بالتأكيد كلنا نمر بذكريات كثيرة في حياتنا منها السعيدة ومنها المؤلمة شديدة القسوة التى تقتحم القلب فتطفئ شموعه المضيئة ليصبح بداخلك غرف مظلمة ، ومع ذلك تحاول أن تلملم قوتك لتتحسس الطريق وتكون كالطفل الذي يتعلم كيف يقف ، وكيف يتحرك حتي لا يقع ؟
وعندما يتمكن من الوقوف ينظر إلى أمه وأبيه ويبتسم ابتسامة الضعيف ولكنه لابد أن يكمل مسيرته.. فيحاول يخطوا ويمشي وهو مضطر ومضطرب و يبدأ في نقل قدميه خطوة خطوه ويشعر بتعب وضيق ويلتفت لأمه لتمسك بيده وتطمئنه.!!
وهنا نتساءل هل يمر الإنسان الكبير بهذه التجربة الصعبة التى يحتاج فيها إلي السند الذي يساعده على أن يمسك يده ليكمل مسيرته في طريق مضئ دون الإعاقة وهو يخطو بقدميه لتساعده وهو يتابع الحياة بيقظة العقل وسلامة القلب وشفافية المشاعر دون عراقيل وصعوبات..؟
في الحقيقة الأب يكون في ضهرك يحميك من الكثير والكثير لكن بعد فقدانه ماذا يحدث؟ تواجه مشاعر تكون كالعواصف التى تقطع النور من شدتها ويضطر الإنسان إلى محاولة الاستمرار من أجل من حوله وهو يمسك شمعة نورها خافت ومع ذلك يتكلم ويعمل ويدعو الله ويطلب منه المساندة والدعم بضعف المحتاج المتعب من ظلم وقسوة ظلام الظروف والأيام.. فبعد رحيله سكن الحزن القلب من شدة العتمة التى أقتحمته .. فالأب الحنون الذي علمني كيف أقف وكيف أخطو لكي انظر أمامي بشكل صحيح وأمشي في طريقي مهما قابلني من إعاقات وعواصف تأخذني للرجوع أو التوقف فكان الصوت الذي يعطي الإنذار.. و كان طوق الأمان الذي يدفعني لمواجهة كل الصعوبات بفكر منتبه و عقل مرتب وقلب يرشدني ليضئ لي بنات إفكاريَ َ..
وعندما يحدث مواقف صعبة تزلزل كياني أجري عليه وأحكي له كيف أواجهها سواء كانت تخصني أو تخص الأسرة ويمحو القلق والخوف والتوتر الذي أصابني وكاد يأخذني الي الإحباط والإستسلام فبعد الاستماع لي .. يبتسم بهدوء وجمال وبساطة كما لو كنت طفلة وبطلب لعبة!!!
وبعد صمته وتركيزه واستماع لي بعمق ..يبدأ يتكلم ويسرد ويحلل بهدوء وإيجاز و في دقائق تنتهي المشكلة وتذوب أمامي واحتار مع نفسي وأشعر ببساطة الموقف و كان يقول لي بصوته الهادئ ونظراته المطمئنة” هو ده الموضوع إلي مزعلك .. ده تافه جدا وعيب إنك تغضبي كده” لأنه لا يستدعي هذا الإنفعال .. فأعود لحالي افضل وأقوى لأستكمال مسيرتي..
ودارت الأيام ومضت سنوات العمر لتأتي الطلقة التى أقتحمت بيتنا وقلوبنا لتنشق وتتعب وتتألم.. فأمي جلست مكانها لتحكي ذكرياتها معه وجمال عشرته لها وتنادي عليه وهي نائمة ومستيقظة..
أما أخوتي لا يستطيعوا التحرك داخل البيت فصورته وكلامه وجمال استقباله ذهبوا وجفت جدران بيت العائلة ومع ذلك نحاول .. ولكن لم ولن نهدأ من قلوبنا المشروخة..
بصراحة ارجوا لمن يقرأ سطوري لا يتضايق منها لأننا جميعا نمر بهذه المحنة الصعبة وتعيش بداخلنا ونحاول التعايش معها ولكنها تتجدد بكل ما فيها من حزن عندما يأتي ذكري موعد الرحيل باليوم والساعة تجد قلبك يرتجف ويبكي ونفسك مظلمة ومشاعرك مظلومة معك لأنك لست قادرا على تزيييفها ، وتأخذك لتجعلك صامت لا تدرك من حولك ولا تحاول التعايش مع أحد أثناء إسترجاع الذكرى صاحبة الرصاصة القاسية ولكن يبقى لهطيب الدعاء بالرحمة والمغفرة والتوسل الي الله سبحانه وتعالى أن يسكن والدي الحبيب الفردوس الأعلى هو وكل الآباء الذين رحلوا من الحياة.. ونور الله معنا يضئ قلوبنا ونفوسنا وعقولنا ويصبرنا على المحن ويربط على قلوبنا. اللهم آمين.