كتبت فى هذا المكان الأسبوع الماضى مطالباً الجميع وأنا أولهم بعدم الخوف على مصر ليس فقط لأن قائدها وطنى مخلص ويعى جيداً المخاطر التى تحيط بها، وانما لكونها محفوظة بحفظ الرحمن وبشهادة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وفقاً لما جاء فى العديد من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة واليوم أواصل الحديث عن مصر مستعرضاً القليل من الكثير الذى قيل عنها وعن شعبها وجندها منذ الآف السنين وحتى عصرنا الحديث، ولعل ذلك يكون خير رد على الذين يتطاولون على »أم الدنيا« ويدعون كذباً وبهتاناً أنها على وشك الإفلاس لا قدر الله، وكذلك الذين يطالبون بعدم مد يد العون لها ودعمها فى تلك المحنة والأزمة الاقتصادية التى تضرب العالم أجمع خاصة فى أعقاب جائحة »كورونا« والحرب الروسية ــ الأوكرانية، فمصر التى أنقذت كل شعوب الأرض من الموت جوعاً فى سنوات القحط العجاف وأطعمتهم من خيرها ستظل صاحبة الفضل عليهم وعلى أحفادهم إلى يوم الدين.
إنها مصر التى أنجبت »هاجر« زوجة نبى الله إبراهيم وأم النبى إسماعيل، مصر التى أشترى أحد أبنائها نبى الله يوسف ليعيش ويموت على أرضها وأتى إليها نبى الله يعقوب وزوجته وأولاده وولد فيها نبى الله موسى
وكلمه الله فى الوادى المقدس »طوى«.. وهى المرة الأولى والأخيرة التى يصل فيها صوت الله إلى الأرض ويسمعه بشر، مصر التى أنجبت »آسيا« زوجة فرعون أول إمرأة يبنى الله لها قصراً فى الجنة، مصر التى نزلت
على أرضها الطاهرة التوراة فى ألواح من السماء وأنزل الله على أرضها »المن والسلوى« لبنى إسرائيل، واختارتها »بوحى« مريم ابنه عمران وطفلها الرضيع »عيسى« هرباً من بطش اعداء الله ومكثت بها بضع سنين.
نعم ياسادة إنها مصر التى ذكرت فى القرآن الكريم خمس مرات صراحة والعديد من المرات بالإشارة دون سائر بلاد العالم، بل وهى الوحيدة التى ذكرت فى كل الكتب السماوية، مصر التى قال عنها عمرو بن العاص إن
إمارة مصر تعادل باقى دول الخلافة، مصر التى عندما حلت المجاعة بالجزيرة العربية ومات الناس جوعاً أرسل الخليفة عمر بن الخطاب يطلب الغوث من أهلها كاتباً ثلاث كلمات »واغوثاه.. واغوثاه.. واغوثاه« فيجتمع
المصريون ويقررون إنقاذ إخوانهم فى شبه الجزيرة ويرسلون قافلة أولها فى المدينة وآخرها فى القاهرة، ويدعو عمر لمصر وأهلها بالخير والنماء والرخاء، مصر التى علمت الإنسانية الطب والهندسة والزراعة والفلك
والنحت، وصاحبة أقدم الحضارات التى تعود لأكثر من سبعة آلاف سنة، وخاضت أكثر من 900 حرب على مر التاريخ لم تهزم إلا فى 12 حرباً فقط، وتم احتلالهاقرابة 900 عام منذ الهكسوس وحتى الاحتلال البريطانى
ومع ذلك بقيت مصر بهويتها العربية ونضال وكفاح شعبها ضد أى محتل أو معتد، ولم لا ومصر التى يحرسها الرحمن، حيث ورد فى الاثر إن سيدنا نوح عليه السلام لما جاء الطوفان وركب السفينة وطاف الأرض كان كلما
مر على بلدة خرج إليه الملائكه الذين يتولون حراستها ليسلمون عليه، وعندما مر بمصر لم يخرج إليه أحد فتعجب، فنزل عليه الوحى من الله »لا تعجب يا نبى الله فإن كل بلد جعلت لها ملائكة تحرسها إلا مصر فإننى
توليت حراستها بنفسى، وعندما استقرت السفينة على الأرض قال له حفيده »مصرايم ابن حام ابن نوح«، لقد آمنت بك ولم يؤمن بك والدى فادعو لى دعوة أسعد بها، فقال نوح »اللهم إنه آمن بى فاسكنه الأرض
المباركة التى هى أم البلاد وغوث العباد.. والتى نهرها أفضل أنهار ــ الدنيا، وهكذا سميت مصر باسم حفيد نبى الله نوح »مصرايم ابن حام«.
إنها مصر التى غادرها »إفلاطون« إلى جزيرة»كريت«.. فرآه الناس يتحسس رأسه فسألوه عن السبب، فقال أريد أتأكد أن دماغى مازال فى مكانه، فكاد يضيع فيها، مصر التى وصلها الإسكندر الأكبر فصاح قائلاً »أى
جنة تلك ؟!« وعندما وضع نابليون قدمه على أرضها صرخ قائلاً أى نار هذه؟! وقال عنها عمرو بن العاص إنها شجرة خضراء، وقال عنها ابن خلدون »أرى الآن مجمع الدنيا ومحشر الأمم، وحوصر فيها يوليوس قيصر فصرخ
قائلاً لن أبقى فى هذا الجحيم لحظة واحدة، وقال عنها المقدس.. إنها معجزة السلام ومتجر الأنام، وقال عنها »أبن بطوطة« انها أم البلاد، قهرت قاهرتها الأمم، وقال عنها عبدالله بن عمر : من أراد النظر إلى الفردوس
فلينظر إليها حين يخضر زرعها وتنمو ثمارها.
إنها مصر التى شكلت فيها أول حكومة عرفتها البشرية قبل خمسة آلاف عام، وقامت على أرضها أول ثورة فى التاريخ منذ ٤ آلاف عام، ووقع فيها الملك رمسيس الثانى أول معاهدة سلام فى التاريخ مع الحيثيين،
وعلى أرضها ظهر الملك اخناتون أول من دعا للتوحيد، وعلى أرضها كانت حرب السادس من أكتوبر المجيدة آخر انتصارات العرب والمسلمين على العدو الصهيونى وشهدت تدمير ودك خط »بارليف« أقوى الحصون
العسكرية عبر العصور.
إنها مصر التى عرفها المؤرخون سباقة فى كل شىء وانفردت بين كل بلاد الدنيا بالتكريم الإلهى فى القرآن الكريم، وكذلك السنه النبوية المشرفة، وكانت مصر منذ فجر التاريخ ولا تزال حتى الآن تفتح صدرها للجميع،
فيكفى إنها وسط تلك الظروف والأزمات الاقتصادية التى تضرب العالم تحتضن على أرضها قرابة 10 ملايين »ضيف« ولا أقول لاجىء من مختلف بلدان العالم يتمتعون بكافة الحقوق والمزايا التى يحصل عليها المصريون،
فصدق المولى عز وجل حينما قال على لسان نبيه »نوح« عليه السلام انها مصر أم البلاد، وغوث العباد »وستظل كذلك إلى يوم الدين إن شاء الله.