الدكتور علاء رزق يكتب : خريف ٢٠٢٢ والقدرة على الصمود

الدكتور علاء رزق
وسط العديد من التحديات بعضها كان ذو وزن نسبي هو الأعظم على مدار التاريخ مثل جائحة كورونا، ثم النكبة الروسية الأوكرانية ، والتي ستحمل معها نبوءة إستمرار الحرب الأوكرانية عاما آخر، بعد أن كان محددا لها منذ بدايتها في مطلع هذا العام أياماً أو أسابيع على الأكثر ،ومع إستمرار هذه النكبة ستتصاعد العمليات الإرهابية، والتطرف، والصراع الدولى بشكل مباشر، ليؤسس لنظام عالمى متعدد الأقطاب،فى ظل خسائر للإقتصاد العالمى العام القادم تصل إلى 2800 مليار دولار نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية التى جعلت الإقتصاد العالمي يعيش أعلى درجات عدم اليقين ، تتطلبت مجموعة من السياسات المالية والنقدية التشديدية لمجمل الأوضاع المالية العالمية ، وعلى التوازي شهد الإقتصاد المصري العديد من المؤشرات بعضها كان سلبياً كإرتفاع معدل التضخم، وخروج الإستثمارات الأجنبية غير المباشرة بعد أزمة الأسواق الناشئة ، وعلى مدار السنوات السابقة سعت مصر لبناء إقتصادي وطني يقوم على تحديث قدرات الإنسان المصري بإعتباره الركيزة الأولى والهامة من ركائز معادلة التنمية، عبر صقلة بمجموعة من المهارات كالتعليم ،والتعلم، والتدريب، وربط ذلك بعمليه تحديث للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والتى تمثل الركيزة الحقيقية لإنطلاق الإقتصاديات الكبرى، والناشئة على مستوى العالم ، وهو ما تؤمن به القيادة السياسية الآن، وسابقا، عبر وضع إستراتيجية حقيقية لبناء الإنسان المصري، مع التواكب وتحديث للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، الهدف التنموى المصري هو التمتع بمقومات التنافسية،ذات المرونة البيئية الواجبة، حتى يمكن تعزيز مستويات النمو في مختلف القطاعات، وتحسين مناخ الإستثمار في مصر، وهو ما جعلنا نتجه بقوة نحو إستكمال عملية الإصلاح الإقتصادي والهيكلي الذي دشنته مصر عام 2016 ،وعززته في نوفمبر 2021، عبر ثلاثه ركائز تضمن الإستمرار في الإستراتيجية التنموية الكبرى ، بالإعتماد على تحديث للصناعات التحويلية عبر تمكين وتوطين صناعي في مصر يكون قادراً على إستغلال أمثل لموارد مصر غير المحدوده وعلى رأسها مصادر الطاقة غير المتجددة، لاسيما وأن كثير من الإقتصاديات العالمية القوية مثل الإقتصاد الألمانى ،تشير إلى أن هناك توقعات أداء اقتصادي للفتره القادمة بداية من عام 2023 في العديد من القطاعات سوف تكون كئيبة، لا سيما في تلك التي تحتاج إلى إستهلاك كثيف للطاقة كضمانة حقيقية لإستمرار عجلة الإنتاج في الدوران، وعلى رأس هذه القطاعات تاتي مصانع الصلب والكيماويات، ثم مصانع المواد والبناء، ومعظم القطاعات المالية والعقارية، لذلك فإن الإكتشافات الغازية المهولة التي حققتها مصر خلال الفترة السابقة، نتيجة لرشد في إتخاذ القرار ، هو إستعداد لمستقبل قد تعانى من مخاضة إقتصاديات كبرى، لذلك فإن الركيزة الثانية تتم عبر التحديث للبناء الزراعي، وتحقيق النهضة الزراعية الشاملة، تمكن مصر من ضمان عدم تأثرها بترهل، أو إنهيار منظومة سلاسل التوريد العالمية، التي تمثل الآن هاجس عدم الأمان الأول لإقتصاديات دول العالم ، ثم الركيزة الهامة عبر التوجة نحو البناء التكنولوجي، في ظل التوصل نحو الثورة الحقيقية في البناء التكنولوجي، والتى تم التعبير عنه مؤخراً من قبل العلماء الأمريكان، بالتوصل إلى مصادر جديدة للطاقة عبر إكتشاف الإندماج النووي، والذي يمكن معه حل جميع مشكلات الطاقة على مستوى العالم .
