محمد نبيل محمد يكتب : مواجهة مع تحديات بناء الانسان (الاغتراب والشذوذ والالحاد) ..

محمد نبيل محمد
الذات القيّمة والذات الناتئة (1)
تخرج علينا ثقافات الغرب بأحدث صيحات – الموضة – من الأزياء وما علينا الا التسليم بإتباعها وتقليدها والتأسى بها دون أن نسأل أنفسنا مجرد سؤال عن مدى مناسبة هذه الازياء لعاداتنا وتقاليدنا وثقافاتنا بوجه عام, فكان المشهد الواقع أن تدلت بناطيل الشباب لتكشف أكثر ما تخفى, وتدافع الشبان لبذل العزيز من الأموال لإقتناء هذه الموضة, ولم يسأل أحد (لماذا؟) أو حتى من أين جاءت؟ ولا أقصد البحث عن المكان أو الوجهة, فهى من جهة الغرب, وقدمائنا أعلمونا أنه لا يسكن الغرب سوى الموت ولا تأتى منه إلا غربان البين, إنما القصد هنا هو: أصل الشىء – إن كان له أصل!- فكان الرد هو: أن الصبيان المخنسين بسجون الغرب كانوا يعبّرون عن كونهم ممن هم مفعولين بهم أمام الآخرين بسقوط بناطيلهم, وبهذا المسلك كان الإعلان عن شذوذهم الفاضح, ورغبتهم المعلنة فى التخلى عن رجولتهم, وقلدنا ولم نكن نعلم, ونركنا أولادنا ينشئون على تلك العادة –الشكلية- من موضة الغرب, وتناقلت ماكينات الدعاية أساليب الترويج للملابس الداخلية, وهى التى كانت جداتنا تغسلها سرا وتنشرها ليلا لتسترما يستر العورة, وتُعلمن بناتهن ذات المسلك الحيى, إلا أن فجوة ما حالت دون انتقال علم الحياء ومسالكه لحفيداتهن, فلم تُعلم الجديدات أولادهن أن الحياء للذكور كما هى العفة للإناث, تاج على الرؤوس لا يراه الا الحاقدين المحرومين منه, فتبارت وسائل الدعاية وأدواتها فى الإعلان عن الملابس الداخلية علنا والأعجب أن نظريات الترويج وآليات التسويق راحت إلى ما هو أبعد من مجرد استهداف التنافس فى زيادة المبيعات إلى إجبار الشباب على التباهى بإظهار العلامة التجارية فى خلق مظاهر تنافسية فى أن تكون مؤخرة الشباب كحوائط الدعاية, فلابد من إظهار تلك العلامة التجارية للملابس الداخلية التى أمست إحدى صور الغنى والتباهى والتميز بين الشبان, وهى نتيجة مسلسلة ومنطقية لتدلى البنطال أولًا, ويلى هذا المنظر البشع ما هو أبشع وهو: إظهار الملابس الداخلية – ثانيًا-, ونزيد من شعر الغزل غير العفيف معلقات وليس بيت, إذ نجد أنه حتى الملابس الداخلية لم تؤدى وظيفتها بالستر بل كان المراد منها هو الفضح!
