الإعلامي محمود عبد السلام يكتب : هيا نصندق !

الكاتب محمود عبد السلام
صندق زيد .. أى صنع زيد صندوقاً ، والاسم من صندق هو صندوق بضم حرف الصاد وتسكين النون وضم الدال وتسكين القاف ، وتصندق زيد أى تمترس بالصندوق .. وجمع صندوق صنادق ،
وللصناديق أهمية فى حياتنا فتاريخ الصندوق فى مصر قديم قدم أديم هذه الأرض الطيبة المباركة التى ذكرت فى الكتب المقدسة ، ففى عصر بناة الأهرام استعملت الصناديق فى وضع احتياجات الميت معه فى المقبرة ، فكان يضع أهل الميت معه ملابس وأطعمة ومجوهرات حتى إذا ارتدت اليه الروح وجد الزاد والزواد كما فى معتقد المصرى القديم ،
وتطور شكل الصندوق فى عصر الاضمحلال الأول فكان يضع فيه بعض الملح والخبز نظراً للفقر والحالة الاقتصادية المتردية
ثم جاء عصر الرعامسة بالخير الوفير فوضع فى الصندوق المجوهرات والأشياء الثمينة واستمر الحال هكذا بين رخاء وشدة ، والصندوق محتواه مرتبط بالحالة الاقتصادية ، ولأهمية الصناديق أنشئ حى أبان العصر الفاطمى لصناعة الصناديق وأطلق على الحى اسم ( الصنادقية ) ، وكان أهل العروس فيما مضى – أيام كان متاح الزواج للناس –  يذهبون لحى الصنادقية لشراء صندوق يوضع فيه مستلزمات العروس فى بيتها الجديد ، ولاقت صناعة الصناديق رواجاً حتى أواخر القرن التاسع عشر حين بدأت هذه الصناعة تخبو رويداً
وقد غنى المصريون لأهمية الصندوق أغنية شهيرة للموسيقار العبقرى فلتة زمانه سيد درويش وكان مطلع الأغنية يقول – لا مؤاخذة والعهدة على الذى غنى – ( سرقوا الصندوق يا محمد لكن مفتاحه معايا )
ويبدو أن صناعة الصناديق فى العقل الجمعى للشعب المصرى الساخر مرتبطه بالسرقة ، ولما كان الصندوق يوضع فيه تحويشة العمر كان مفتاحه يكون دائماً مع الشخص القوى فى الأسرة الذى يستطيع حمايته والحفاظ عليه من سرقة اللصوص وقطاع الطرق أعاذنا الله وإياكم من شرهم ، وحديثاً تفتق ذهن دول العالم عن إنشاء صندوق اقتصادي تساهم فيه دول العالم بقدر طاقة كل دولة لمساعدة الدول ذات ( العوز ) الاقتصادي ، ويحق لكل دولة ان تقترض من صندوق النقد الدولى بمقدار ثلاثة أضعاف ما ساهمت به فى الصندوق
الفرق بين صندوق محمد الذى سرق والذى غنى له سيد درويش وبين صندوق النقد الدولى أن
الأخير يَسّْرقْ ولا يسرق ، يترك لك الحبل على الغارب حتى يلتف حول رقبتك ثم يحكم رباطه على
عنقك ثم يتخلص منك ،
 ولأننا كشعوب لا نملك رفاهية المشاركة فى القرارات المصيرية أو من يمثلونا فى مجلس الشعب
بحكم انهم لا حول لهم ولا قوة ولم يأتوا إلى المجلس الموقر باختيارات حرة ونزيهة فأصبحنا فى واد
وحكومتنا الرشيدة فى واد آخر ، وأصبحت فوائد الديون تثقل كاهل الميزانية المصرية وأصبح وضعنا
الاقتصادي كله مهدد ، تبحث الحكومة الرشيدة عن مخرج لهذه الأزمة الطاحنة فيتفتق ذهنها عن
إنشاء مزيداً من الصناديق لعل الصندوق بالصندوق يُقْرّعْ أو تطبيقاً للحكمة الشهيرة لا يفل الصندوق
إلا الصندوق ، ولا عزاء لغير المتصندقين ، صندوق قناة السويس مزعج ومؤلم وأيضاً مخيف
وأقل ما يشاع عنه أنه بيع مقنع لقناة السويس المصدر الوحيد المستقر للعملة الصعبة التى نبتاع
بها قمحنا خبزنا كفافنا ، منذ خمسينيات القرن الماضى ونحن نعانى شظف العيش والفقر والاحتياج
ذلك هو التشخيص .. لكن لم يأتِ من يقول لنا ما هو علاج هذا المرض ؟ وما هى مراحل العلاج؟
سبعون عاماً مضت ونحن نعيش فى عنق الزجاجة لم نخرج منها ، ودول أخرى بدأت زمنياً معنا
وأصبحت من دول العالم الأول اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وعسكرياً ونحن ما زلنا نبحث عن الحل
فى الصندوق ، التفكير خارج الصندوق يجعلنا نرى الأشياء على حقيقتها ونسمى أزماتنا بأسمائها
الحقيقية ، لن يكون هناك حلاً إلا باعتماد العلم منهج فى حياتنا يواكبه إصلاح سياسى عميق
وتدرج فى اعطاء الحريات لمؤسسات الدولة والقضاء على الفساد
بغير ذلك سنظل نبحث عن الصناديق فى كل حارة وكل شارع وفى كل جوازه وستبقى الأغنية
التراثية الشهيرة ” سرقوا الصندوق يا……لكن مفتاحه معايا “
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.