أسوة بمعظم الإقتصاديات الناشئة على مستوى العالم، يدخل الإقتصاد المصري عاما قد يكون هو الأصعب مقارنة بالسنوات الماضية، فتحت وطأة
الضغوط التضخمية، وسعر الصرف ،ورفع الفائدة من قبل البنك الإحتياطى الفيدرالي الأمريكي، إنعكس ذلك على زيادة تكلفه الدين الخارجي لدول العالم النامى، وسيكون التحدي الأكبر لنا هو التوجة الإنكماشي في الولايات المتحدة الامريكية خلال العام القادم . وتحت وطأة إضطجحرابات أسعار الطاقة خاصة في القارة الاوروبية، والتي قام وزراء الطاقة فيها عدا المجر بتثبيت سعر الغاز عند 180يورو للميجا وات ساعة وذلك من أجل حماية الدول والشركات والمواطنين من التقلبات الشديدة في الأسعار وهو سعر أقل من السعر الذي إقترحته المفوضية الأوروبية والتي حددته عند مستوى 275 يورو، قد يكون هذا التوجه مناهضا لسياسة حرية السوق التى تمثل الفريضة التى تلزم بها الدول المتقدمة ومؤسساتها المالية دول العالم الأخرى على الإلتزام بها ، ولكنها الآن تنظر إليها كسنة غير مؤكدة،لكن على أرض الواقع نجد أن زيادة سعر الطاقة بسبب الحرب أدى إلى فاتورة لا تقل عن تريليون دولار تحملتها أوروبا،ولكن المشكلة تكمن فى أن نصف أعضاء دول الإتحاد الأوروبي لديهم ديون أكبر من حد الكتلة والمقدر ب 60% المتفق عليها من الناتج المحلي الإجمالي للدولة ،مما يجعل إمكانية التعويض للشركات وللمواطنين لتريليون دولار بعد هذا العام أمرا صعباً جداً.وتحت وطأة إضطرابات سلاسل التوريد العالمية ونقص المعروض من الغذاء خاصة في دول القارة الإفريقية والتي تلعب الأن دوراً هاماً في السياسة الدولية بفضل أنها أكثر الدول وزنا في فئة الشباب، ولكنها أكثر القارات فقرا، حيث يعيش على أرضها 300 مليون شخص يعانون ضعف الآمن الغذائي، من اأأصل 800 مليون شخص حول العالم عام 2022, وذلك بسبب زيادة حجم الديون التي وصلت في بعض الدول الإفريقية إلى 250% من إيرادتها ،كذلك نقص المياة الصالحه للزراعة ،وزيادة حدة التصحر ، مع نقص فى الخدمات الصحية، كل ذلك ساهم في زياده التحديات التي تواجة إستقرار القارة الإفريقية، وهو ما عبر عنه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة الإفريقية الأمريكية هذا الاسبوع بواشنطن، وهي القمة الثانية بعد القمة الأولى عام 2014 ، وتخلل هذه الفترة بين القمتين حالة من الفتور في العلاقات الأمريكية الإفريقية، قابله على التوازي زيادة حدة النفوذ الصيني والروسي،وتصاعد حالة الإستقطاب الحاد في إطار تحول العالم لعالم متعدد الأقطاب لتحقيق معادلة التوازن في المصالح والفرص ، والأهم عدالة إقتسام الأضرار ،خاصة وأن لدى القارة الإفريقية الشابة من النماذج ما يجعلها تمتلك الثقة في إمكانية تكرار مثل هذه النماذج الناجحة، ويأتى على راسها النموذج البوتسواني الذي إن دل فإنما يدل على أن إفريقيا تمتلك من مقومات التاريخ والحضارة ما يمكنها أن تصير الماسة تقنية لامعة، حتى ولو إنطلقت من أسوا بدايه يمكن تخيلها وهو ما يتمثل في النموذج البوتسواني الذي كان يحقق مستوى دخل لا يتجاوز 70 دولار للفرد أي 20 سنتا في اليوم عام 1966 وكانت إحدى أشد الدول فقرا على مستوى العالم، وتمثل دولة محكوم عليها بالفشل، الآن إرتفع متوسط الدخل السنوي للمواطن إلى أكثر من 17,000 دولار اي أكبر من البرازيل والجزائر وليبيا وحققت بوتسوانا خلال ثلاثة عقود متصلة معدل نمو حقيقي تجاوز 9% ، وكان الشعار هو صياغة إطار حاكم للشفافية وإنعدام الفساد، لتحتل به بوتسوانا المرتبه 24 عالمياً في مؤشر الشفافية ( إنعدام الفساد) وتجاوزت الدول الإفريقية, ودول كبرى مثل فرنسا وإيطاليا وكوريا الجنوبية، وعلى مقربة من الإمارات وقطر، إذا يمكن لأفريقيا أن تحقق التقدم السريع في ظل إمكانياتها المتواضعة، ولكن بشرط يكمن فى وضع العجلات على السكة الصحيحة، وفي الإتجاه الصحيح، ثم السير بحذر تفادياً لأي حوادث مستقبلية، وهو ما تدركه مصر الآن عبر المنهج الواقعى والحقيقي، وعبر وأد إستراتيجية إبعاد النواة عن محيطها العربي والأفريقي والشرق أوسطى والدولي،والذى أسسته إسرائيل على يد