وتصورات مع مجموعة الاسيان. السعي المصري لهذه الأهداف المشروعة، يقابلة إنفتاح
مصر على العالم عبر مجموعة من المشروعات القومية يأتي على رأسها مشروع محور تنمية قناة السويس، وهو المشروع الذي
يمثل القاسم المشترك للقوى الكبرى إقتصاديا، والتى تريد الدخول إلى المنطقتين العربية والإفريقية، فالهند بإستثمارات لا تتجاوز 8
مليار دولار بواسطة 52 شركة هندية تعمل في مصر تحتاج الى مضاعفة هذه الإستثمارات بان تكون قريبة من دول القارة الإفريقية،
عبر مشروع تنمية محور قناة السويس، وإقامة منطقة صناعية هندية، أسوة بجارتها التي تسعى إلى منافساتها دوماً وهي الصين،
وهو ما تسعى اليه الهند الآن عبر الدخول في مجالات واعدة مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وصناعة البتروكيماويات
والدواء.
رغم كل هذه المكاسب فإن القيادة السياسية تسعى للتحرك في دوائر غير تقليدية لتنشيط الدوائر التقليدية ،
وتدشين دوائر دبلوماسية تنموية جديدة، حتى تستطيع التمتع بالمرونة الكافية لمواجهة الضغوطات الإقتصادية الصعبة
التي يواجهها العالم ونواجهها معه، دبلوماسية تسعى إلى خدمه العملية التنموية القائمة على جذب الإستثمارات،
والترويج للفرص الإستثمارية المصرية، مع عرض للإصلاحات الهيكلية التي أنجزتها مصر في إقتصادها خلال السنوات
الخمس الماضية لتكون عجله الدفع والمحرك الأساسي نحو دوران عجلة التنمية المستدامة. فمصر الآن فى إحتياج
إلى التكنولوجيا التي تمكنها من التنقيب على الموارد بعيداً عن إستغلال بعض الدول، والشركات ،لحاجتنا إلى هذا
المكون التكنولوجي لتستحوذ به على ثروات هي حق لهذا المجتمع، ونحن بحاجة الى عقد إتفاقيات إقتصادية
لتخفيف التعثر الدولاري ،والحد من المشتريات الدولارية لتخفيف الضغط على ميزان المدفوعات وتقليل الفجوه
التمويليه التي زادت عن 10 مليار دولار،
ولا يجب أن نغفل عن المكسب المتمثل بإعتماد البنك المركزي الروسي الجنيه المصري، بإعتبار أنها قد تساهم في
الحد من الإعتماد على الدولار الأميركي ، وموازنة الإستقطاب الدولى الراهن وتخفيف تداعياته علينا خاصه فيما
يتعلق بملفات الطاقه والغذاء والمناخ.
ما نؤكد عليه أن الجولة التي قام بها الرئيس هدفها تحقيق مصالح إقتصادية في الأساس عبر :
– تأكيد الحضور المصري في النطاق الآسيوي، وإبراز قدرات مصر التاريخية على التأثير . مع فتح نافذة للصادرات
المصرية، تحديداً مع الهند، باعتبار أنها تمتلك عدداً كبيراً من السكان، ويمكن أن تكون سوقاً مهماً لعدد من الصادرات
المصرية وهو ما يمثل تحقيق لهدف ١٠٠ مليار دولار صادرات سعلية مصرية . مع جذب الإستثمارات الهندية إلى
السوق المصرية، بما يسهم في تنمية السوق المحلي والحد من مشكلات البطالة، و إستيراد القمح من الهند لسد
العجز الناجم عن توقف الصادرات الأوكرانية من القمح تحت تأثير الحرب المندلعة هناك. وتقديم مصر كمركز إقليمي
فاعل يمكن أن يكون بوابة لأي دولة ترغب في الاستثمار في الوطن العربي أو أفريقيا.مع فتح آفاق التعاون في مجال
السياحة، وخصوصاً مع دول مثل أذربيجان وأرمينيا. وعبر تنويع علاقات مصر التجارية مع الخارج، وخصوصاً بعد اعتمادها
لفترة طويلة في وارداتها على دول محددة.
ورغم أن الأهداف السياسية للجولة تأتي في المرتبة الثانية، الا أنها تمثل توجيه رسالة مفادها أن مصر قريبة مما
يجري في العالم، وخصوصاً أن منطقة القوقاز التي تضم أذربيجان وأرمينيا قريبة من روسيا التي تخوض حرباً مع
أوكرانيا ، واستعادة زمام المبادرة في العلاقات مع دول العالم، والبحث عن الفرص المتاحة لتنمية التجارة الخارجية.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام