للإمام الشافعى رحمه الله قول مأثور يقول فيه ” ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا ، ضافت فلما إستحكمت حلقاتها فرجت ، وكنت أظنها لاتفرج ، والمولى عز وجل فى كتابه العزيز يقول } إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا { . الرئيس عبد الفتاح السيسى فى إفتتاح المؤتمر الأول للتحالف الوطنى للعمل الأهلى التطوعى وجه مداعبا كلامه لجموع الشعب المصرى ، وقال ” بطلوا هرى ” !!
وأنا بإعتقادى أن ” الهرى ” نوعين : هرى محمود ، وهرى مذموم ، تقريبا كما نقول نقد هادف أو بناء ونقد هدام وأعتقد أننا جميعا لدينا القدرة على تمييز الفرق بين النوعين ولاداعى للإطالة ، أما الهرى المذموم فهو تماما كالنقد الهدام ، وهو يعنى الحديث فى كل شىء وأى شىء ، بعلم أو بدون علم ، وهذا الهرى يوجد نوعا من الـ إحباط لدى المتلقى ، ويصًدر طاقة سلبية ، والإمام على كرم الله وجهه يقول ” كل متوقع آت ” .
فلا تتوقعوا الفقر ، لا تتوقعوا الجوع ، لا تتوقعوا الخراب والسقوط ، يقول تعالى ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ .
فى الوقت الذى يشهد فيه المجتمع المصرى ووسائل التواصل الإجتماعى والـ Social Media حالة من الجدل الشديد جراء حالة التضخم التى تمر بها البلاد والتى كانت سببا فى الغلاء الذى يمر به المجتمع والتى دعت البنك المركزى لـ تخفيض قيمة الجنية فى محاولة لـ إيجاد نوع من المرونة فى سعر صرف الدولار ، والقضاء على السوق السوداء ، بناءا على توصيات صندوق النقد ، والتى ترتب عليها إرتفاع سعره لـ يتجاوز الـ 30 جنيه فى السوق الرسمية ، ناهيك عن الحملة المسمومة ضد الشيخ الشعراوى رحمه الله ، ومابين تقبل ورفض تصريحات ياسمين عز فى التعامل مع الرجل ، والحرب التى تدور رحاها بين روسيا وأوكرانيا بدعم من الناتو وأمريكا ، نعيش حالة من الهرى ، وكأنما هى ” أيام نقضيها ” !! .
تعالوا نأخد دعابة الرئيس فى مؤتمر التحالف الوطنى ” بطلوا هرى ” وهو يتكلم عن حجم التحديات التى تواجه الدولة المصرية ، وحتى لاتتوه الأمور ، الناس كلها ولا أستثنى أحدا متعلما كان أو غير متعلم ، أصبح يفتى فى كل شىء ، وأصبح ” الهرى ” هو ثمة العصر ، كل واحد أصبح هو القاضى والجلاد . فى السياسة تجد كلام فى الإقتصاد ـ حتى الأمور العسكرية بقى فيها فتى وكلام ، والغريب أن من يفتى يصدق نفسه ، والويل كل الويل لك لو إختلفت معه فى الرأى أو القول ، فأنت ” مطبلاتى ” .
المشكلة أن هذا ” الهرى “فى الغالب هرى غير مفيد ، لأنه يوجد نوع من الإحباط ، فضلا من أنه يعطى الفرصة على طبق من ذهب لقوى الشر للفت من عضد الدولة ، وها نحن نرى ونسمع ما تبثه قنوات الإخوان من شائعات وأخبار مغلوطة ومضللة هدفها إثارة البلبلة ، وتصدير حاله إحباط لجموع الشعب المصرى ، وكأنما المجاعة تطرق على باب مصر .
على أرض الواقع ” الإعلام ” هوجزء من الأزمة التى تعيشها مصر ، وبكل أسف الدولة فى وادى والإعلام فى وادى تانى خالص . وإذا سألتنى عن السبب ، أقول الدولة . الدولة نفضت يدها عن إعلامها الرسمى الذى ينتظر رصاصة الرحمه ، وإكتفت بدعم ” إعلام بديل ” لايثمن ولايغنى من جوع ، إعلام يفتقد للرؤية والموضوعية ومناقشة الأمور الحياتيه التى تهم المواطن المصرى ، وغرق فى تفاصيل لاطائل ولاعائد منها ، ولما كان الرجوع للحق خير من التمادى فى الباطل ، أناشد الدولة ، أن تعطى لماسبيرو قبلة الحياة ، يرحمكم الله ، وكفانا معاندة ومكابرة .
