ما بين كل فترة وأخري يخرج علينا البعض ممن يعشقون الشهرة الزائفة ليلقون الاتهامات علي أحدي الرموز الدينية ، ثم يتبع ذلك ترديد بعض الببغاوات لهذه الافتراءات بدون فهم أو وعي ، هولاء أجدهم أخطر وأشد جرما ممن يقودون القطيع ، فلولاهم ما تجرأ البعض علي انتهاك حرمات علماء إجلاء وسلف صالح ، ومن بين الرموز الدينية والقامات العالية التي تكون دائما محل كذب وافتراء الرويبضة وأهل التفاهات هو فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي ، فتارة يقولون أنه رمز من رموز الوهابية في مصر ، وتارة اخري يصفونه بالتعصب والتطرف . وكلها اتهامات المراد بها النيل من شخصه وقيمته العالية ، فالشيخ محمد متولي الشعراوي هو قيمة وقامة عند المصريين لم ولن يصل إليها أي عالم أو فقيه اسلامي آخر ، فهو أفضل من فسر القرآن الكريم وأيسرهم ، وهو من يلتف حوله كل أفراد الأسرة للاستماع والاستمتاع إلي جميل حديثه وبشاشة وجهه ، فضيلة الإمام الشعراوي الذي أقر باستاذيته وعلمه جميع شيوخ الاسلام المعتدلين والذي لم يصل إليه أحدا في عصرنا الحديث ، هو هدية السماء للمسلمين ليتفهموا أمور دينهم ودنياهم ، الشيخ الشعراوي لمن يتهمه بالتطرف كان صديقا لقداسة البابا شنودة ، أمام الدعاة هو الوحيد الذي وقف أمام الرئيس الأسبق حسني مبارك في لقاء شهير أذاعته كل قنوات الدنيا بلا رهبة أو خوف وقت ان كان الجميع يخشي حتي النظر إلي مبارك ، الشعراوي لم يعرف يوما الذل أو النفاق أو الرياء ، الشعراوي سيظل منفردا لسنوات طويلة في قلوب المسلمين في كل بقاع الدنيا ، يحبه الصغير والكبير ، الجاهل والمتعلم ، الشعرواي حرم ما حرمه الله واحل ما احله الله ولكن جاء ذلك علي غير هوي البعض ، فكانوا يريدونه شيخا من شيوخ المسخرة الذين يحللون الزنا بالعازل الطبي ويؤكدون – ظلما وبهتانا – أن القليل من البيرة ليس حراما !
الشعرواي لا يخشي في الحق لومة لائم وكان يفتي بما يرضي الله ورسوله ويقول بما جاء بكتاب الله وسنه نبيه بدون تحريف أو تخفيف أو تجريف أو تجويف لذلك فهو عند بعض أتباع الإسلام المودرن – الذين يفتون بأن ظهور الفنانة بباروكة الشعر حلالا بحجة أنه يغطي شعرها الأصلي – متعصبا وغير متسامح .
مشكلة البعض ليس مع فضيلة الشيخ الشعرواي ولكن في الحقيقة مع بعض تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، هم يحللون ما يحبونه ويريدون شيوخ يفتون بذلك صراحة وأمام الدعاة ليس من هولاء . لو كان الشعراوي متطرفا أو متعصبا لكانت الدولة منعت ظهوره بل وانزلت به العقاب ، لو كان الشعراوي متطرفا أو متعصبا لما نالت شهرته كل بقاع الدنيا بكل دياناتها ومعتقداتها ، لو كان الشعراوي متطرفا او متعصبا لما صار بينه وبين البابا شنودة صداقة ومحبة استمرت لسنوات ، لو كان الشعراوي متطرفا او متعصبا ما أصبح الشعراوي وسيظل . المشكلة ليست مع شيخنا الجليل ، المشكلة ان شيخنا ليس علي هوي البعض الذين يريدون تحليل الشهوات بفتاوى ليست من الدين .
ولم يتوقف عطاء الشيخ الشعراوي لخدمة الدين الإسلامي في مصر فقط ، بل امتد إلى دول عربية أخرى مثل السعودية التي عين فيها أستاذا بأكبر جامعاتها ، وكذلك الجزائر حيث تولي مهمة تصحيح المفاهيم الخاطئة التي بثها الإحتلال الفرنسي ، وقد اختير من قبل الرئيس المصري الراحل أنور السادات ليكون وزيرا للأوقاف عام 1976.
وسرعان ما تقدم الشيخ الشعراوي باستقالته من المنصب نهاية عام 1978، ليصبح بعدها عضوا
بمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، إضافة إلى اختياره عضوا بمجمع اللغة العربية
بالقاهرة، نظرا لارتباط دراسته بهذا التخصص وتبحره في الأدب ونصوصه والشعر ،
في سبعينيات القرن الماضي ، عاد الشعراوي إلى تقديم الدروس في المساجد وتفسير القرآن
الكريم ، وهي المهمة التي تميز بها وسط علماء الدين الإسلامي.
في هذه المرة لم تقتصر الدروس على المساجد فقط، بل دعمته الدولة المصرية بتخصيص برنامج “
نور على نور ” له لمدة عشرات السنوات المتواصلة بداية من عام 1973، وتدريجيا أصبحت دروس
الشيخ الشعراوي جزءا أساسيا من حياة المصريين ، بمشاهدة البث التليفزيوني الثابت ” خواطر
إيمانية ” التي يفسر فيها آيات ونصوص القرآن الكريم .
حرص الشيخ الشعراوي على نقل خبرته العلمية إلى كتب ومؤلفات عديدة مثل “المنتخب في
تفسير القرآن الكريم” و”نظرات في القرآن الكريم” و”على مائدة الفكر الإسلامي” و”الإسلام والفكر
المعاصر” و”مئة سؤال وجواب في الفقه الإسلامي” و”الطريق إلى الله” و”الشورى والتشريع في
الإسلام”.
ونظرا لدوره في المجتمع المصري، حصل على عدة أوسمة وجوائز بداية من وسام الاستحقاق
لتقاعده عام 1976، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر عام 1983 ووسام الجمهورية وجائزة الدولة التقديرية عام 1988.
وظلت إسهامات الشيخ الشعراوي في الدين وتفسير القرآن ممتدة حتى أن توفي في 17
يونيو/حزيران 1998. سيظل الشيخ الشعرواي علما لن تنجب الأرض مثله ولو كره الكارهون .