الركائز السابقة تمثل حجر الزاوية في استمرار قدرة الإقتصاد المصري على الصمود في مواجهة الأزمات والتحديات العالمية الراهنة، والتي أضرت بمعظم الإقتصاديات العالمية، وعلى رأسها الإقتصاد الأول عالمياً وهو الإقتصاد الأمريكي ، الذي يعاني حتى الآن بصورة غير مسبوقة حالة إقتصادية قد تصل إلى مرحلة الركود ، وتزامن معه الإقتصاد الأوروبي، ثم الإقتصاد الصيني الذي يعاني رغم أنه ما زال محافظا على ترتيبه الثاني فى الإقتصاد العالمي بعد الولايات المتحده الامريكية ، رغم كل هذه التحديات والأزمات لا زال الإقتصاد المصري محافظا على إستمراريته في تحقيق أعلى معدلات النمو الإقتصادي الحقيقي، في العالم ،إذ تشير المؤشرات إلى تحقيقه لأكثر من 6% في حين يبلغ متوسط معدل النمو العالمي ٣,٢٪. ،
ايضاً زاد الناتج المحلي الإجمالي ثلاثة أضعاف ليصل إلى أكثر من ثمانيه تريليون جنية، كل ذلك
ساهم في خلق آلاف من فرص العمل عبر
حزمة من المشروعات القومية العملاقة، كمشروع محور تنمية قناه السويس، وضمان وجود أكثر
من 40 صناعة كبيرة على ضفتي القناة فى خطوة غير مسبوقة ،اذا تم إستغلالها فإنها ستمثل
نقطة إنطلاق لحصان مصر الإقتصادي في الفترة المقبلة، كذلك تم ربط هذا بالمشروعات المتوسطة
والصغيرة لنصل في النهاية إلى تحقيق لمعدل بطالة لم نصل إليه منذ ثلاثين عاماً، حيث وصل إلى
ما دون 7%، ملف البطالة لا شك بمثل بؤره إهتمام للدولة المصرية فى ظل الجمهورية الجديدة،
لأنها تؤثر في أكثر من 63 أفه إجتماعية،مثل، أطفال الشوارع ، وزيادة ، حالات الطلاق وعدم الزواج،
والأمية، والتسرب من التعليم، والجريمة، ولا شك وأن إرتباط البطالة بمعدل التضخم له دلالات كثيرة
، فارتفاع معدل التضخم والبطالة، قد يؤدي إلى ضمور إقتصادي عظيم ، وأن إحتواء هاتين
المشكلتين كفيل لأي حكومة أن تحقق كل الطموحات الإقتصادية والإجتماعية المستقبلية، وقد
تكون قرارات البنك المركزي المصري الأخيرة ساعية إلى إحتواء مشكلة التضخم عبر إمتصاص
السيولة النقدية الزائدة، وبالتالي مواجهة وإحتواء مشكلة التضخم، ولكن هذا لابد وأن يتواكب مع
ضرورة التعظيم لجانب الإيرادات الحكومية من ناحية ، والسيطرة على المصروفات الحكومية من
ناحية أخرى، حتى يمكن تخفيض لمستويات العجز الكلي، والدين الحكومي، وبالفعل نجد أن نسبة
المصروفات العامه كانت حوالي 23% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقارنة ب33٪ عام
2014 ، وهو ما جعلنا نحقق فائض أولي هذا العام، لكن المشكله تبقى في محدودية هذه الإيرادات
، و رغم أنها زادت ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2014 ، إلا أن نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي
تقلصت ووصلت إلى 17% هذا العام ، مقابل 22% عام 2014 وبالتالي كان لابد من ضروره إعادة
النظر في وضع إستراتيجية لزيادة حصيله الإيرادات ، تبدا بوضع نسبة قابلة للتحقق ، مع الإسترشاد
بالنماذج الدولية المتعلقة بالسياسات المالية وخاصة للدول المتشابهة معنا، وسوف نجد ان هذه
الدول نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلي الاجمالي لا تقل عن 25% ، وهي تمثل نسبة أكبر بكثير
عما نحققه الآن، والتي لا يزيد عن 13% ، اي أننا نحتاج إلى مضاعفة مبلغ حصيلة الإيرادات
الضريبية، حتى نكون قادرين على معالجة التشوهات المزمنة فى الموازنه العامة للدولة ، لضمان
إستمرارية القدرة على الصمود في وجة التحديات الإقتصادية العالمية المتصاعدة الآن.
كاتب المقال : رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.