نحن نمر بأزمة تلك حقيقة ، وهذا لايخفى على أحد ، قد تكون الحرب الروسية الأوكرانية والعجلة الحربية التى تطحن رحاها الآرض من تحتها فى شرق أوكرانيا ، والدعم الغير محدود من الناتو وأمريكا لـ أوكرانيا التى أطالت أمد النزاع ، قد ألقت بظلاها وتداعياتها على إقتصاد العالم الذى يعانى من ” ركود تضخمى ” مما حذا بدول كبرى على رأسها ” فرنسا وألمانيا .. وغيرها ” للإعلان عن إجراءات تقشفية من أجل مواجهة تداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية ، وبالقطع نحن جزء من هذا العالم ، ولابد أن نتأثر ، خاصه وأن مصر تعتمد على كلا من روسيا وأوكرانيا فى سد إحتياجاتها من ” القمح ” كسلعة أساسية .
وبعيدا عن الهرى المذموم ، فالواقع يقول : أن الدين الخارجى لمصر تضاعف أكثر من 3 أضعاف فى العقد الماضى
إلى 157 مليار ، وأن إحتياطى مصر من العملات الأجنبية 34مليار دولار فقط ، وأن إلتزامات مصر تتجاوز بكثير قرض
صندوق النقد ، وأن تدخلات المركزى يجب أن تكون بهدف تهدئه تقلبات السوق فقط ، وأن توجيهات الصندوق ترى
أنه يتوجب على الحكومة الصمود فى سياسة مرنة لسعر صرف العملات الأجنبية .
وهنا يذكر أن هناك قرارات غير مدروسة أوصلتنا إلى الأزمة ، مع أننا بدأنا سياسة إصلاح إقتصادى منذ عام 2016
خففت كثرا من وطأة حدة تأثير أزمه كورونا ، ولكن التوسع فى القروض ، والعجلة فى تنفيذ المشروعات فى
فترات قصيرة بدون دراسات جدوى كافية ، على سبيل المثال ” مدينة الأثاث فى دمياط ” .. وغيرها ، أوقعنا فى
كثير من الأخطاء ، فضلا عن عدم ترتيب الأولويات فى تنفيذ المشروعات ، وكان من باب أولى التركيز على
الصناعة والزراعة بوصفهما أحد أهم موارد الدخل القومى من العملات الصعبة بعد قطاعى السياحة وقناة
السويس .
ولكن أن تأتى متأخرا خيرا من أن لاتأتى مطلقا ، حسنا فعلت الدولة المصرية فى خطوة أعتقد أنها جاءت متأخرة
جدا ، وكان يجب أن تبدأ منذ عام 2016 على الأقل ، وهى أنها أطلقت مبادرة لتمويل قطاعى ” الصناعة والزراعة
” ب 150 مليار جنية بفائدة 11% . وحسنا فعلت الحكومة المصرية غندما أصدرت قرارها بالتقشف وترشيد
الاستهلاك ، وقرار تأجيل تنفيذ أية مشروعات جديدة لم يتم البدء في تنفيذها ، ولها مكون دولاري ، وهذه خطوة
على الطريق الصحيح لـ إمتصاص التضخم الذى بلغ أعلى معدلاته .
أعود لكى أأكد على أهمية أن يتم التعامل مع الأزمة بمنتهى الـ إحترافية والذكاء ، وأن تكون الصناعة والتصدير
هى أولوية لنا ، وأن نعتمد على المنتج المحلى ونقلل الواردات ، والحمد لله فإن مصر لديها العقول ولكن أعطوا
لها الفرصة ، علينا أن نستفيد من تجارب الدول التى سبقتنا ولنا فى الصين القدوة والمثل .
إقرأوا ما كتبه آلان بيرفيت “Alain Payrefitte” عن الصين في مؤلفه ” عندما تستيقظ الصين سيرتجف العالم “
للاستفادة من تجربة الصين التى كانت تئن تحت وطأه الجوع والفقر جراء الحرب والإستعمار ، وكيف نهضت رغم
هذا الفقر المدقع ، ورغم كونها من بلدان العالم الثالث ، ولكنها نهضت بالعلم وبتعبئه قوى شعبها . والله تعالى
أسأل أن يحفظ مصر وأهلها ، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ودائما وأبدا ” تحيا .. مصر ” !!