واستشرى الأمر بين العموم, دون حتى تميز فى الطبقات الإجتماعية أوالمستويات الإقتصادية حتى أن التعليم لم
يشكل فارقا فى ذلك, وأدار الآباء ظهورهم أمام السيل الجارف من تلك التنازلات عن رجولة أولادهم, وبالطبع كانت
الدراما وخاصة المرقمنة تدعو إلى حرية الأبناء فى إختيار طبائع حياتهم ومسالكها, وقد حصن الإعلام تلك الحرية الغير
مسئولة, وجرّمت وسائل التواصل – التباعد – الإجتماعى مساءلة الآباء لأولادهم, الذين هم كانوا فريسة الإغتراب –
بداية- وأتذكر هنا مقولة أحد الأجداد: إن التنازل عن المبدأ الواحد يعقبه تنازل عن كل المبادىء, ولأن الآباء قد تغاضوا
جبرًا أو طواعيًة عن مسؤلية التربية فى انتقال القيم, وتوريث المبادىء, وتعليم الأخلاق المتضمّنة فى ثقافة تقاليدنا
المدنية, وعاداتنا المتحضرة, وأعرافنا الأصيلة التى تحدثت عنها أرقى أدبيات المنصفين من المستشرقين فى أن:
مصر هى مهد الأخلاق كما فى (فجر الضمير) و(مصر أصل الشجرة) وغيرهما, ومن هنا عندما غابت ألفة البيت وبَرُد
دفىء الأسرة فلا الأب يرعى ولا الأم تصون هذا الجيل المغترب فى بيته أولًا ثم تحققت أشكال الإغتراب النفسى ثم
الإجتماعى ثم الجغرافى وبالطبع كان الإغتراب الأخلاقى, فبات من السهل الترويج عن الملابس الداخلية بيانًا جهارًا
وسار التنافس فى إسقاط البنطال سبلا من الحضارة الغربية التى لا تأتى فى أخلاقها بخير!
ولا يغيب عن المنهج الأرسطى فى تشابه المقدمات بالنتائج, أنه عندما تكون مقدمات الحال هى التجرأ فى فضح
العورة بل والتباهى فى ذلك, ثم التأسى بكبار النجوم الذين يرتدون ملابس النساء – فى الساحل!- أو غيرهم ممن
تتدلى من شحمات آذانهم أقراط ما بين الحبة والنجمة والحلقة ! وعلى جلود الآخرين من هؤلاء النجوم رُسم (التاتو)
وغالت فى حد القبح لتكون صورا للتنانين الأسطورية والكتابات الأشبه بطلاسم السحرة, وصورا للمردة والشياطين,
وتلك كانت تستعمر أبدان الأبناء من منبت الشعر لأخمص القدم, وهذه القدم التى تحلت بالخلخال – وعجبا – وهذا
الشعر الذى تلون بالأزرق والأحمر كما غلمان وأغوات الدولة العثمانية! ولا عجب فى فص الشعر كما تجز الأنعام,
وتحفر على الرؤوس كما يحفر على رؤوس البقر والإبل أحرف القبائل, بل وفد يترك الشعر أشعسًا كما المجاذيب
المنبوذين, أو مجعدًا مثل تلك الدعايات الغربية الهوليودية عن صور هؤلاء القادمون من الفضاء (الذين هبطوا من
السماء!), أو يلم الولد شعره بفيونكات وربما ضفّره! وحول الرقاب عناقيد وفى المعاصم أساور تُكّمل صورة الإغتراب
الكامل عن أخلاقنا وعاداتنا وتقليدنا التى ورثناها ممن هم أصل البشر وسبب إرتقاء حضارة الإنسان,(أتحدث عن
الندرة والحمد لله).
وهنا مبعث الحقد والكراهية وتنامى رغبات الإنتقام من جانب الغرب – صراحة – وإبنه اللقيط! المنزرع فى قلب
عروبتنا.
وما بين الإغتراب إلى الشذوذ نستكمل فى القادم إن شاء الله حديث عن محاولات الهجوم بالمجاهرة من بين هؤلاء
بالذات الناتئة الشاذة, لنخوض معارك للوعى مقتضى الحال يحتم الانتصار لا محال فيها, ولنبنى أركانا جديدة فى
المصرى الجديد بعد اكتشافه لذاته وادراكه لامكاناته فى التغيير, وعلى الانسان ان يعيد تقيم ذاته ليرسم بيده
ملامحه ليست الشكلية قط وانما الباطنة أيضا, ويعود كما كان اجداده الأصل واصحاب الفعل وليس الشبه والمفعول
به!.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.