ايريل شارون نهاية السبعينات من القرن الماضي، والنواة هنا مصر،لذا ادركت القيادة السياسية بأن تفاعلها مع محيطها الإقليمي والدولي من خلال شركات إقتصادية لإستكشاف آفاق جديدة للتعاون المشترك، وتأكيد القدرة على مواجهة التحديات المرتبطة بالأزمات الدولية وما يتبعها من تحديات عابرة للحدود في مجالات الإقتصاد المتنوعة، تأكيد مصر إعلاء مبادئ حسن الجوار ،وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وإحترام القانون الدولي، وإعتماد الحوار كلغة لحل النزاعات، والتعاون والأمن المشترك كبداية حقيقية لإستمرار العمل البناء والمضيء قدما في التعاون معا لحل الخلافات الإقليمية، والتوجة نحو تنفيذ المشاريع الإقتصادية ، لتثبت مصر أن السياسة الجيدة تثمر إقتصادا جيداً، وليست كما كان يقال بأن الإقتصاد الجيد يقتضي سياسه سيئة، لذا كان التوجة نحو إعلان الحرب على الفساد، وعبر شعار صفر تسامح مع الفساد كان البدايه لإنطلاق الكثير من الدول الإفريقية، مع التركيز على الأطفال تحديداً، من خلال ندوات ،ولوحات دعائية، وبرامج تعرض في المدارس والأسواق عبر سلاسل كرتونيه كان بطلها هو البقرة الخارقة التي تحارب الفساد وتقضي عليه . ما نؤكد عليه أن العامل المشترك لكثير من الدول التى إستطاعت أن تتجه صوب المستقبل كان بفضل الإنضباط المالي من ناحية، وحسن الإدارة من ناحية أخرى ،التحرك صوب المستقبل أكدته القيادة السياسية عبر مجموعة آليات عبر إيجاد شراكة حقيقية مع إحدى القوى الكبرى لضمان مواصلة جهود الإصلاح طويل المدى، وعبر الإرتقاء بمستوى كفاءة الإنفاق العام، وعبر تحسين عمليه تقديم الخدمات ، وإصلاح عملية إعداد الموازنة العامة للدولة، وكذلك عبر إعادة صياغة السياسات المتعلقة بقطاع الزراعة، وتعزيز إمكانية التصدي لأخطار
التغيرات المناخية، وهو ما أكد عليه السيد الرئيس خلال القمة العربية الصينية التي عقدت في
المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، ومؤكداً على ضرورة حوكمة المؤسسات المالية
الدولية لتكون أكثر عدالة وشفافية ، ومؤكداً أن الأزمات العالمية أثقلت كاهل دول العالم النامي، وأن
المجتمع الدولي مطالب الآن فصاعدا بالبحث عن آليات تخفف عبء الديون عن كاهل هذه الدول
بعد إرتفاع فاتورة الغذاء والطاقة ،
لكن إصرار القيادة السياسية على ضروره توطين الصناعات خاصة التي تعتمد على الزراعة ، مع
دعم توجية 200 مليون فدان فى افريقيا قابله للزراعة، لتكون سله الغذاء العالمي، ومخزن للحبوب
في القارة الإفريقية ، ولكن هذا ايضاً مرتبط بضرورة مساعدة الدول المتقدمة لأفريقيا في
التكنولوجيا ،وتوطين الصناعات بما يؤدي إلى تقليل نسب الفقد في المنتجات الزراعية ، خاصة وان
التقارير الدولية تؤكد بان العام القادم سيكون عاما صعباً إلى حد ما على الإقتصاديات الناشئة ومنها
مصر ،حيث تشهد حاليا تغيرات في الدورة الإقتصادية بما سيحد من التدفقات الحرة في الاسواق
الناشئة، وهنا نستنبط ان التوجهات التي تقوم بها مصر على كافه النواحي المحلية والإقليمية
والدولية وكان اخرها قمه بغداد الثانية التي عقدت الثلاثاء الماضي في دوله الأردن الشقيقة لرسم
طريق نحو التعاون والشراكة بين دول المنطقة، خاصة دولة العراق تلك الدولة الشقيقة التي زادت
فيها عائدات النفط هذا العام أكثر من 57% عن العام الماضي ووصلت اليوم إلى 10 مليار دولار في
الشهر، أي ما يعادل 12 مليار جنية في اليوم الواحد، وهو يعني ضرورة صد اى تربص بهذه الدولة
العربية الغنية ، وأن يكون هناك توجه نحو بناء التكامل الإقتصادي مع الدول العربية الشقيقة ،
وإستدعاء روح التعاون سواء الجماعي أو الثنائي، بما يسمح بتنفيذ المشاريع الإقتصادية، وتحقيق
الأمن الغذائي الذي تقلص فى ظل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وتجديد بناء الجسور مع الأسواق
العالمية، لتعزيز الشراكة والتكامل العربي والدولي في ان واحد، خاصة وأن هذه المنطقة أكثر
المناطق في العالم ذات أهمية إستراتيجية، وجيوسياسية ، وإقتصادية وحضارية.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام